هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صدرت عن طهران خلال الأيام الماضية عدة مواقف رافضة للتحرك التركي في الشمال السوري، وذلك من مختلف دوائر الحكم بالبلاد، فضلا عن إلغاء رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، زيارة كانت مقررة إلى أنقرة، بالتزامن مع انطلاق عملية "نبع السلام".
ورغم ذلك، لم يبلغ الرفض الإيراني الرسمي سقف اتهام تركيا بالعمل وفق أجندة غير معلنة، أو ممارسة ضغوط عليها بالتعاون مع روسيا والنظام السوري والميليشيات على الأرض، بل إن وزير الخارجية جواد ظريف أعرب عن تفهم لمخاوف أنقرة، وعرض على الأخيرة وساطة للتنسيق مع الأسد بشأن نشاط الوحدات الكردية، ما يضفي ضبابية على موقف طهران.
وفي حديث لـ"عربي21" قال المتخصص في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، عبد الله عقرباوي، إنه يجب النظر لإدانة الدول، لا سيما التي تتعرض لضغوط خارجية، مثل إيران، لتدخل عسكري أجنبي في دولة أخرى، بأنه "مبدئي"، لأنها معرضة هي الأخرى لمثل ذلك التهديد، "إلا أنه يجب الفصل بين ذلك الموقف الدبلوماسي التقليدي وحقيقة الحسابات على الأرض".
وأضاف أن إيران وروسيا والنظام السوري أطراف لها قوات على الأرض، "ولو كان رفضهم حقيقيا لعملت على إفشال التدخلات التركية، ولكن ما نراه حتى الآن، وإن كان من المبكر الحكم على العملية، هو أن نبع السلام تتقدم بهدوء وكما هو مخطط لها، دون أي محاولات للعرقلة، حتى من القوات الأمريكية التي لا تزال موجودة في شرق الفرات".
اقرأ أيضا: وسائل إعلام إيرانية تهاجم عملية "نبع السلام" التركية بسوريا
وأوضح أن ذلك قد يكون عائدا لوجود رغبة حقيقية بضرب الوحدات الكردية التي تشكل قوة على الأرض، تهدد وحدة الأراضي السورية، ويمكن وصفها بالانفصالية، وتعمل بتعاون وتنسيق كاملين مع الولايات المتحدة، وهو ما لا يصب في مصلحة إيران وروسيا والنظام السوري.
وتابع بأن الاحتمال الثاني يكمن في أن تكون مختلف الأطراف المعنية بالأزمة تريد توريط الجيش التركي بالسيطرة على مساحات واسعة، ومن ثم تقليص قدرة أنقرة على المناورة، حيث ستجد نفسها أمام خيارين، إما التأسيس لبقاء طويل الأمد، وهو ما سيعتبر احتلالا، أو المضي في استراتيجيتها الحالية، التي تهدف إلى الوصول لتسوية سياسية تنهي الأزمة وتحافظ على وحدة الجارة الجنوبية، ولكن ذلك سيكون تحت رحمة الاشتباك مع جميع الأطراف الفاعلة الساحة السورية، بفعل التماس المباشر معها جميعا على امتداد الشمال، من إدلب إلى الحدود مع العراق.
وذكّر عقرباوي بما جرى لنقاط المراقبة التركية في إدلب قبل أسابيع، عندما حاصرتها قوات النظام، مشيرا إلى أن ذلك يعد بمثابة نموذج مصغر لما قد يجري على امتداد المساحة التي تنوي أنقرة تأمينها.
وأضاف: "قد يكون لهذه الأطراف وضع تركيا تحت وطأة هذا الضغط، فضلا عن الأعباء التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أنقرة، لا سيما تحمل مسؤولية معتقلي تنظيم الدولة وحماية المدنيين وإعادة الإعمار وتأسيس البنى التحتية، خاصة أن أحد أهم مبررات أنقرة لخوص العملية هو توطين مليون لاجئ سوري في المنطقة".
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، أحمد كامل، إن الإيرانيين "يمارسون التقية السياسية بشكل يومي.. والحقيقة أن مشاعرهم متناقضة تجاه هذه العملية".
اقرأ أيضا: ظريف يعلق على عملية "نبع السلام" التركية في شرق الفرات
وأوضح "كامل"، في حديث لـ"عربي21"، أن طهران لن تأسف لإجهاض كيان كردي في سوريا، لأنها تواجه هي الأخرى مشكلة كردية خطيرة في الشمال الغربي، ولكن في المقابل فإنها تعتبر الوحدات الكردية خزانا "احتياطيا" لها وللنظام.
واعتبر المحلل السياسي السوري أن العدو الأول لإيران هم العرب السنّة، وبالدرجة الثانية تركيا، بخلاف ما يعلونون، ورغم جلوسهم على طاولة واحدة تحت مظلة "أستانة".
وأضاف أن طهران حاليا لديها نقطة ضعف في تعاطيها مع أنقرة، تتمثل في حاجتها للأخيرة للالتفاف على الحصار الأمريكي، وهو ما يضطر إيران لـ"مراعاة" تركيا في سوريا.
وذكّر "كامل" بأن شرعية تركيا التدخل عسكريا في سوريا نالته بموجب اتفاقية أضنة، التي وقّعها الرئيس السابق للنظام، حافظ الأسد، عام 1998.