هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في قرار مفاجئ، أفرجت السلطات المصرية، الأحد، عن رئيس
الأركان الأسبق الفريق سامي عنان، وذلك بعد اعتقاله لنحو عامين إثر اعتزامه الترشح
لانتخابات الرئاسة.
وبالرغم من أن القضاء العسكري بمصر كان قد قضى يوم 28 كانون الثاني/ يناير 2019، بالسجن 9
سنوات بحق عنان، بتهمتي التزوير ومخالفة الانضباط العسكري، إلا أنه تم الإفراج عنه
دون التماس أو عفو رئاسي.
وأشار محامي عنان، ناصر أمين، في
تصريح له، إلى أنه ليس على اطلاع بعد بالصيغة القانونية التي تم الإفراج عن عنان
بموجبها، مؤكدا أن "قرار الإفراج لم يأت نتيجة التماس أو عفو من قبل السلطات،
وإنما الحاكم العسكري لم يصدق على الأحكام التي صدرت بحق الفريق عنان".
اقرأ أيضا: السلطات المصرية تفرج عن رئيس الأركان الأسبق سامي عنان
ورأى سياسيون مصريون، في
تصريحات لـ"عربي21"، أنه يجري حاليا إعادة هندسة المشهد المصري بالكامل، لكن داخل مؤسسات وأجهزة الدولة، بعيدا عن الشعب، وأن رئيس
الانقلاب عبدالفتاح السيسي يسعى لاحتواء من يُوصفون بالمناوئين له داخل النظام،
وفق قولهم.
"عودة الحرس القديم"
وسبق الإفراج عن عنان عودة بعض قادة الجيش السابقين،
والذين أطاح بهم السيسي سابقا، وتغيير آخرين بالقوات المسلحة، وحدوث حركة تغييرات
داخل جهاز المخابرات العامة أهمها إبعاد محمود النجل الأكبر للسيسي، وبعض الضباط
المسؤولين عن ملف الإعلام، بالإضافة إلى ما يتردد حول التعيين المحتمل لنائب
للسيسي، وسط تكهنات بأنه سيكون قائد القوات البحرية الفريق أحمد خالد.
ويوم
الجمعة الماضي، كشف الباحث بالشأن العسكري في المعهد المصري للدراسات السياسية
والاستراتيجية، محمود جمال، لـ"عربي21"، أن السيسي اعتمد بشكل غير معلن
حركة التنقلات المتعلقة بالقوات المسلحة، والخاصة بشهر كانون الثاني/ يناير 2020،
مشيرا إلى أنها تضمنت ما وصفها بالمفاجآت والدلالات المثيرة.
وكان
لافتا خلال التغييرات العسكرية الأخيرة التي شهدها عام 2019 عودة بعض من يُوصفون
بـ"رجال الحرس القديم" إلى المشهد مُجدّدا، ما اعتبره البعض تراجعا
نادرا من قبل السيسي عن بعض قراراته السابقة التي اتخذها، والتي كان منها الإطاحة
سابقا باللواء أركان حرب محمد رأفت الدش من عضوية المجلس العسكري بعدما كان قائدا
للجيش الثالث الميداني، حيث تم تعيينه في حزيران/ يونيو 2018 كرئيس لهيئة تفتيش
القوات المسلحة، بينما قرر السيسي قبل أسابيع ماضية إعادته لعضوية المجلس العسكري
عبر تعيينه قائدا لقوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب.
اقرأ أيضا: باحث يكشف لـ"عربي21" تفاصيل حركة التغييرات بالجيش المصري
وكان
أبرز العائدين للمشهد العسكري المصري مؤخرا الفريق أسامة عسكر الذي كان يشغل منصب
مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء ليتولى منصب رئاسة هيئة
العمليات، بعدما تمت إقالة اللواء محمد المصري من منصبه.
"إعادة ترتيب مؤسسات الدولة"
من
جهته، أكد السياسي المصري، أحمد رامي، أن "المشهد كله في مصر الآن يجري إعادة ترتيبه بالكامل داخل مؤسسات وأجهزة
الدولة، وفي بعض الملفات المختلفة، لكن كل هذا يتم بمعزل عن الشعب المصري ومطالبه
الحقيقية في الإصلاح والتغيير".
وتابع:
"يبدو أن السيسي أدرك خطورة وكارثية استمرار المسار الذي يسير فيه نظامه أكثر
من ذلك، بعدما دخل في حالة عداء وحرب واضحة مع الجميع، وهو يسعى لمحاولة حاليا
لتخفيف حدة الصراع واحتواء المناوئين له داخل نظامه ودولته العميقة عبر إعادة رسم
خارطة حكمه من جديد، بالرجوع إلى المعادلة التي رسختها دولة يوليو 1952 عبر حكم
الجيش كمؤسسة وليس كأشخاص بعينهم".
واستشهد، في تصريح لـ"عربي21"، بظهور الفنان
والمقاول محمد علي، والإطاحة بمحمود السيسي، وعودة بعض الحرس القديم داخل الجيش
مجددا، وعلى رأسهم محمود حجازي، وأسامة عسكر، ومحمد رأفت الدش، والتعديل الوزاري
وحركة المحافظين، والإفراج عن عنان، وإعادة هيكلة الإعلام، وهو ما يصفه بمحاولة
السيسي إعادة تموضعه داخل مؤسسات الدولة.
وأكد رامي أن "تلك المستجدات قد تطيل من عمر نظام
السيسي لو كانت بإرادته، أما إن كانت على غير إرادته فإنها تعد أول تراجع حقيقي
للنظام تجاه الضغوط التي يواجهها، وخاصة من داخله، وقد تكون نقطة هامة وفارقة في
تاريخ الأحداث السياسية الراهنة، وبكل تأكيد سيكون لها ما بعدها".
واستبعد رامي إقدام السيسي على إطلاق الحريات، ورفع يده
عن مصادرة الحياة السياسية، قائلا: "لا أتوقع أن يقدم السيسي على فعل ذلك،
لأنه يدرك أن هذا يمثل خطرا حقيقيا على وجوده في سدة الحكم، بل إن الأمر بالنسبة
له مسألة حياة أو موت، إلا أنه ربما يحدث تحسن طفيف في أزمة حقوق الإنسان لمحاولة
تهدئة الانتهاكات الدولية التي يواجهها".
واختتم بقوله: "في كل الأحوال فإن زوال منظومة الحكم
الحالية مسألة وقت طال أم قصر، إذ إن كل ما جرى لا يعني الشعب ولا يلبي مطالبه، والأنظمة
تستطيع البقاء بالقمع لفترة ما، لكنها لا يمكن أن تستمر إلا برضا شعبي، وهو ما لا
يسعى إليه السيسي، خاصة أن طبيعة تكوين نظامه المستبد لا تسمح بذلك من الأصل".
"ضعف
قبضة السيسي"
ورأى
مسؤول الملف المصري بمركز حريات للدراسات، إسلام الغمري، أن "الإفراج عن عنان
مؤشر جيد، حيث يشير لضعف قبضة السيسي، وأن هناك إعادة ترتيبات في بيت النظام جعلت
السيسي مُجبرا أن يعيد حساباته".
وقال
لـ"عربي21": "من الواضح أن سياسة عض الأصابع بينه وبين مناوئيه
داخل المؤسسات السيادية، وخاصة المؤسسة العسكرية، بدأت تميل لصالح الأكثرية، والتي
عمل السيسي على البطش بها ترهيبا وترغيبا منذ الانقلاب العسكري وحتى 20 أيلول/ سبتمر
الماضي، حيث رأينا مظاهرات غاضبة أعطت مؤشرا هاما لخطورة موقف السيسي".
وأضاف
الغمري أنه "يمكن اعتبار حراك 20 أيلول/ سبتمبر نقطة البداية لإدراك السيسي
أن حجم معارضيه داخل السلطة في تزايد كبير، وأنه في حال استمر بالانفراد بالسلطة
وتوريثها لعائلته مع تعمد تهميش قيادات المؤسسة العسكرية وعدم إشراكهم في الحكم
سيكون كفيلا بتخلي الجيش عنه".
وتابع:
"لذا، فقد وجدنا السيسي مضطرا لإخراج نجله محمود من المخابرات العامة، والقبض على
الضابط ياسر سليم، وإبعاد ضابط المخابرات أحمد شعبان عن التحكم في الإعلام، وما
توارد عن تغيير رئيس الحرس الجمهوري وديوان الرئاسة بطلب من قيادة الجيش، إضافة
لعودة ما يمكن أن يُطلق عليهم الحرس القديم من قيادات الجيش والمخابرات للمشهد بعد
إطاحة السيسي بهم في مراحل سابقة".
وأكمل:"
كان أبرز العائدين حتى الآن الفريق أسامة عسكر، والفريق محمود حجازي، واللواء محمد
رأفت الدش، إضافة لإعادة ترتيب أوضاع المخابرات العامة بعد إبعاد محمود السيسي
وآخرين، كما تشير بعض المعلومات إلى أن السيسي قد يُجبر على تعيين نائب رئيس من
قيادات الجيش".
"بدايات مرحلة جديدة"
واستطرد
الغمري قائلا: "يمكن قراءة عملية الإفراج عن الفريق سامي عنان أنها تأتي في إطار
بدايات مرحلة جديدة تُعاد فيها هيكلة مشهد السلطة، حيث سيكون هناك سيسي جديد محكوم
بمجموعة تحكم معه لا كما أراد في مرحلة سابقة لتاريخ 20 أيلول/ سبتمبر 2019، وهي
مرحلة حكم الفرد المطلق".
وأشار
مسؤول الملف المصري بمركز حريات للدراسات إلى أن مصر قد تشهد تغيرات وتحولات أخرى
في المشهد خلال الفترة المقبلة، وربما يكون أحد احتمالاتها إبعاد السيسي كليا
عن المشهد.