هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا أعده مراسلها بورزو دارغاهي، يتحدث فيه عن الطريقة التي يقوم فيها أمير الحرب الليبي خليفة حفتر بتمويل حروبه، في محاولة للسيطرة على ليبيا كلها.
ويقول دارغاهي في تقريره، الذي جاء تحت عنوان "عقار في منطقة مهمة على البحر والنفط والخردة تمول أمير الحرب الليبي"، إن حفتر يمول حروبه من خلال أعمال مشبوهة ومصادرة للممتلكات.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن العقار على البحر، الذي يقع في غرب ليبيا، وفي المدينة الثانية في ليبيا، بنغازي، وهو إسكان على البحر الأبيض المتوسط، قد يكون مصدرا للمال بعد تسوية مشكلات ليبيا، إلا أن مالكه اضطر لبيعه بسعر أقل من سعره الحقيقي عام 2017، عندما استدعته سلطة غامضة يطلق عليها "لجنة الاستثمار العسكري والأشغال العامة"، التي تتبع لما يطلق عليه الجيش الوطني الليبي بزعامة حفتر.
وتفيد الصحيفة بأنه لخوف المالك على مصدر معيشته وأمنه الشخصي، فإنه اضطر لبيعه بسعر أقل بكثير من السعر الحقيقي، وذلك بحسب شهادات حصلت عليها صحيفة "إندبندنت"، خاصة أن الكثير من الليبيين الذين أغضبوا الجيش الوطني اختفوا، أو أجبروا على الهروب إلى المنفى.
وينقل الكاتب عن باحث يزور ليبيا بشكل متكرر، وتحدث مع صاحب العقار، قوله: "لا يحتاجون لفعل الكثير.. ربما أصدروا تهديدا مباشرا أو استدعوك إلى مكتب وأخبروك عن قواعد اللعبة، وربما أرسلوا مجموعات مسلحة إلى قطعة الأرض أو العقار وسيطروا عليه بالقوة".
ويلفت التقرير إلى أن الجنرال الليبي المتقاعد المثير للجدل حفتر، الذي يحظى بدعم عسكري من الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر، وبدعم سياسي من روسيا وفرنسا، يشن حربا منذ خمسة أعوام للسيطرة على الدولة الغنية بالنفط.
وتقول الصحيفة إنه لكون الحرب تحتاج إلى تمويل ونفقات، تشمل دفع أجور جماعات الضغط في واشنطن وإرضاء الضباط، فإن حفتر بدأ ما يصفه النقاد بممارسات وضع اليد على الأملاك والأموال، ومن خلال لجنة الاستثمار العسكري والأشغال العامة، وهي لجنة شبه قانونية تتم من خلالها مصادرة الممتلكات أو يتم شراؤها بأسعار بخسة، بالإضافة إلى تصدير بضائع وبيعها في الخارج.
وينوه دارغاهي إلى أن "هناك صعوبة في تقدير عائدات اللجنة، إلا أن باحثا قدرها بما بين 5- 10 مليارات دينار ليبي سنويا، وتشرف هذه السلطة على برامج التمويل المزعومة التي تديرها، فعادة ما تتم مصادرة البيوت بناء على زعم ضرورات الأمن القومي، فيما يطلب من رجال الأعمال المساهمة ماليا، ويتم تهريب النفط إلى الخارج وبيعه، وقدرت الحكومة الليبية في عام 2017 حجم النفط الذي يتم تهريبه سنويا بقيمة 5 مليارات دولار".
ويذكر التقرير أن المخازن تصادر من أصحابها، ويتم تفكيك ما فيها وبيعه في سوق الخردة، وهذا ما أورده تقرير "اقتصاديات النشل في شرق أفريقيا"، الذي صدر في حزيران/ يونيو عن منظمة "غلوبال إنيشيتف أغينست ترانزناشونال كرايم/ المبادرة العالمية ضد الجريمة العابرة للحدود"، فيما كشفت وثيقة في عام 2018، حصلت عليها مؤسسة البحث، عن أن شحنة واحدة من الخردة صدرت بقيمة 750 ألف دولار.
وتنقل الصحيفة عن الباحث في معهد "غلينغنديل" في هولندا، جليل حرشاوي، قوله: "إنها بالضرورة وسيلة واضحة وأداة تستخدمها قيادة الجيش الوطني الليبي لعسكرة اقتصاد شرق ليبيا"، وأضاف أن اللجنة التي تقوم بعمليات المصادرة هي "كيان يسمح للضباط الكبار، وفي أكثر الاحتمالات أبناء الجنرالات، بملكية الموانئ والمزارع وشركات الاتصالات".
ويفيد الكاتب بأنه على خلاف الأعمال الأخرى، فإن هذه السلطة لا تدفع ضرائب أو أجورا، وخلافا لصناديق التمويل الأخرى، مثل هيئة الاستثمار الليبية التي تدير عددا من المشاريع العقارية والأسهم التي تملكها الدولة من الناحية الفنية، فإن لجنة جيش حفتر لا تخضع للرقابة المالية، فهي مرتبطة بحفتر فقط، وتظهر صفحة "فيسبوك" التابعة لها صورا لجنرالات يغطي شعرهم الشيب وهم يعقدون اجتماعات.
وبحسب التقرير، فإنه لا يوجد على موقع اللجنة في الإنترنت ما يفيد من معلومات عن دورها أو ما تملكه أو أرقام للاتصال بها، مشيرا إلى أن الصحيفة حاولت الوصول إلى اللجنة مرارا، وبعد موافقة المتحدث باسمها التحدث عبر "فيسبوك" فإنه لم يجب على الأسئلة التي أرسلت إليه.
وتورد الصحيفة نقلا عن باحث مقيم في ليبيا، طلب عدم ذكر اسمه، قوله: "لا يحبون الحديث أو تقديم معلومات"، وأضاف: "يعرفون أنهم يقومون بأعمال ينظر إليها الناس بالخارج على أنها مشبوهة"، إلا أن الباحث قال إن الاتهامات الموجهة ضد السلطة هي من طرف واحد ومبالغ فيها.
ويلفت دارغاهي إلى أن السلطات المدنية بدأت منذ تشرين الثاني/ نوفمبر بالحد من نشاطاتها، فيما رفضت محاكم في شرق ليبيا محاولات السلطة السيطرة على أملاك وعقارات.
وينقل التقرير عن الباحث، قوله: "بالإضافة إلى بعض الممارسات التي تقع في إطار عمليات النشل، فإن معظم تجارتها تقع ضمن الأعمال القانونية"، وأضاف: "فشلت اللجنة عندما حاولت القيام بأعمال غير قانونية وتم الوقوف في وجهها، ولهذا فهم يحاولون الآن جعل أعمالهم قانونية وبناء على قانون الاستثمار العسكري الذي أقر العام الماضي".
وتنوه الصحيفة إلى أن اللجنة يترأسها الجنرال محمد المدني الفخري، الذي يعد من الموالين لحفتر، فيما يضم مجلس إدارتها عددا من الضباط البارزين في معسكر حفتر.
ويورد الكاتب نقلا عن خبراء، قولهم إن أرصدة اللجنة تضم مؤسسات لتحميل وإنزال البضائع في ميناء بنغازي والمزارع، ما يعطيها نفوذا على الصادرات وإنتاج الطعام، مشيرا إلى أن اللجنة أصدرت في الأيام القليلة الماضية بيانا قالت فيه إنها مسؤولة عن دخول الأجانب إلى شرق ليبيا، ما يعطيها السلطة لملاحقة رجال الأعمال وابتزازهم.
وينقل التقرير عن الباحث، قوله: "بدأت في السيطرة على العقارات.. لكنها أصبحت اليوم أكثر تنظيما، وتسارع عملها من خلال رغبة الجيش الوطني الليبي في الحصول على موارد مالية، ورغبة بعض القادة في الحصول على المال".
وتبين الصحيفة أن الاحتياجات المالية للجيش الوطني زادت في الأشهر الماضية، فالنفط الليبي لا يزال تحت سيطرة المصرف المركزي، الذي يقوم بدفع الرواتب والتقاعد، ودعم مؤسسات الدولة مثل المستشفيات، مشيرة إلى أن الجيش الليبي حاولالسيطرة على المصرف المركزي وشركة النفط الوطنية الليبية، لكنه فشل.
ويشير دارغاهي إلى أنه بعد سيطرته على الشرق والجنوب فإن حفتر قام بمحاولة للسيطرة على طرابلس في نيسان/ أبريل، لكنه فشل رغم وعده أنصاره بتحقيق نصر سريع، وتحولت المعركة لحالة جمود، وسط إشارات عن نفاد صبر داعمي حفتر في مصر والسعودية والإمارات.
ويجد التقرير أن "حلفاء حفتر العرب، وإن قدموا له الدعم العسكري والدبلوماسي، لكن لا دليل على تقديم الدعم المالي له، ما اضطره للبحث عن موارد لتمويل طموحاته العسكرية، وإعادة بناء شرق ليبيا بعد سنوات من الحرب، بالإضافة إلى توفير الرواتب لحوالي 70 ألف مقاتل، وتضم نفقات حفتر صفقة عقدها بمليوني دولار هذا العام مع شركة علاقات عامة أمريكية، مقرها هيوستون، لمساعدته في تحقيق (أهدافه الدبلوماسية) في واشنطن".
وتفيد الصحيفة بأن الخبراء يرون أن لجنة الاستثمارات العسكرية هي محاولة لإضفاء الشرعية القانونية والتغطية على عمليات النهب التي يقوم بها حلفاء حفتر والمقاتلون في جيشه، مشيرة إلى أن اللجنة تشبه محاولات عبد الفتاح السيسي في تسهيل اختراق الجيش لاقتصاد مصر، والمؤسسات الدينية في إيران، التي قامت بمصادرة بيوت وممتلكات رجال الأعمال.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول الباحث: "لا يخفون أن النموذج المصري هو ما يلهمهم، من أجل جعل مالية الجيش الوطني مستقلة قدر الإمكان وتنويع مصادر دخله".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)