هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشير النتائج
الأولية للانتخابات البرلمانية التونسية، إلى حصول حزب "نداء تونس"
الحاكم على مقعد واحد من مجمل المقاعد البالغة 217 مقعدا، ما يعني
تراجعا كبيرا في حضوره بالمشهد السياسي القادم للبلاد.
وتأتي النتائج
اللافتة لحزب "نداء تونس" عقب الخسارة الساحقة التي مني بها عبد الكريم الزبيدي المدعوم
من قبله في سباق الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بحصوله على 7.5 في المئة
من إجمالي أصوات الناخبين.
وخلال خمس سنوات مضت
على رئاسة الحزب للدولة التونسية عقب فوز زعيمه الراحل الباجي قائد السبسي في
انتخابات عام 2014 بنسبة 55 في المئة، وحصوله على الأغلبية بواقع 85 مقعدا في الانتخابات البرلمانية
السابقة، مر بانعطافات عدة كان أبرزها انشقاق حزبي "مشروع تونس"
و"تحيا تونس" عنه، إضافة إلى وفاة زعيمه في الـ25 تموز/يوليو الماضي.
وتأسس حزب
"نداء تونس" بزعامة الباجي قايد السبسي في الـ16
حزيران/يونيو عام 2012، وضم في صفوفه عددا من رموز نظام بن علي السابق، منافسا لحزب
النهضة ذو المرجعية الإسلامية ومانعا من استحواذه على مقاليد الدولة.
اقرأ أيضا: الغنوشي يدعو للانفتاح وحكومة شراكة لمحاربة الفساد
وللإطلاع على أسباب هذا التهاوي في حظوظ الحزب الانتخابية تحدثت
"عربي21" إلى كاتبين ومحللين في الشأن التونسي، واللذين أجمعا أن الحزب
تشكل دون برنامج ومشروع محدد، وإنما تشكل بدافع التخويف من حركة النهضة، ما أثر لاحقا
على وحدته وأدائه السياسي.
تراجع غير مفاجئ
فمن جانبه، عزى
الكاتب والباحث التونسي طارق الكحلاوي تراجع "نداء تونس" في الانتخابات
الأخيرة إلى أنه قدم للشارع التونسي وعودا انتخابية كبيرة في عام 2014 وأخفق في
تحقيق مجملها.
والسبب الآخر هو
عمله على استعداء طرف سياسي معين، فقام بتجميع كل الأطرف المعادية لحزب النهضة في
عام 2014، دون أن يقدم مشروعا حقيقا. بحسب ما يراه الباحث التونسي.
ولفت الكحلاوي خلال حديثه لـ"عربي21" أن الحزب وبعد فوزه في انتخابات 2014 تراجع عن هذا
التوجه، وتحالف مع حركة النهضة ما سبب خيبة أمل لدى شريحة من ناخبيه".
وقال: "انقسام
الحزب له دور كبير في تحويل المشهد السياسي في البلاد، وتحويل الغضب من النهضة إلى
النخبة السياسية كاملة".
وأوضح أن "التراجع
في حظوظ جميع النخب السياسية التقليدية ليس مفاجئا، وبدأ ملامحه تظهر تدريجيا من
خلال انتخابات المجالس البلدية في عام 2018".
وعند سؤاله عن مدى
تأثر الحزب بوفاة زعيمه السبسي، اعتبر الكحلاوي أن وفاة السبسي أفقدت الحزب بعضا
من ألقه، مستدركا "ذلك لا يعني أن هذا سبب رئيسي في تراجع حظوظه الانتخابية".
ويعتقد بأن
"الحزب تعرض لخيبة أمل داخلية، لا سيما بعد تهاون الباجي مع ممارسات نجله
الذي كان يصر على قيادة الحزب".
ويواصل حديثه
"غياب السبسي أثر على حظوظ الحزب، لكنه أيضا في حياته لم يستطع إنقاذ الحزب،
لا سيما بتغطيته على ممارسات ابنه".
ومعقبا على
النتائج الأخيرة قال "ما حصل يعكس حيوية الديمقراطية التونسية، وأن الشارع
التونسي يبحث عن قوى جديدة"، مضيفا بأن الناخب معني بثلاثة إشكاليات تواجهه
منذ الثورة عام 2011 أولها هي قضية التشغيل والجانب الاقتصادي والاجتماعي، وثانيها
الأمن، وثالثها محاربة الفساد.
واعتبر بأن "الشارع
التونسي وجه رسالة قوية بأنه الطرف المحدد في اللعبة السياسية وهو الذي يعاقب
ويكافئ النخب السياسية ويقدم السلطة لمن يريد"، مؤكدا أن ذلك يشير إلى نضج الناخب
التونسي وقدرته على إدارة العملية السياسية وضمان للمسار الديمقراطي.
وقال "إن
عقاب الشارع التونسي طال الائتلاف الحاكم والأحزاب التقليدية بما فيها حركة النهضة
والتي تراجع عدد مقاعدها، وأن العقاب نال الجميع بدرجات".
ونبه الكاتب
التونسي إلى أن "النهضة استوعبت التراجع في الانتخابات الرئاسية واستفادت خلال
الأيام الأخيرة من عدة عوامل وهي: تعاطف الشارع التونسي معها منذ عام 2011، ودورها
بالإضافة إلى قوى أخرى في حماية المسار الديمقراطي، وكذلك تحذيرها من وجود حزب
منافس "قلب تونس" تدور حوله شبه فساد".
اقرأ أيضا: هل عاقب التونسيون الأحزاب في الانتخابات الرئاسية؟
المنظومة لم تندثر
ومن جانبه، أكد
الكاتب والمحلل التونسي أنور الغربي بأن أغلبية من صعدوا في الانتخابات البرلمانية
هم من صف مطالب الثورة، بحيث تشير النتائج إلى حصول الأحزاب التي ساهمت في الثورة
على ثلثي مقاعد البرلمان.
ومن وجهة نظره
كانت رسالة الناخب التونسي واضحة وهي "العودة لمطالب الحرية والكرامة
والسيادة وحكم القانون والعدالة الاجتماعية وهي مطالب ثورة 2011م".
وأيد الغربي الرأي
القائل بأن "حزب نداء تونس لم يتأسس على برنامج ومشروع واضح، بل جمع تحت
جناحه كل الخائفين من النهضة، ولذا تعرض لانشقاقات متوالية".
وينوه إلى أن "المنظومة المرتبطة
بالنظام القديم تراجعت لكنها لم تندثر، فحزب قلب تونس هو الحزب الثاني بعد نداء
تونس، والقروي هو من مؤسسي حزب نداء تونس".
ويضيف "هذه المنظومة تقع في المرتبة الثانية،
فعملية جرد الأصوات بين أحزاب تحيا تونس ونداء تونس وقلب تونس وجزء من المستقلين
التابعين لها يؤكد أن هذه المنظومة تراجعت ولكنها لم تندثر كما يقال، وهي تمثل
الخائفين من الثورة".
وعزى سبب تراجعها إلى "اختلاف مصالحهم، وارتباطاتهم المختلفة"،
منوها أن نسبتها الآن تنحصر في حدود 25 إلى 30 في المئة من المشهد السياسي التونسي، وأنها ستبقى
بمسميات مختلفة".
ويتوقع بأن "حزب قلب تونس ستتوالد عليه
أحزاب أخرى من نفس المنظومة القديمة".
ويقول إن "حصول قلب تونس على المرتبة
الثانية هو دليل لفشل الدولة في التنمية وفي القيام واجباتها خلال السنوات الماضية"،
موضحا بأن "الحزب عمل على المساعدات المباشرة وتقديم المعونات العينية من
غذاء وصحة، والتي تعد مهمة الدولة والحكومة الأساسية".
وتعليقا على النتائج أوضح الغربي بأنها"
تشير إلى تشكل برلمان فسيفسائي، وأن تشكيل الحكومة سيكون عملية معقدة وصعبة"
قائلا "لا أعتقد أن هناك أغلبية مستعدة للعمل مع النهضة".
وأضاف "أكدت النتائج معاقبة السلطة
والمعارضة والجمعيات المشبوهة والتي لها ارتباطات أجنبية".
وتابع: "خسر في هذه الانتخابات حزب رئيس
الحكومة، وصاحب الأغلبية البرلمانية، وحزب وزير الدفاع، كما أن حركة النهضة خسرت
ثلثي ناخبيها خلال 8 سنوات، حيث كان مؤيدوها 1.5 مليون والآن يقاربون 500 ألف ناخب".
ويؤكد على أن كل الأحزاب التي شاركت في
الحكومات الماضية تم معاقبتها من قبل الناخب التونسي. إضافة إلى معاقبة المعارضة
الراديكالية ودعاة المواجهة والتخريب مثل حزب
الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري".
وختم بقوله: "مطالب الشارع التونسي
واضحة، وتريد من يحققها بدون تبعية وبدون تخويف وبآليات واضحة ويمكن فهمها".