هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قبل 48 ساعة من إغلاق باب الترشح، بات من السهل فرز الأسماء الأوفر حظا للمنافسة على المنصب الأسمى في الجزائر، والتي أعلنت جميعها استنفاذ عمليات جمع التوقيعات اللازمة لاعتماد ملفاتها.
وضبط 20 راغبا في الترشح من أصل 150 مواعيدَ لدى سلطة تنظيم الانتخابات، من أجل إيداع ملفاتهم النهائية، قبل الفصل فيها وإخراج القائمة النهائية للمرشحين الدين سيدخلون السباق الرئاسي المرتقب تنظيمه في 12 كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
ومن بين قائمة العشرين، يبدو الأمر محسوما لدى مجموعة من الأسماء البارزة في المرور للدور النهائي، مثل رئيس الحكومة سابقا علي بن فليس والوزير الأول السابق عبد المجيد تبون ووزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي ووزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة مع احتمال أن يمر كاتب الدولة السابق للخارجية بلقاسم ساحلي أيضا.
وخارج من تداولوا على مناصب المسؤولية، ينتظر أن يدخل السباق عبد العزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل، مع احتمالات متباينة لبعض الأسماء المستقلة مثل الأستاذ الجامعي فارس مسدور الذي وجد صعوبة في جمع التوقيعات اللازمة المقدرة بـ50 ألف، والإعلامي سليمان بخليلي الذي صرح بأنه اجتاز النصاب القانوني في انتظار أن تؤكد سلطة الانتخابات ذلك.
محسوبون على بوتفليقة
اللافت أن معظم الأسماء المرشحة للمرور سبق لها العمل إلى جانب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي أطاح به الحراك الشعبي من المنصب، مع الفارق في أن علي فليس أعلن معارضته منذ وقت طويل لبوتفليقة، أما بن قرينة فتمت تنحيته من الحكومة ثم أصبح رئيسا لحزب خارج السلطة، في حين بقي الآخرون أوفياء له إلى الدقيقة الأخيرة بل كانوا مساندين لترشحه لولاية رئاسية خامسة.
وبنى المترشحون الذين بقوا موالين لبوتفليقة، استراتيجية إعلامية تقوم على التنصل من تركته والتبرؤ من ارتباطهم الشخصي به، فتبون صرّح مثلا أنه لم يكن صنيعة الرئيس السابق وكان يخدم الدولة وليس الأشخاص في المناصب التي تولاها، بينما قال عز الدين ميهوبي إن لديه اليوم برنامجا أفضل من برنامج بوتفليقة، في حين طلب بلقاسم ساحلي من الجزائريين الصفح عن الفترة السابقة وفتح صفحة جديدة.
علي بن فليس سعى من جهته إلى قطع أي صلة بينه وبين الأسماء السابقة، فهاجم مبكرا ترشح تبون متسائلا إن كان يراد من خلال ترشيحه تمرير عهدة خامسة بثوب جديد. وحرص بن فليس في كل حواراته الصحفية أن يظهر حجم الظلم الذي قال إنه تعرض له على يد الرئيس السابق عندما تجرّأ ونافسه في انتخابات 2004 و2014، ردّا على من يصفونه بأنه جزء من النظام السابق الذي تقلد فيه مسؤوليات كبيرة انتهت بتعيينه على رأس الحكومة سنتي 2002 و2003.
منافسة بين فليس وتبون؟
ويُرجح متابعون، أن تتركز المنافسة بين علي بن فليس وعبد المجيد تبون، مع احتمال أن تذهب الانتخابات إلى الدور الثاني، وذلك بالنظر إلى أنهما أبرز اسمين في القائمة ويمتلكان امتدادات داخل النظام السياسي، حتى وإن كان رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح قد نفى أن تكون المؤسسة العسكرية باعتبارها الطرف الأقوى في النظام داعمة لأي مرشح.
وأبرز نوفل ميلي أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس، أنه يعتقد من خلال قراءته للوضع، أن تبون تنطبق عليه مواصفات مرشح السلطة بالنظر إلى العلاقة الجيدة التي تجمعه بأصحاب القرار في النظام السياسي.
وأوضح ميلي في تصريح لـ"عربي21" أن تبون يبقى الخيار الأكثر أمانا بالنسبة للنظام الحالي، عكس بن فليس الذي ابتعد لسنوات طويلة عن مراكز المسؤولية ولا يُعلم اليوم إن كان يحظى بدعم من جهات داخل النظام.
وفي اعتقاد صاحب كتاب "العلاقات السرية بين الجزائر وفرنسا"، فإن النظام سيسعى إلى حسم الانتخابات في دور واحد فقط، تجنبا للمخاطر التي قد تنجر عن إطالة المسار الانتخابي إلى دور ثان بالنظر إلى الرفض الشعبي لتنظيم الانتخابات.
وترى بعض التحليلات أنه لا يمكن الحديث عن منافسة انتخابية بالمعنى المعروف في ظل العزوف المتوقع للجزائريين عن هذه الانتخابات بسبب رفضهم للمسار السياسي الذي انتهجته السلطة من البداية.
وتوقع عدة فلاحي النائب السابق في البرلمان، أن تكون المنافسة إعلامية أكثر منها جماهيرية، بحُكم أن أغلبية الشعب غير راضية عن الوجوه التي تقدمت للترشح لأنها إما تمثل رموز النظام السابق أو هي غير مؤهلة لتولي هذا المنصب الهام.
وأضاف: "يرى أغلبية المواطنين، بأن مخرجات الحوار وتحضيرات الانتخابات لم تكن موفقة ومرضية للانتقال الديمقراطي وهذا ما سيجعل العزوف الانتخابي حاضرا بقوة".
وعلى ضوء ذلك، قال فلاحي، في تصريح لـ"عربي21"، إن من بين الاحتمالات القائمة أن تكون نسبة المشاركة ضعيفة جدا فتلغى الانتخابات، وهنا يُطرح حسبه خياران، إما أن تتولى المؤسسة العسكرية ادارة البلاد بشكل مباشر وتقوم بإعادة رسم خارطة طريق جديدة والعودة الى نقطة الصفر أو الذهاب الى انتخابات مكررة في شهر آذار/مارس من العام المقبل.
وفي حال سارت الأمور بشكل عادي، فالمتوقع حسب فلاحي أن تفرز الانتخابات تبون وبن فليس للذهاب إلى دور ثان لأن كلاهما له عصبة تؤيده داخل مؤسسات الدولة العميقة.
فرصة جديدة ضائعة
أما عند المعسكر غير المنخرط في الانتخابات، فإن اقتصار المنافسة على وجوه النظام السابق، هو تأكيد على صحة الفرضيات التي طرحت من البداية رغبة النظام في تجديد نفسه عبر هذه الانتخابات.
وفي تصور ناصر حمدادوش القيادي في حركة مجتمع السلم، فإن هذه الانتخابات هي فرصة ضائعة على الجزائر، وهي استنساخ لنفس الذهنيات والسياسات والوجوه السابقة، وبالتالي فهي ليست فرصة حقيقية للتغيير، وفق الإرادة الشعبية المليونية التي سطرها الحراك الشعبي.
وأضاف النائب البرلماني في تصريح لـ"عربي21"، أن فرض سياسة الأمر الواقع لهذا المسار الانتخابي الأحادي والفوقي، بعيدا عن أي حوار حقيقي وجاد ومسؤول ستنتج لنا نفس المنظومة ولو بوجوه جديدة، فكيف إذا كانت من نفس الوجوه القديمة، مشيرا إلى أن العبرة في تغيير المنظومة وليس مجرد تغيير الأشخاص.