هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: 2020 ومابعد! وما بعد إشكاليات حضارية في عولمة بلاهوية
الكاتب: د. حاتم علامي
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ،الطبعة الأولى صيف 2019، بيروت لبنان،
(359 صفحة من الحجم الوسط).
إن حقبة من التاريخية الحداثية وسمت حركية الحياة على كوكب الكرة الأرضية منذ عصر التنوير، وبالرغم من تفاوت الآراء بشأن تأثيراتها ونتائجها على الجماعات البشرية، إلا أنه من المتفق عليه أنها أحدثت نقلة نوعية من خلال تعميم نموذج جديد استناداً إلى التماهي مع المشروع الحضاري الغربي، تمخض عن هذا التماهي إطلاق العنان للعولمة.
وإذا كانت الحداثة، قد أعادت الاعتبار إلى الإنسان وإعمال العقل بمعزل عن سلطة الدين، وكذلك تحويل الطبيعة إلى الثقافة، فإن السياق الحداثي ونتائجه التي عرض لها بالنقد معظم مفكرو القرن العشرين، قد تعرت أمام النظريات الجديدة التي دعت إلى ما بعد الحداثة.
إِنَّ العولمة في هذا السياق تشكل المحرك الذي دفع بالعلاقات التي نشأت بين الحداثة وروحها الثقافية إلى دائرة المساءلة، فقد كان من الطبيعي أن تتجاوز تدفقات العولمة في سيولتها، وحتى انعدام وزنها مع اختراع الإنترنت، المضامين الحداثية التي تمركزت في رحاب المجال السوسيوثقافي، وبدا أن هذا المجال يتحمل وزر النتائج السلبية التي تمخضت عن إشكالية العلاقة بين العولمة الهوية.
صيرورة الحداثة
من هنا يأتي السؤال بشأن صيرورة الحداثة ـ العولمة وطبيعتها وتداعياتها على هوية العولمة، وعولمة الهويات.
في هذا السياق من البحث المعرفي، يقول الباحث حاتم علامي: "يمثل عنوان النظام العالمي الجديد محور المسارات للعوامل التي ارتبطت بالعولمة، وتبلورت في المفاهيم والتطبيقات التي وظفت في خدمة جدول الأعمال المرتبط بالشعارات والبرامج التي دفعت بطاقة العولمة إلى أوجها مع التحولات الاقتصادية، والسياسات التي ترافقت معها لتكريس نتائجها بالتلازم مع مرحلة استثنائية على الصعيد العالمي حملت معها حقبة من الصراع في أكثر من ميدان. وصلت نتائج هذه المواجهة والتحديات إلى أوجها جاءت لتتركز حول مصير العلاقة مع الغرب، والعلاقة بين الحضارة والعولمة، وتداعيات المرحلة على مجمل المنظومة الثقافية التي اعتبرت جزء عضوياً من مرحلة الحداثة التي نشأت في رحمها العولمة، بأبعادها ومضامينها الاقتصادية الليبرالية، ومنطلقاتها السياسية تبشيراً بالديمقراطية، ومفاعيلها الثقافية باعتبارها انقلاباً في الأنماط التي كانت سائدة في انغلاقها ضمن حدود محلية وانتقالها إلى انفتاح على إنجازات الحداثة والانخراط في سياقاتها"(ص 267من الكتاب).
كانت الرؤية من لدن أنصار العولمة تقوم على انسجام هذه المكونات، على عكس ما آلت إليه التطورات على كافة الأصعدة، فلم تفلح القوى المعولمة في جعل العولمات عولمة واحدة، واتخذ الصراع السياسي وجهة جديدة تبلور مع سياسات السيطرة الهيمنة والتدخل في شؤون الدول والشعوب، ومنعها من ممارسة حريتها وحق تقرير المصير، مما أدى إلى انقسامات حادة فتحت معها أبواب جهنم أمام مشروع الاستغلال الإمبريالي، وبرمجيات استخدام دول ومجتمعات بكاملها في خدمة سياسات عنصرية استغلالية.
انتصار العولمة الليبرالية الأمريكية المتوحشة
تشكل الأحادية القطبية التي نشأت بعد انهيار الإتحاد السوفييتي سمة المرحلة التي شهدت انتصار العولمة الليبرالية الأمريكية المتوحشة، فأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قبلة الأنظار، وذلك عبر مستويين: المستوى الأول هو عملية النمذجة التي تقوم على اعتماد نمذجة الحياة كما هو في المصدر، ولاسيما بالنسبة إلى الفنون، على كافة أنواعها، وانتشار السينما، والإعلام الغربي، من خلال تأثير وسائل التواصل والإعلام.
المستوى الثاني هو مستوى استقطاب المهاجرين في كافة أصقاع العالم، ولا سيما من الجنوب، من آسيا والشرق الأوسط، بصورة واضحة.
كان مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي طرحه الرئيس السابق جورج بوش في سنة 2004، مجرد استعادة حرفية لأهمّ طروحات التوجّه الاستشراقي سواء من جانب المحافظين الجدد أو من جانب المثقفين الصهاينة،
يصف المحافظون الجدد العالم العربي بأنه "رجل القرن الحادي والعشرين المريض"، وهم لا يخفون أملهم في رؤية هذا العالم العربي يلقى المصير عينه الذي لقيه رجل القرن التاسع عشر المريض، الامبراطورية العثمانية،
إشكالية الهوية
يتوقف المؤلف عند المجال العربي الإسلامي، حيث ظهرت في العقد الأخير إشكالية الهوية بقوة من خلال الإحياء المنتظم الذي نشهده للمكبوت الإثني والعشائري والديني والمذهبي والقومي، وتحولت بالتالي جماعات وقطاعات واسعة نحو الهويات المتمذهبة والمسيسة التي تتجه أكثر فأكثر نحو إحياء نرجسياتها.
ضمن هذه الرؤية، يقول الباحث حاتم علامي: "تشكل القبيلة نموذجاً لفهم سوسيولوجيا الهوية فالقبيلة تكوين اجتماعي يقوم على روابط الدم والقرابة وروابط العادات التقاليد المتوارثة، وبعد الانتماء القبلي وحدة التنظيم الأساسية في المجتمعات العربية التقليدية. والقبيلة هي بالتعريف "جماعة تربط أعضاءها صلات الدم والقرابة ونمط الإنتاج التوزيع، والاستهلاك، وأسلوب المعيشة، والقيم، ومعايير السلوك المشتركة وهيكل السلطة الداخلية".
أما الطائفة فهي تكوين اجتماعي ديني يقوم على نمط محدد للممارسة الدينية. فهنا وجود اجتماعي يقوم على أساس الانتماء لدين أو مذهب أو ملة معينة. ويعرفها ناصيف نصار "بأنها جماعة من الناس يمارسون معتقداً دينياً بوسائل وطرق فنون معينة". إنَّها تجمع ديني ولكنَّها تكتسب مع الوقت طابعاً اجتماعياً وسياسياً والدين حالة عقائدية تتميز بطابع الشمول، فالدين يشمل عدداً كبيراً من الطوائف الدينية. فالدين الإسلامي يشمل طوائف عديدة وهذا هو حال الدين المسيحي والأديان الأخرى"(ص 287 من الكتاب).
في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، وتدمير دولته الثاوية، انبعثت الهويات الإثنية ـ الدينية في بلدان الشرق الأوسط، وهي ليست سوى خلاصة موضوعية لبنى المجتمعات العربية،
إقرأ أيضا: قراءة تاريخية وعلمية في أسس النظام الليبرالي الحديث
إقرأ أيضا: الأصول العقلية المعرفية للعصر الحضاري في زمن العولمة