بالرغم من التعثر المتكرر لوصول أول شحنة غاز طبيعي من
إسرائيل إلى
مصر، وفق صفقة
الغاز المبرمة بين الطرفين في شباط/ فبراير 2018، والتي كان من المفترض أن تصل في آذار/ مارس 2019 ثم تأجلت إلى منتصف 2019 ثم تأجلت إلى نهاية 2019، أعلنت إسرائيل في بداية الشهر الحالي وبشكل مفاجئ عن تعديل صفقة الغاز مع مصر، لتزيد كمية الغاز المصدرة إلى مصر بنسبة 34 في المئة.
فقد كانت الكمية المتفق عليها في اتفاق 2018 حوالي 64 مليار متر مكعب على مدار 10 سنوات، بإجمالي 15 مليار دولار، وأصبحت الكمية المتفق عليها بعد التعديل 85.3 مليار متر مكعب على مدار 15 عاما، بإجمالي 19.5 مليار دولار.
متابعة تطورات صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل منذ الإعلان عنها في بداية 2018 تثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، ابتداء من التهديدات المحتملة للأمن القومي المصري جراء الاعتماد على الغاز القادم من إسرائيل، وانتهاء بالجدل حول الجدوى الاقتصادية للصفقة، إلا أن التعديل الأخير على الاتفاق يثير عدة تساؤلات وحقائق تشير إلى حجم الضرر الواقع على مصر من صفقة الغاز مع إسرائيل.
أين ستذهب كميات الغاز الكبيرة القادمة من إسرائيل؟
أولاً: على المدى القريب (من 3 إلى 5 سنوات).. المفترض أن مصر وبعد اكتشافات الغاز الطبيعي في حقل ظهر قد وصلت إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي حاليا (تنتج مصر سبعة مليارات قدم مكعب يوميا)، وبالتالي سيكون من المفترض أن يستغل الغاز القادم من إسرائيل في إعادة تصديره مرة أخرى إلى الأسواق الأوروبية، إلا أن عائقا رئيسيا يمنع أن تكتمل تلك الصورة، حيث تظل قدرة مصر على تصدير الغاز المسال معتمدة عى الطاقة الاستيعابية لمحطتي إدكو ودمياط لتسييل الغاز (محطة إدكو في طريقها للعمل بكامل قدرتها، في حين تعاني محطة دمياط من التوقف عن العمل). وهذا يعني أن الفائض الكبير من كميات الغاز المنتجة محليا والقادمة من إسرائيل لن تستطيع مصر تصدير أغلبها وستمثل عبئا على السوق المصري.
الأسوأ من ذلك العائق هو ما تشهده أسعار الغاز المسال في الأسواق الأوروبية في الوقت الحالي (تراجع السعر من تسعة دولارات إلى ثلاثة دولارات للقدم المكعب)، وهو تراجع كارثي لمصر ولصادرتها المتوقعة من الغاز المسال. وتكفي الإشارة هنا إلى أن مصر (إيجاس) قد ألغت خلال شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر ثلاثة مزادات متتالية لبيع الغاز المسال، بسبب تدني العروض المقدمة.
ثانياً: على المدى المتوسط (من 5 إلى 10 سنوات).. لم يعد خافيا أن مصر ستتجه في المستقبل إلى الرجوع مرة أخرى لاستيراد الغاز الطبيعي، وذلك لأن احتياجات السوق المحلي سترتفع بشكل كبيرـ وهو ما توقعته أكثر من دراسة مختصة في مجال الطاقة. وهذا يعني أن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي والغاز القادم من إسرائيل سيتجه بالكامل إلى تغطية احتياجات السوق المحلي، وهو ما يشير إلى أمرين واضحين؛ الأول هو انتهاء حلم أن تصبح مصر منصة تصدير الغاز الأولى في شرق المتوسط، والأمر الثاني يعني بوضوح أن الغاز القادم من إسرائيل سيمثل شريان حياة لمصر، حيث سيذهب إلى تلبية احتياجات السوق المحلي، بالإضافة إلى اعتماد مصر على الغاز الطبيعي بشكل كبير في توليد وإنتاج الطاقة الكهربائية. ويمكن هنا ببساطة وبدون تعقيد تخيل حجم المخاطر التي يمكن أن تهدد الأمن القومي المصري؛ نتيجة الاعتماد على الغاز القادم من إسرائيل في المستقبل!!
هل تستطيع إسرائيل الوفاء بكميات الغاز الضخمة المتفق عليها قبل وبعد تعديل الاتفاق؟
للإجابة على هذا السؤال، سأكتفي فقط بعرض التصريحات الإسرائيلية منذ توقيع الاتفاق في 2018..
•تشرين الثاني/ نوفمبر 2018: أعلنت إسرائيل أنها لن تستطيع تصدير كميات الغاز المتفق عليها إلى مصر في آذار/ مارس 2019؛ لأن الطاقة الاستيعابية لشبكة الغاز الداخلية لإسرائيل لا تتحمل كميات الغاز المفترض تصديرها إلى مصر سنوياً!!
•شباط/ فبراير 2019: أعلنت هيئة الغاز الطبيعي الإسرائيلية أن خط أنابيب الغاز الجنوبي الإسرائيلي ليس لديه الطاقة الاستيعابية لتلبية كميات التصدير المطلوبة في مصر!!
•تموز/ يوليو 2019: أعلنت إسرائيل تأجيل تصدير الغاز إلى مصر إلى نهاية 2019، بسبب ارتفاع الطلب المحلي على الغاز في إسرائيل!!
حتى الآن، ووفقا للتصريحات الإسرائيلية، لم تستطع إسرائيل الالتزام بالاتفاق لسببين؛ الاول يتعلق بمشكلة الطاقة الاستيعابية للشبكة الداخلية في إسرائيل (الطرفين اتفقا على صفقة تصل إلى 15 مليار دولار، ولم يكن لديهما علم بعدم قدرة شبكة الغاز الداخلية في إسرائيل على تصدير كميات الغاز المتفق عليها)!! والثاني بسبب ارتفاع الطلب المحلي على الغاز في إسرائيل (وكأن الاتفاق بين الطرفين لا يمثل أي الزام على إسرائيل)!!
في النهاية سأطرح سؤالين تشير الإجابة عليهما إلى حجم المأساة المستمرة في صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل..
لماذا لم يتناول الاعلام المصري بقنواته وصحفه الحديث أو الاعلان عن التعديل الجديدلاتفاق الغاز؟!! ولماذا سارعت الحكومة المصرية وفي ذلك التوقيت بتعديل اتفاق الغاز مع إسرائيل، بالرغم من تأخر إسرائيل في إيصال أول شحنات غاز متفق عليها أكثر من مرة؟ المنطق البشري يستلزم على الاقل التأكد من قدرة وجدية إسرائيل في تصدير كميات الغاز المتفق عليها قبل القيام بتعديل الاتفاق إلى كميات غاز أضخم!