نشرت مجلة "
كاونتر بنش"
الأمريكية مقال رأي للكاتب جوليان روز، بيّن فيه أن التكنولوجيا
الحديثة أصبحت ضرورية للغاية في حياتنا، وبانتشارها بين كل فئات المجتمع أصبح من
الصعب الاستغناء عنها، لكن الكشف عن مضار هذه التكنولوجيات ينبه إلى ضرورة الحد من
وتيرة استخدامنا لها.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته
"عربي21"، إنه اقتنى في أواخر التسعينيات هاتفا محمولا حديثا من طراز
إريكسون، وأقر بأنه عند السفر إلى الريف البريطاني لزيارة المزارعين، بدا هذا
الجهاز مفيدا للغاية، على الرغم من انقطاع الإشارات في ذلك الوقت بين الفينة
والأخرى. لكنه كان يرى أن مظهر الصواري المخصصة لنقل الإشارات قبيح جدا، ولا يتناسب
مع الجمالية العامة الشائعة التي تميز عدة مناطق من الريف الإنجليزي.
وذكر الكاتب أنه بعد فترة من الزمن بدأ يشعر
بحرارة في جانب رأسه عندما يرد على الهاتف. لقد كان إحساسا بغيضا، حيث شعر
بالانزعاج عندما تبيّن أن استخدام هذا الجهاز ينطوي على مثل هذا الإرهاق الجسدي.
في يوم من الأيام، أغلقه وودع الحاجة لهذا الجهاز اللاسلكي. عقب ذلك، أحس جوليان
بالامتنان لتلك التجربة التي أتاحت له مرة أخرى حرية استكشاف الطبيعة الأعمق
للأشياء دون مقاطعة من الاتصالات الواردة التي لا قيمة لها في أغلب الأحيان.
وأوضح الكاتب أنه بعد مرور حوالي عشر سنوات فقط،
بدأ يدرك أن الآخرين باتوا مدمنين تماما على هذا النوع من الاتصالات، وأن طريقة
عمل الهاتف الخلوي اللاسلكي تعني أن الإشارات الصادرة من الصواري اخترقت جسم الإنسان، وأثرت حتى على الأعضاء الداخلية، على غرار القشرة أمام الجبهة ومناطق قرن آمون في
الدماغ.
بعد قليل، سمع الكاتب عن أشخاص يعانون من الصداع
والغثيان والدوار بعد قضاء مدة طويلة في التحدث على هواتفهم المحمولة. عند ذلك،
فهم أن إشارات النقل تلك هي عبارة عن موجات دقيقة، تعمل مثل موجات الميكروويف التي
تطهو الطعام من الداخل إلى الخارج، مدمرة العناصر الغذائية. لهذا السبب، حظرت
معايير الأغذية العضوية في المملكة المتحدة استخدام أفران الميكروويف في المطاعم
التي تقدم الأغذية العضوية.
وأورد الكاتب أنه في السنوات الأولى من الألفية
الجديدة، انطلق رفقة جادويجا لوباتا في حملتهما الملحمية لمنع دخول الكائنات
المعدلة وراثيا إلى الريف البولندي. تطلبت هذه الحملة السفر إلى عدة مناطق، وعقد
مجموعة من الاجتماعات مع العديد من الأشخاص.
وأضاف الكاتب أنه قد نجح في نهاية المطاف في الوفاء
بمهمته المتمثلة في جعل كل مقاطعة بولندية تعلن نفسها منطقة خالية من الكائنات
المعدلة وراثيا، وبعد فترة وجيزة، وقع فرض حظر وطني على استيراد وزراعة الكائنات
المعدلة وراثيا التي أصدرتها الحكومة البولندية. حدثت كل هذه الأمور دون استخدام
الهاتف المحمول، بعد أن رفضت جادويجا أيضا هذه التقنية لأسباب مماثلة لتلك التي
جعلت الكاتب يتخلى عن الهاتف المحمول.
في العقد الماضي، قام الأطباء والعلماء بجمع قدر
كبير من الأدلة لتحديد ما تفعله إرسالات الحقل الكهرومغناطيسي بشكل دقيق لأجسامنا،
وعواقب أن تصبح مدمنا على هذه القنابل الإشعاعية بحجم الجيب. حتى عند الاحتفاظ به
بشكل سلبي في جيبك أو بجانب سريرك، أظهر العلماء أن الموجات الدقيقة تستمر في
المرور بنشاط من الآلية الداخلية للهاتف الخلوي إلى المستخدم البشري. ويقع التقاط
الإشعاعات النبضية المسرطنة من قبل الخلايا الموجودة في الجسم والخلايا العصبية في
الدماغ.
وأكد الكاتب أنه في غضون ثلاثين سنة فقط، ستتحول
بيئتنا الكوكبية والجوية إلى فضاء كهرومغناطيسي للإشعاع غير المؤين عالي الشحن،
المنبعث من أجهزة إرسال الواي فاي الموجودة في جميع الفنادق والمطاعم وأنظمة النقل
العام ومراكز المدن في العالم الغربي تقريبًا. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الملايين من
أجهزة إرسال محطات الهاتف المحمول بالأساس انطلاقا من المنازل والمدارس
والمستشفيات والمرافق المتواجدة في الشوارع عبر مساحات شاسعة من أوروبا وأمريكا
الشمالية، وتمتد حتى إلى الحدائق الوطنية والمحميات، حيث لا يمكن للمرء أن يفلت من
تأثيرها المنتشر على نطاق واسع.
في السماء أيضا، تنبعث الإشعاعات النبضية من
الأقمار الصناعية التي توجه أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية في السيارات
والشاحنات، وتنتقل مباشرة إلى المسافرين الذين ليس لدى معظمهم أدنى فكرة عن أنهم
يستقبلون هذه الإرسالات المدمرة.
ونوه الكاتب بأن هذا الأمر الأكثر إثارة للقلق
فيما يتعلق بحياة الإنسان والحيوان والنبات والحشرات، حيث اكتشف العلماء أن هذه
المخاطر التراكمية لن تظهر تأثيراتها إلا بعد عشرين أو ثلاثين سنة من الاستخدام،
على غرار الإصابة بالسرطانات أو الأمراض العصبية والفسيولوجية والنفسية. إنها
تقنية اتصالات ذات إنتاج جماعي لم يقع اختبار تداعياتها على الصحة والرفاهية. إنها
الآن من اختصاص شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية ووسائل الإعلام الاجتماعية
التي تجني أرباحا مالية لم تكن معهودة من قبل.
في الختام، دعا الكاتب إلى يقظة جماعية قبل فوات
الأوان، مشيرا إلى أن إلقاء هاتفك المحمول قد يجلب معه شعورا جديدا ومنعشا بالحرية
الفردية. بمعنى أنه يمكن للمرء، بعد كل شيء، السيطرة على مصيره دون مساعدة ملحق
الراحة الذي يستنزف الحياة من الحياة نفسها.