هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تكن مرجعية النجف غائبة عن المشهد السياسي منذ سقوط النظام العراقي السابق سنة 2003، وكان لها حضورها وثقلها في كثير من الملفات السياسية الشائكة، وبات واضحا أن الطبقة السياسية الحاكمة تسعى إلى نيل رضا المرجعية ومباركتها لسياساتها وقراراتها.
وفي الوقت الذي تحظى فيه آراء مرجعية النجف ومواقفها السياسية باحترام كبير في أوساط شيعية واسعة، ويُنظر إليها بقدر كبير من التقدير والتبجيل، إلا أنها تقابل بتحفظات شديدة من قوى وشخصيات عراقية داخل العراق وخارجه.
ووفقا للكاتب والشاعر العراقي، غدير الشمري، فإن "المرجعية منذ سقوط النظام السابق، وبداية الاحتلال أعلنت موقفها الداعم للعملية السياسية والأحزاب المتأسلمة التي دخلت مع الاحتلال، والمرتبطة بطهران بشكل مباشر ومعلن، من خلال فتواها بعدم مقاومة الاحتلال ودعم الانتخابات التي سلمت الحكم لثلة من الخونة واللصوص طيلة الـ16 سنة الماضية"، على حد قوله.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "فمن الطبيعي أن يكون موقفها مساندا للحكومة من خلال الخطب السابقة منذ انطلاق الاحتجاجات، ويُدرك تماما حقيقة موقفها المؤيد والداعم للحكومة من خلال مطالبتها الخجولة للحكومة بإجراء إصلاحات عكس مطالبتها للشعب بالتغيير الجذري".
وتابع: "وكذلك من خلال لعبها على كسب المزيد من الوقت ظنا منها بقرب انتهاء الاحتجاجات أو إنهائها بالقمع الوحشي الذي يبدأ بعد كل خطبة، أي أنها كانت تقول شيئا وتضمر شيئا آخر من تحت العباءة، وهذا ما يثبته الواقع طيلة أكثر من 40 يوما، وعندما رأت ازدياد حدة التظاهرات وسقوط العشرات في ذي قار والنجف طلبت من مجلس النواب إعادة النظر بحكومة عادل عبد المهدي بعد أن حذرت من إمكانية انتقال الحكم لطرف آخر".
ووصف الشمري سلوك المرجعية في تحذيرها السابق أنها "تلعب على تأجيج النزعة الطائفية لدى أبناء الشعب المنتفض في محاولة لثنيهم عن الاستمرار في تلك الثورة التي لم تكن تتوقعها بعد أن شعرت بخطر النتائج على وجودها وثقلها الديني والشعبي".
وذكر الشمري أن "المرجعية في آخر خطبة طالبت بضرورة عودة الأمور لوضعها الطبيعي في السابق، وهذا ما اعتبره المراقبون بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لإطلاق يد المليشيات المرتبطة بقاسم سليماني بإرتكاب مجزرة السنك والخلاني التي راح ضحيتها أكثر من 20 شهيدا، و100 جريحا".
وعن مدى استقلالية مرجعية النجف عن سياسات طهران في العراق، أشار الشمري إلى أن "مواقف المرجعية لا تخرج عن إرادة طهران وقم، رغم إعلانها الرافض لولاية الفقيه، وهذا ما أثبته الواقع فإيران حققت كل أهدافها في العراق من خلال موقف المرجعية الداعمة لكل سياسات إيران في العراق سواء بدعمها للأحزاب المرتبطة بإيران أو الفتوى التي سهلت تشكيل الحشد والمليشيات المسلحة برئاسة ثلاث شخصيات مرتبطة بسليماني بشكل مباشر ومعلن".
وبحسب الشمري، فإن "تأثير المرجعية بعد 1/ 10 غير تأثيرها قبل ذلك، فالشعب أصبح أكثر وعيا ونضجا لدور المرجعية وموقفها الحقيقي، وهناك الكثير من الأصوات التي بدأت تتعالى بضرورة خروج السيد السيستاني مع انتشار التكهنات حول خبر وفاته، لذا فإن المرجعية أصبحت تمسك بوسط العصى المحترق ما بين الخضراء والشعب" مبديا تشككه في "قدرة المرجعية على الاحتفاظ بمكانتها سواء نجحت الثورة أو قُمعت".
من جهته رأى الإعلامي والباحث القانوني العراقي، حسام الحاج أن "المرجعية انضمت إلى الحركة الاحتجاجية بشكل شبه معلن منذ الأسبوع الثاني تقريبا من بدء الاحتجاجات في موجتها الثانية بعد 25 أكتوبر الماضي".
وأوضح الحاج أن "المرجعية وضعت خطا محددا من خلال الخطب الأسبوعية، ويبدو أنها حددت خطة سياسية لزوال الطبقة السياسية تماهيا مع مطالب المحتجين، وهو ما كان واضحا في مطالبتها بجملة من الإصلاحات السياسية المتعددة".
وعن طبيعة العلاقة بين حوزة النجف وحوزة قم والسياسات الإيرانية، قال الحاج لـ"عربي21": "ثمة صراع فقهي وعقائدي ومنهجي بين الحوزتين، فحوزة النجف لا تؤمن بولاية الفقيه، ولا تؤمن بالحكومة الإلهية إلا في عصر الإمام الغائب، على عكس ولاية قم التي تُؤمن بولاية الفقيه، وهي المستند الفقهي والعقدي للنظام السياسي الإيراني".
وأردف "حينما نشر علي خامنئي تغريدته بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد يومين من اندلاع الموجة الثانية من الاحتجاجات، رد عليه السيستاني بشكل غير مباشر مطالبا له بعدم التدخل في الشأن العراقي".
وتابع: "كما أن مرجعية النجف في كل خطبها يوم الجمعة دعت الأطراف الخارجية إلى عدم التدخل في الشؤون العراقية، ودعت جميع القوى والأطراف العراقية المرتبطة بإيران إلى عدم اتباع أهوائها السياسية".
بدوره، علق المرجع الشيعي السابق، حسين المؤيد على خطبة المرجعية الأخيرة، بأنها "محاولة لتقزيم الانتفاضة الشعبية العظيمة، بوصفها بالحراك والاحتجاجات"، معتبرا: "إطلاق هذه الأوصاف بعد أن قطعت التظاهرات شوطا مهما، مستمرة في الصمود والإتساع والشمول لكل الشرائح والمكونات والمحافظات، يعبّر عن عدم الاحترام والتقليل من شأن الشعب العراقي".
وانتقد عبر صفحته على "فيسبوك" ما قال إنها "اهتمام المرجعية بما تسميه الاعتداء على المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، إشارة إلى ما حصل في النجف، وتجاهل ما جرى على المتظاهرين السلميين من اعتقال واختطاف غير قانوني على يد عصابات مسلحة تابعة لقوى سياسية متسلطة أخضعت مخطوفيها للتعذيب الوحشي، رافضة مناشدات المتظاهرين بالإفراج عنهم".
ووصف المؤيد "إدعاء المرجعية أنها للعراقيين جميعا" بـ"الأمر الذي يكذبه سلوك هذه المرجعية على مدى 16 عاما من تصديها غير الدستوري للشأن السياسي العام، ومن دون تفويض من المكونات والمجموعات التي لا علاقة لها بهذه المرجعية دينيا وسياسيا واجتماعيا".
وحمّل المؤيد "المرجعية مسؤولية الدم البريء الذي تريقه المليشيات والعصابات المجرمة التي عملت بغطاء من هذه المرجعية، والتي عززت ذلك عبر فتوى الجهاد الكفائي التي أعطت مباشرة لهذه المليشيات شرعية للاستمرار والإمعان في الجرائم تحت عنوان الحشد الشعبي أو عنوان آخر"، متسائلا: "فمتى يفيق المخدوعون؟".