هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "بوليتيكو" مقالا للكاتب ماثيو كارينتشنغ، يتحدث فيه عن التحول الذي طرأ على طبيعة الأحزاب الأوروبية، التي لم تعد سوى كيانات تعبر عن شخصية زعمائها، كما أظهرت الانتخابات البريطانية وفوز حزب المحافظين بزعامة بوريس جونسون، قائلا إن "الرجل هو الرسالة".
ويقول كارينتشنغ في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن من أهم الدروس التي يمكن أن تستقى من انتصار جونسون الباهر هي قواعد الشخصية.
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم ما كشفه البريكست من انقسام عميق داخل المجتمع البريطاني، إلا أن البريطانيين يتفقون على ما يبدو على شيء واحد، وهو أنهم يحبون جونسون، فقد كشفت الاستطلاعات طوال الحملة الانتخابية، وبشكل مستمر، تقدم رئيس الوزراء على زعيم حزب العمال جيرمي كوربين".
ويؤكد كارينتشنغ إن "الإعجاب بالشخصية كان عاملا في خيار الناخبين، وفي الماضي كان السياسيون الأوروبيون الجذابون أولا وأخيرا يمثلون مثالا وبرنامجا سياسيا، وقبل هذا كله كان هناك حزب سياسي يعبر عنهم".
ويقول الكاتب: "بعبارة أخرى عبروا عن أمور أكثر من مجرد شيء واحد، سواء كان البريكسيت أم الهجرة، وعلينا أن نذكر هنا مارغريت تاتشر وهلموت كول وفرانسوا ميتران أو ويلي برانت، أما في عالم اليوم، حيث استبدلت الأيديولوجية والمبادئ بالبراغماتية والانتهازية الفجة، فإن الأحزاب أصبحت مجرد غلاف لشخصيات سياسية، خذ مثلا جونسون، الذي كتب مقالين في صحيفة (ديلي تلغراف)، عبر في واحد منهما عن تأييده للخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما عبر في الآخر عن معارضته، حيث كان يخط طريقه إلى السلطة، أو إيمانويل ماكرون، الذي أنشأ حركة من الصعب تعريفها (لنمشي)، حيث كان مختصر اسم الحركة يعني اسمه".
ويرى كارينتشنغ أن "تفوق الشخصية على الأيديولوجية أصبح واضحا في اللغة، فقد ولت الأيام التي عكست فيها الألقاب جوهر برنامج الزعيم السياسي، مثل (المرأة الحديدية)، الذي نظر إليه على أنه تعبير عن استقامة الهدف ووضوحه، بخلاف النجوم الجدد في أوروبا الذين تبدو أسماؤهم أنها من فرق موسيقية للشباب، وألقاب مثل (بوجو/ بوريس جونسون) وباستي (المحافظ النمساوي سبستيان كيرز)، ومانو (ماكرون)، وإلكابيتانو (الزعيم الإيطالي المتطرف ماتيو سالفيني)".
ويشير الكاتب إلى أن المحلل السياسي الألماني جوزيف جانينيغ، يرى أن السبب في ظهور هذه الشخصيات هو تراجع الأحزاب السياسية الأوروبية القديمة.
ويلفت كارينتشنغ إلى أن "فشل الأحزاب الرئيسية في التعامل وبطريقة فعالة مع مظاهر قلق الناخبين من العولمة والتكنولوجيا والهجرة أدى إلى خلق ثغرة استغلها الساسة الصاعدون في تقديم أنفسهم على أنهم رموز (أيقونات) مستعدون لتفكيك الوضع القائم، سواء من داخل المؤسسة، كما في حالة جونسون وكيرز، أو من خارجها، مثل ماكرون الذي تخلي عن الحزب الاشتراكي الفرنسي، أو سالفيني الذي أعاد تشكيل حزب رابطة الشمال وحوله إلى قوة وطنية".
ويفيد الكاتب بأنه "بسبب كون رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي خاف أن يختفي، فإنه طلق موقفه الذي يميل إلى يسار الوسط الديمقراطي هذا الخريف، وبدأ حركة باسم (إيتاليا فيفا)، وأعاد وضع نفسه في مركز الاهتمام، ويرى جانينغ أن هذه طبيعة الناس الخارجين عن الصف".
ويبين كارينتشنغ أنه "بدلا من القيم التي صاغت طبيعة الأحزاب التقليدية، فإن القادة هؤلاء يبدون مدفوعين بجماعات تركز على موضوعات معينة ويتأثرون بالاستطلاعات ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي معظم الحالات تمسكوا بالقضية التي ارتبطت بهم، كالهجرة في حالة كيرز وسالفيني، والبريكسيت كما هو حال جونسون، فقد استخدم صيغة دونالد ترامب التي تتجنب التفاصيل الدقيقة على حساب الأسطورة، وسوّق للبريكسيت على أنه الوسيلة لاستعادة بريطانيا مجدها الماضي، وقدم نفسه على تجسيد جديد لوينستون تشرتشل".
ويقول الكاتب إنه "في الماضي كانت سلوكيات وأخلاقيات ترامب وجونسون كفيلة باستبعادهما من قيادة حزبيهما، أما اليوم فإن القواعد الشعبية تجاهلت هذه الأمور ودعمتهما بحماس نادر، ويشترك القادة الذين يغردون خارج السرب اليوم في أمر آخر، وهو الشراسة، ففي الماضي كانت الأحزاب الأوروبية تعمل بصفتها مؤسسة قطاع مدني تجند أفضل وأذكى العقول، وترفعهم تدريجيا للمناصب القيادية، وكان وصولهم للحكومة تتويجا لعقود من العمل السياسي، وهذا لم يعد هو الحال".
ويفيد كارينتشنغ بأن "كيرز وجد تدهورا في حزب الشعب النمساوي، ولهذا خطط لسنوات، وانتهز الفرصة للسيطرة على الحزب في عمر صغير، 30 عاما، وعندما وصل إلى القيادة تخلص من الحرس القديم، وأعاد تسمية الحزب بـ(قائمة سبستيان كيرز) أو حزب الشعب الجديد، واستبدل علم الحزب الأسود إلى الفيروزي، وبعد أشهر أصبح مستشار النمسا، حيث كان أصغر نمساوي يتولى المنصب في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
ويجد الكاتب أن "مناورات جونسون وتطهيره لحزب المحافظين كانا دراميين، وفي الوقت الذي حول فيه المحافظين من حزب المؤسسة إلى حزب الطبقة العاملة المتذمرة، لم يعد الأتباع المخلصون له يعرفون حزبهم القديم، وقال المعلق السابق في صحيفة (تلغراف) بيتر أوبورن: (هذه الحكومة لم تعد محافظة، بل هو تنصل صريح من كل شيء يعني المحافظة)".
ويقول كارينتشنغ إن السؤال المهم هو فيما إن كانت الأحزاب السياسية القائمة على الشخصية ستقود القارة، وماذا سيحدث عندما يكتشف الناخبون أنهم ليسوا موجودين في وقت الحاجة، مشيرا إلى تعليق مدير معهد "تشاتام هاوس" في لندن، روبن نيبليت، قائلا: "قد يكونون مثل الألعاب النارية التي تطلق الأضواء ثم تنطفئ".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم مرور زعماء جذابين ومتبجحين، مثل سيلفيو برلسكوني، إلا أنه لم يكن هناك عدد كبير يتركز مثل اليوم في أوروبا الغربية، وفي حال عدم ظهور طبقة جديدة من الساسة يخشى بعض المراقبين من تحول أوروبا إلى ساحة تشبه أمريكا اللاتينية، بما فيها من شعبويين وفاسدين، وعدم الالتزام بالديمقراطية إلا بالشعارات".
وينوه كارينتشنغ إلى أنه في أوروبا الشرقية تقود شخصيات شعبوية، مثل فيكتور أوربان، أوروبا، في هنغاريا إلى جمهورية التشيك وبلغاريا ورومانيا.
ويفيد الكاتب بأن "ألمانيا ظلت محصنة تحت عين المستشارة أنغيلا ميركل، التي عادة ما قدمت باعتبارها الصورة المضادة لعبادة الشخصية، مع أن ميركل تجسد عصر القيادة الشخصية في أوروبا، وبعد 14 عاما من الحكم، وقد بنت ميركل صورتها بعناية، فعلى خلاف بريطانيا وإيطاليا يحب الألمان تواضع وهدوء ميركل، لكن لا تسأل عن موقفها، حيث لم يتم وزنها من خلال الأيديولوجية، ففي عام 2003، وعندما كانت في المعارضة وأطلق على ألمانيا (رجل أوروبا المريض) دعت لسلسلة من الإصلاحات النيوليبرالية، وعندما لم تنجح هذه الأفكار تخلت عنها".
ويشير كارينتشنغ إلى أنه "في عام 2009 دعت لاستمرار المفاعلات النووية الألمانية، وعندما خافت من ردة فعل الناخبين بعد مأساة فوكوشيما في اليابان تراجعت وسرعت من إنهاء الطاقة النووية، ورغم النكسات التي تعرض لها الحزب المسيحي الديمقراطي، لا تزال ميركل من أكثر الشخصيات السياسية شعبية في البلاد والأكثر ثقة، وفي الوقت الذي تسيطر فيه النزعات الشعبوية على أوروبا يعرف الألمان أن لديهم (موتي/ الأم)، والمفارقة أن جاذبية ميركل التي جمعت بين القيم التقليدية والتغيرات المستمرة أسهمت في تراجع الأحزاب التقليدية، بما في ذلك حزبها، وبدأت الأحزاب المعادية للمهاجرين والخضر الذين استثمروا قضايا البيئة بملء الفراغ".
ويختم الكاتب مقاله بالقزل إنه "مهما يحدث لنجوم أوروبا السياسيين الجدد، فإن جاذبيتهم لن تختفي قريبا، فهم يعبرون عن تحول عميق في المناخ السياسي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)