من المفترض في الخطابات السياسية لمن يتولون مسؤولية عامة أن يتحسبوا ويتحسسوا في استخدام ألفاظهم وأن يتخيروا الأوصاف التي تعبر عن مواقف، ذلك أن الخطاب العام، ويقع في قمته الخطاب السياسي، من المفترض أن يكون خطابا مسؤولا يتسم بالأدب والتعبير عن معاني المسؤولية فيه.
لقد اعتدنا من السيسي في خطاباته المتعددة والمتكررة بعض الكلمات التي تكون محلا لسخرية الناس أو تعقيباتهم، أو تكون مادة على وسائل التواصل الاجتماعي لتثبت أن هذا الرجل إنما يستخدم خطاب الاستخفاف وفائض الكلام ومفردات الكلام العاطفي في مواقف لا تحتمل ذلك. ونظن أن هذا الخطاب رغم كم السخرية الذي يصاحبه، فإنه يمكن أن يمر، وقد لا نقف عنده كثيرا، إلا أن استخدام لغة منحدرة ومتدهورة بل ومنحطة، في الألفاظ والتعبير عن المعاني، إنما يشكل حالة لا يمكن قبولها أو التسامح معها، حينما يستغل الطاغية حال غشمه لقول ما لا يمكن قبوله، ولا نجد ردا أبلغ لوصف كلام ساقط إلا أنه للأسف الشديد أنه من كلام العصبجية والبلطجية.
اعتدنا من السيسي في خطاباته المتعددة والمتكررة بعض الكلمات التي تكون محلا لسخرية الناس أو تعقيباتهم، أو تكون مادة على وسائل التواصل الاجتماعي لتثبت أن هذا الرجل إنما يستخدم خطاب الاستخفاف وفائض الكلام ومفردات الكلام العاطفي في مواقف لا تحتمل ذلك
حينما يضع شخص مثل هذا نفسه في خانات كثيرة، مثل أنه طبيب الفلاسفة، مدعيا الفهم والحكمة (ففهمناها سليمان) ويقسم أنه يتمتع بصفات كريمة من الأمانة والإخلاص والشرف؛ فإن هذه السقطات في الكلام إنما تعبر عن شخص مريض يقدم خطاب المهانة والإهانة لشعب بأسره، وحركته متمثلة في ثورة يناير المطالبة بالتغيير والنهوض.
فقد خرج علينا المستبد الفاسد الفاشي في ثياب الواعظين ليحمل في كلامه من سقطات الحديث أقبحه. إنه يصف الحدث الذي تباهى به
المصريون في تاريخهم المعاصر، والمتمثل بثورة يناير المجيدة التي تعد ثورة شعبية عظيمة، والقاصي والداني من زعماء دول العالم يغبطون شعب مصر على هذا الحدث، فيتحدثون عنه بأفضل الصفات ويشفعون ذلك بتحية شعب مصر العظيم الذي أكد على كرامته وعزته في تلك الثورة في العام 2011.. لكن السيسي، تارة بالتصريح وتارة بالتلميح، يهوّن من الحدث أو يهوّل من آثاره السلبية.. تارة يصفها بالأحداث التي لن يسمح بتكرارها، وأخرى بالمؤامرة التي يحسن الحذر منها..
إلا أنه في خطابه الأخير فاقت سقطاته في الكلام كل التوقع، حينما قال إنكم بذلك "كشفتم ظهر مصر وعريتم كتفها"، وما في ذلك للأسف الشديد من إيحاءات وإيماءات قبيحة وخطيرة في فحوى الكلام، في سياق محاولة الرديئة للتملص من مسؤوليته مما وقّع عليه من إعلان مبادئ فرّط فيه في حقوق مصر المائية. فحتى لو اختلف مع ذلك الحدث وآثاره السلبية، ليس من حقه أن يستخدم تعبيرات تنتمي إلى لغة فئة منبوذة في المجتمع ويستخدم أساليبها.
تحمّلنا منه تجاوزات الكلام واحتملنا فائض وتافه الكلام، أما أن يصف مصر وهي تباهي بأعز أيامها بذلك الوصف الحقير، فإن ذلك لا يعبر إلا عن لغة مهانة لا خطاب القادة، وهي لغة لا يعرفها إلا الشرفاء من الزعماء والقادة من الرؤساء.
أن يصف مصر وهي تباهي بأعز أيامها بذلك الوصف الحقير، فإن ذلك لا يعبر إلا عن لغة مهانة لا خطاب القادة، وهي لغة لا يعرفها إلا الشرفاء من الزعماء والقادة من الرؤساء
اعتدنا منه على خطاب الاستخفاف حينما يقول "لو ينفع أتباع لاتباع"، فاستهان بكل شيء وباع كل شيء.. باع الأرض والعرض واستخف بالدماء والنفوس، أو هو صاحب خطاب امتلأ بالأوصاف العاطفية، وهو يمارس إزهاق الأرواح بصورة يومية ثم يتحدث عن أناس يحنو عليهم وأنهم نور عينيه.. ويستخدم خطاب الإفك والكذب، فإذا به يقسم في غير موضع. فهو الحلاف المهين الذي لا يكاد يُبين، وتصدر منه ألغاز الكلام فلا يفهم الناس ما يريد ولا يفصح عن أي حق أو حقيقة.
نقول هذا لأنه في ذات اليوم الذي خرج علينا يوزع قبح الكلام وفائض الكلام، يوم الاثنين الماضي (13 تشرين الأول/ أكتوبر)، ويؤكد حتى يبقى على كرسيه ممارسا إفكه وأنه في قمة الانتصار، وأن الشعب تمسك بقائده في قمة الهزيمة، يقصد بذلك بعد نكسة 1967.
يا هذا، قلت لك أن تلك لغة العصابات والتهتك! فهل أقول لك كيف تكون لغة الزعماء ولغة القادة؟ إن الشعب التونسي وهو يحتفل بإرادته حينما اختار الدكتور قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري، مهنئا نفسه وكافة الشعوب الحرة بإنجاز يعد في ذاته ثورة أو هو امتداد لها؛ لم يتحدث عن ثورة تونس "حديث الظهر المكشوف أو الكتف العاري"، ولكنه تحدث عن ثورة قدرها حق قدرها؛ آمن بها وبأهدافها واعترف بجميل شبابها وأهلها.
الشعب التونسي المحتفل بذاته؛ خرج في ذات الاحتفال يسب السيسي واصفا اياه بأنه "عدو الله".. أتلك مصادفة، أم هي حال وعي الشعوب الفطري حينما تفتخر بإنجازاتها في التغيير؟
هذا الشعب التونسي المحتفل بذاته؛ خرج في ذات الاحتفال يسب السيسي واصفا اياه بأنه "عدو الله".. أتلك مصادفة، أم هي حال وعي الشعوب الفطري حينما تفتخر بإنجازاتها في التغيير؛ تتحدث بمفردات العزة والكرامة ولا تتحدث بخطاب المهانة والإهانة لأيامها العظيمة. ولكن من احترف لغة الاستخفاف والمهانة والإهانة لا يعرف لغة القادة.
كان أول وصف لقيس سعيد لما حدث في تونس في استحقاق الانتخابات الرئاسية؛ أن ذلك ثورة ولكن عبر الدستور وعبر الصناديق". والأمر المؤكد أن السيسي لا يفهم هذا، وهو المنقلب وقاطع الطريق على مسار ديمقراطي، ولا يقيم وزنا لمعاني الكلام عن ثورة التغيير وعن شرعية القيادة. إنه لا يفعل ذلك لأنه اعتاد واقتات بفعل الانبطاح في خدمة أسياده في الكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية، ويستند في كل هذا لدعم استبداده وطغيانه وشرعنة سلطته وسلطانه بفعله المزور الزائف وكلامه الغاشم الفاسد.
اعتاد واقتات بفعل الانبطاح في خدمة أسياده في الكيان الصهيوني وبعض الدول الغربية، ويستند في كل هذا لدعم استبداده وطغيانه وشرعنة سلطته وسلطانه بفعله المزور الزائف وكلامه الغاشم الفاسد
قالوا له بعد أن انكشف أمره وقيامه بدور قائد في الفساد؛ أنه يهدر أموال الوطن ويبني القصور، بينما يفر من التعبير عن مصالح الناس وأدائها بأنهم "فقرا أوي". ورغم كل الفساد الذي يدير شبكاته من أجل عصابة اختطفت الوطن، أقسم أنه "أمين أوي وشريف أوي ومخلص أوي". فهل من إخلاصه لوطنه أن يبيع تيران وصنافير من أرض الوطن؟! وهل من شرفه العسكري أن يعتبر أمن العدو جزءا لا يتجزأ من أمن مصر القومي؟! وهل من أمانته أن يخون الوطن فيفرط في ماء نيل مصر؛ شريان حياة الوطن ويهدر موارد مصر ممثلة في مائها وغازها؟
قيل له من بعضهم أفسدت وشيدت القصور، فرد من ساعته ببجاحة منقطعة النظير.. "نعم أبني القصور وهابني كمان"، في تحدٍ سافر لشعب مصر الذي أفقره وجوّعه وأطلق عليه غول الغلاء فافترسه.. لا يقيم للناس وزنا، ويسمي ذلك الفساد إصلاحا، ويدعي أنه يبني دولة في عاصمته الإدارية، وكأن الدولة مبانٍ شاهقة وأسوار عالية.
ألا أيها الطاغية؛ أيمكن أن تسمع خطاب القادة؟ إن قيس سعيد يقول إنه لن يقيم في القصور، ولكنه موظف ككل موظف يؤدي عمله ثم يعود إلى بيته.. هل يمكن أن تدرك أيها الطاغية كيف تكون لغة القادة، وكيف تخاطب القيادات شعوبها وتعبر عن إرادتها، وتؤكد أنها من خدمها وفي خدمتها، بعيدا عنك وعن إدراكك لغة القادة وقد احترفت لغة العصابات المحترفة؟
يا سادة لقد أهان السيسي مصر وشعبها، وأهان ثورتها وشرفها، وتحدث حديث التدني ووزع صفات القبح. ربما ستظل أيها المنقلب على هذه السيرة في التدني في الأوصاف والكلام؛ لأنه لا يمكنك أن تعرف خطاب القادة الأعلام.