من جديد، تظهر خطورة مطامع الاحتلال الإسرائيلي في أراضي
الضفة الغربية المصنفة
(ج) وفقا لاتفاقية أوسلو الموقعة مع السلطة
الفلسطينية، لكنها هذه المرة تتعدى التلويح
بالمصادرة إلى قرار ضم فعلي على لسان وزير الحرب الإسرائيلي "نفتالي بينيت"، بإخضاع هذه المناطق للسيادة الإسرائيلية، وجعلها جزءا من كيان الاحتلال.
وأيا ما كانت الأهداف وراء هذا الإعلان وتوقيته؛ فإن مئات آلاف الفلسطينيين
الذين يسكنون في مناطق (ج) مهددون بالطرد والترحيل، كما حصل سابقا مع أهالي مناطق قريبة
من القدس المحتلة، حين ضمها الاحتلال لسيادته عام 1967.
ويرى المراقبون أن الخيارات ستكون محدودة أمام المواطنين في تلك المناطق، التي تشكل أكثر من 65% من أراضي الضفة الغربية.
ويرى مدير مركز أبحاث الأراضي، جمال العملة، أن الأمر الذي تم التحذير
منه منذ سنوات يطبق واقعا الآن، ويصدر عن طريق وزير إسرائيلي.
ويقول في حديث لـ"عربي21" إن ما صدر عن وزير الحرب الإسرائيلي
بشأن مناطق (ج) يتحدث فيه عن أمر قائم على الأرض منذ سنوات، أي أن "الاحتلال فرض
وقائع حقيقية استعدادا للإعلان عن هذه الخطوة، فقام بمنع الفلسطينيين من استخدام أراضيهم، وهدم أي بناء عليها حتى لو كانت خيمة، كما منعهم من حفر الآبار واستصلاح الأراضي".
ويوضح العملة أن الاحتلال ضمن سياسات فرض الأمر الواقع "قام بإطلاق
يد المستوطنين ليعيثوا فسادا ضد الفلسطينيين في مناطق (ج)؛ وتمثل ذلك بقطع الأشجار، ومهاجمة المنازل، وتخريب المزروعات، وذلك بحماية الجنود الكاملة، حتى لو اشتكى الفلسطيني
ضد تصرفاتهم، فلا يسمعه أحد، بل يتم التعامل معه كأنه معتد على "أراضي الدولة".
ويشير إلى أن الوزير الإسرائيلي نفسه كان طالب قبل شهر واحد القضاء الإسرائيلي
بالبحث عن طريقة لإعادة تسجيل أراضي الفلسطينيين في مناطق (ج) بأسماء مستوطنين، حسب
القانون الإسرائيلي، وهذا يعني بالمطلق ضم الأراضي، وتطبيق ذلك فعليا.
ويضيف:" إجراءات الضم تحدث على الأرض قبل أن يتم الإعلان عنها تماما
كما صفقة القرن، فيقولون سيتم الإعلان عنها بعد أشهر، لكنها بالفعل مطبقة على الأرض
من الآن".
ويتطرق العملة خلال حديثه إلى منطقة الأغوار الفلسطينية، "التي أصبح
88% من مساحتها بيد المستوطنين، حتى المزارع، خاصة مزارع التمور، هي تحت سيطرة الاحتلال، ولم يعد للفلسطيني أي نفوذ عليها"، لافتا إلى أن المزارعين الإسرائيليين يتم التعامل
معهم وتمويلهم حسب خطة موازنة الزراعة الإسرائيلية، كما أن حصة المستوطنات من خطة موازنة
الزراعة لعام 2020 بلغ 148 مليون شيكل، وقانون وزارة العمل أو الزراعة يطبق على المزارعين
الإسرائيليين في الضفة وفي منطقة h2 في الخليل، كما كانوا أعلنوا
قبل سنوات عن إنشاء بلدية للمستوطنين داخل الخليل، وهو ما يتعارض مع اتفاقية الخليل،
فكل هذه الإجراءات تعني الضم.
ويؤكد العملة على أن الفلسطينيين إذا ما تم تطبيق هذا القرار سيصبحون
"كأنهم لصوص الأرض، وكأنها ليست لهم، وسيصبح الفلسطيني مجبرا على مغادرة أرضة بالقانون
الإسرائيلي، ومغادرة مسكنه أو مغارته إلى مناطق أ و ب، التي لا تزيد مساحتها على 36% من الضفة المحتلة".
ويتابع: "الذي سيحصل هو حصر الفلسطينيين في غيتوهات معزولة ومحصورة
في مناطق (أ) و (ب)، ولو نظرنا لخريطة الاحتلال وشوارعه الاستيطانية الجديدة، سنجد أنها
مخططة لتكون متكاملة مع فلسطين المحتلة عام 1948، بينما تظهر التجمعات الفلسطينية كأنها
نشاز، وهذا ما يسعى الاحتلال للوصول إليه".
أما فيما يتعلق بخيارات الفلسطينيين أمام ذلك، فيعتبر العملة أن "الأصل
ألا تكون هناك سلطة تحت احتلال، والأهم الآن هو تكريس موازناتها وجهودها للحفاظ على
الأراضي المشاع أمام الاحتلال"، مبينا أنه "لو تم دعم كل بدوي وكل خربة
وتجمع فلسطيني، ودعم البناء في كل قطعة أرض منذ سنوات، لوضعت حدا للتوسع الاستيطاني".
ويلفت إلى أن الردود على هذه المخططات ما زالت في إطار ردود الفعل وليس
من خلال استراتيجية، وحتى القانون الدولي لم يتم استخدامه بطريقة متكاملة وإن بدأ استخدامه
مؤخرا لكنه بطيء الفعل.
ويوضح أن الحل هو "بفرض الحقائق على الأرض؛ لأن الشعب الفلسطيني قادر
على تحمل قسوة الحياة في مناطق صعبة مثل الأغوار والمسافر، لكنه يريد من يقف معه، وعلى
الرغم من وجود مساعدات ومشاريع تقدم بالفعل لأهالي تلك المناطق، إلا أنها لا تقارن بحجم
المساعدات التي تقدم للاستيطان".
"الطرد
والتهجير"
بدوره، يعتبر المحلل السياسي الفلسطيني، أحمد رفيق عوض، أن مثل هذه القرارات
قد يكون تطبيقها مرهونا بالدعاية الانتخابية الإسرائيلية، وقد يكون التزاما ببرنامج
انتخابي عقائدي لحزب "بينيت" السياسي.
ويقول لـ"عربي21" إن "إسرائيل تتحرك بعدوانية واستعمارية
شديدة، وتكشف عن أنيابها الاستعمارية، كما تضرب بعرض الحائط القرارات الدولية، وحتى الدول
المطبعة معها، وكذلك السلطة الفلسطينية".
ويرى عوض أن "الاحتلال إذا أقدم على تنفيذ مثل هذا القرار، فعلى
السلطة أيضا أن تتخذ خطوة غير مسبوقة؛ لأن ضم مناطق (ج) هو هدم للسلطة والمستقبل الفلسطيني
وحل الدولتين، وهو تفكيك ديمغرافي وتقييم جغرافي، وبحث عن دويلة في قطاع غزة بغرض فرض
التسوية بالقوة"، حسب تعبيره.
ويضيف: "الرد يجب أن يكون غير مسبوق كذلك، والخيارات كثيرة، ومنها
دبلوماسية مثل تغيير مكانة السلطة، وإعادة تحديد العلاقة مع الاحتلال، وتغيير كل التحالفات
أيضا، لأن ضم مناطق (ج) هو ضم ثلثي الضفة، فلا يوجد مستقبل أو دولة فلسطينية، فالرد
من القيادة يجب أن يكون غير مسبوق وبحجم هذه الكارثة".
وحول مصير الفلسطينيين في تلك المناطق في حال ضمها، فيعرب عوض عن اعتقاده
بأن "الاحتلال حين يضع نية ضم تلك الأراضي، فهو يجهز لسيناريوهات معينة؛ ويكون
ذلك إما بإعطائهم بطاقات هوية خاصة أو حتى إقامة إسرائيلية كما أهالي القدس المحتلة،
لافتا إلى أن
مناطق ج يسكنها أكثر من 300 أو 400 ألف فلسطيني".
ويقول إن الاحتلال "قد لا يدع خيارا أمامهم إلا الطرد إلى مناطق
(أ) و (ب)؛ لأنه سيقوم بهدم منازلهم ومصادرة أراضيهم ومياههم، فلا يجعل لهم مجالا للعيش
هناك، ولا مصادر رزق، وبالتالي إما أن يقبلوا بما يُعرض عليهم من الاحتلال أو أن يهاجروا
إلى مناطق أخرى".