استبعد اقتصاديون ومختصون قيام الحكومة
المصرية بالاستفادة من عوائد بيع مخزون الخُردة والكُهنة بمخازن الهيئات والمؤسسات الحكومية، التي قدرتها مصادر رقابية بـ296 مليار جنيه، (18 مليار دولار)، في سداد أقساط وفوائد القروض المستحقة عليها قبل نهاية العام الجاري، والتي تصل إلى 14.7 مليار دولار.
وأكد المختصون الذين تحدثوا لـ"
عربي21" أن مخزون
الخردة والكهنة زاد خلال فترة حكم نظام الانقلاب العسكري من 100 مليار جنيه (6 مليارات دولار) في عام 2010، إلى 296 مليار جنيه (18 مليار دولار) مع نهاية حزيران/ يونيو 2018، وهو ما يمثل كنزا اقتصاديا للحكومة إذا أحسنت التصرف فيه.
وكان الكتاب الدوري لوزارة المالية لشهر آب/ أغسطس 2019، طالب بسرعة حصر المخزون الراكد من الخردة والكُهنة في المخازن الحكومية؛ تمهيدا لبيعها، في إطار تعظيم الاستفادة من المال العام، إلا أن المفاجأة كانت بإعلان الوزارة أن الأولوية في البيع ستكون لوزارة الإنتاج الحربي، وفقا لأسعار عادلة، لم تحدد الوزارة أي ضوابط لها في كتابها الدوري.
ووفق المسؤول السابق بالجهاز المركزي للمحاسبات، سعيد الشربيني، فإن الخردة الموجودة بمخازن الحكومة تشمل كل شيء، وليست قاصرة على الأدوات المكتبية والأجهزة الكهربائية في الوزارات والمصالح، وإنما تشمل أيضا ماكينات ومصانع كاملة مُكهنة، بالإضافة إلى أسطول من السيارات الحكومية التي خرجت من الخدمة، أو السيارات التي تتم مصادرتها ويصدر قرار بإعدامها بعد فترة من الزمن، وكذلك خردة السكك الحديدية التي تعد الأغلى في كل ذلك.
ويؤكد الشربيني لـ"
عربي21" أن الجهاز حذر أكثر من مرة من عمليات الفساد التي تصاحب المناقصات الحكومية، وعدم وجود سياسة محددة لعمليات الإحلال والتبديل في المؤسسات الحكومية، وهو ما كان سببا في وصول قيمة مخزون الخردة لما يقرب من 300 مليار جنيه (18 مليار دولار)، ثلثهم خلال السنوات السبع الماضية.
ويضيف الشربيني: "المفترض أن يذهب عائد هذه المبيعات لخزانة الدولة للاستفادة منها في تطوير البنية التحتية والإنفاق على التعليم والصحة، أو إعادة توجيهها بما يخدم مصلحة المواطن، لكن قانون المناقصات والمزايدات الجديد جعلها تحت تصرف وزارة المالية، توجهها حسب رؤيتها".
"غموض مقصود"
ويؤكد الخبير الاقتصادي كامل المتناوي لـ"
عربي21" أن القفزة التي شهدها المخزون الراكد أو الكُهنة الحكومية خلال السنوات الماضية، لا يعكس التطور الذي جرى في القطاعات التي جرت فيها عمليات الإحلال والتجديد، مشيرا إلى أنه تم إنفاق ما يقرب من 200 مليار جنيه (12 مليار دولار) على إحلال وتجديد داخل المؤسسات والهيئات الحكومية. ورغم ذلك، لم يحدث أي تطور اقتصادي في هذه المؤسسات، سواء من حيث الإنتاج أو من حيث كفاءة الأداء الحكومي.
ووفق المتناوي، فإن "الحكومة إذا كانت تفكر بشكل علمي نزيه، فعليها أن تستفيد من عائد بيع الخردة في تخفيف
الديون الخارجية، خاصة أن العائد الكبير لمخزون الخردة ليس بندا ضمن الموازنة العامة، وبالتالي فإنه يمكن أن يخفف الإرهاق الذي تعاني منه الموازنة نتيجة الأقساط السنوية والربع سنوية للقروض وفوائدها لعام 2019، التي قدرها البنك المركزي بـ14.7 مليار دولار".
وتوقع الخبير الاقتصادي أن يكون النشاط الذي تشهده وزارة المالية بعمليات بيع الخردة بسبب السعي لتوفير سيولة لمشروعات
العاصمة الإدارية الجديدة، التي تعاني من هروب واضح في الاستثمارات المحلية والخارجية، كما أن فرص حصول المشروعات المعلقة فيها على قروض بشروط آمنة أصبحت صعبة للغاية.
ويوضح المتناوي أن الجيش ناجح جدا في تجارة الخردة الحكومية، سواء من خلال وزارة الإنتاج الحربي التي تعد المشتري الأول لها، أو من خلال شركة حديد المصريين المملوكة للمخابرات الحربية، وبالتالي فإن السيطرة على الخردة وعوائدها يعد مضمونا في يد السيسي، ويحقق له سيولة هو في أشد الحاجة إليها.
"سر حربي"
على جانب آخر، يؤكد المختص بشؤون الأمن القومي، عبد المعز الشرقاوي، لـ"عربي21"، أن الخردة الخاصة بالقوات المسلحة والهيئات التابعة لها، "تعد سرا حربيا يجب عدم الاطلاع عليه، موضحا أن التكهين في القوات المسلحة لا يشمل المعدات والأسلحة الحربية فقط، وإنما هناك مصانع تعمل في التخصصات المدنية، وهناك مستلزمات مكتبية ووسائل إعاشة، وهي أمور من المفترض ألا تخضع للقانون العسكري".
ويشير الشرقاوي إلى أن القانون رقم 49 لسنة 1974 بتفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون بعقد صفقات لشراء الأسلحة، يلزم رئيس الجمهورية بتقديم كشف لمجلس النواب عن الأسلحة التي تم شراؤها خلال الفترة التي تسبق تجديد التفويض، والحاجة الملحة التي دعته لإبرام هذه الصفقات، وكيف يتم تفكيك الأسلحة التي يتم خروجها من الخدمة.
وحسب الشرقاوي، فإن هذه الضوابط لا يتم الالتفات إليها داخل البرلمان أثناء تجديد التفويض الذي يحدث كل ثلاث سنوات، وهو ما جعل كل ما يتعلق بالأسلحة والمعدات العسكرية وغير العسكرية، سواء الجديدة أو التي يتم تكهينها، من الأسرار الحربية التي لا يطلع عليها سوى القيادات العسكرية.