هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في قرار
وصفه متابعون بأنه بداية خطوة جديدة نحو "عسكرة التعليم" في مصر، قررت السلطات
العسكرية الحاكمة تحويل المدارس الفنية الصناعية إلى مدارس عسكرية، وتطبيق النظام الجديد
على 27 مدرسة بداية من العام الدراسي المقبل.
ونشر
نشطاء صورة لمدرسة "الفشن الثانوية الصناعية بنين" بمحافظة بني سويف بالصعيد، وقد تم تغيير اسمها إلى مدرسة "الفشن الثانوية الصناعية العسكرية للبنين"
ببني سويف.
ووقعت
وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بروتوكول تعاون مع قيادة قوات الدفاع الشعبي
والعسكري بوزارة الدفاع قبل 3 أسابيع، بهدف تحويل المدارس الصناعية لمدارس عسكرية صناعية
لتحسين حالة انضباط الطلاب وانتمائهم للوطن.
وسيتم
تنفيذ البروتوكول ابتداء من العام الدراسي المقبل في 27 مدرسة فنية صناعية بواقع مدرسة في
كل محافظة، على أن يتم تدريس مقررات ذات طبيعة عسكرية من قبل ضباط تم اختيارهم على
أعلى مستوى بمعرفة قيادة الدفاع الشعبي، وتعتبر المقررات العسكرية مواد نجاح ورسوب.
نائب
وزير التعليم لشؤون التعليم الفني، الدكتور محمد مجاهد، أكد في تصريحات صحفية أن السبب
وراء هذا البروتوكول هو عدم وجود انضباط لدى الطلاب، وأن الهدف هو تحقيق الانضباط والانتماء.
ولاقى
القرار تأييدا من عدد من نواب البرلمان المصري، إلا أن وكيل لجنة الصناعة بمجلس النواب، النائب فوزي فتي، قال لصحيفة "الوفد"، إنه من الأفضل إنشاء مدارس عسكرية
منفردة، دون تحويل المدارس الفنية الصناعية إلى عسكرية، مطالبا بالارتقاء بمستوى مدارس
التعليم الفني الصناعي.
ومنذ
الانقلاب العسكري منتصف 2013، خطت السلطة الحاكمة خطوات نحو عسكرة التعليم.
ويسيطر
على وزارة التربية والتعليم عدد غير قليل من المستشارين ورؤساء القطاعات من العسكريين
السابقين، فيما تنطلق من آن إلى آخر دعوات تطلقها الأذرع الإعلامية للنظام، تطالب بإسناد
العملية التعليمية بالكامل للجيش، خاصة بعد تسريب امتحانات الثانوية العامة.
وتسيطر
الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على معظم أعمال هيئة الأبنية التعليمية، وترميم وبناء
المدارس، كما تعاقدت وزارة التعليم عام 2017 مع جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات
المسلحة لتوريد الأغذية المدرسية للطلاب، كما تم إلزام المدارس بترديد أغنية خاصة بقوات
الصاعقة المصرية بدلا من النشيد الوطني.
وفي
العام 2016، جاءت مصر بالمركز قبل الأخير في جودة التعليم، وفي 2017 خرجت نهائيا من
التصنيف العالمي لجودة التعليم، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
"صناعة
جيل مصري مسخ"
وحول
دلالات ذلك القرار، يرى مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير عبدالله الأشعل، أن
"القرار يأتي في ظل تعاظم سيطرة العسكر في مصر على كل شيء".
الأكاديمي
المصري الذي قدم مشروعا لتثقيف شباب مصر والأمة العربية، أكد لـ"عربي21"
أن "القرار سيقضي على البقية الباقية مما لدى المصريين من فهم ووعي، ومحاولة لإدخال
الجيل الجديد إلى حظيرة العسكرة وتنفيذ الأوامر بدلا من التفكير والإبداع".
وقال
إن "الخلاصة هي صناعة جيل مصري مسخ بلا عقل ولا فهم ولا وعي ولا تفكير، ومن دون مخ أيضا، لا
يصنع قرارا، ولكن ينتظر الأوامر لتنفيذها دون تفكير".
وبشأن
هدف النظام من ذلك، أكد الأشعل أن "هذا التوجه يأتي استكمالا لسلسلة المنظومة التي
بدأها العسكر منذ عهد جمال عبد الناصر، وهي تسطيح فكر الشباب، وتوجيهه بعيدا عن فكرة الصراع
مع الكيان الإسرائيلي، الذي استفحل تأثيره في الوطن العربي، واخترق المجتمع المصري".
ويعتقد
الأشعل أن "الحكام الذين زرعهم الاستعمار في الدول العربية، وترضى عنهم الصهيونية
العالمية، هم سبب ما حصل لشعوبهم من تسطيح وتغييب فكري وثقافي، وقلة إدراك بقضايا وأزمات
وكوارث الأمة والوطن، وأنهم هم سبب ما يحدث من توجه نحو التماهي مع إسرائيل والتطبيع معها".
وأشار
إلى خطورة الأمر على فكر الطلاب ونشأتهم، مبينا أن "القائمين الآن على الأمر يوجهون
حربهم نحو عقول الشباب، ونزع ما تبقى من إنسانية منهم، وتحويل الأجيال المصرية القادمة
من الوعي والتثقيف وبناء الوطن إلى البناء الجديد طبقا للنموذج العسكري في كل شيء،
وهم لذلك يحاولون جذب الشباب بقوة نحو ذلك النموذج، وها هو يبدأ من المدارس الصناعية".
"التغطية على
جرائم النظام"
وفي
رؤيته، قال الكاتب والمحلل السياسي، عماد أبو زيد، إن "دلالات تلك الخطوة معروفة
طبعا، وهي عسكرة المدارس، والسيطرة على عقول الأجيال القادمة وفكرها"، موضحا أنها
تعني "عملية غسيل لعقول الشباب".
أبو زيد،
فسر بحديثه لـ"عربي21" هدف النظام من تطبيق تلك الخطوة بأنه "يحاول
طمس معالم كل الجرائم التي ارتكبها خلال هذه الحقبة منذ 2013 وحتى الآن، وإلى أن يزول".
وأوضح
أن "هذا لن يكون إلا بمحاولة التأثير على عقول الأجيال الجديدة"، مبينا أن
"هذا بالطبع لا يأتي إلا بالاستحواذ عليهم بعسكرة كل شيء حولهم حتى عقولهم".
ولكن، لماذا البداية بالتعليم الفني؟ يجيب أبو زيد بالقول: "هو السواد الأعظم بين مراحل
التعليم المختلفة، وبالطبع البداية بنحو 27 مدرسة، واحدة في كل محافظة، ولسوف تتوالى بعد
ذلك في باقي المدارس".
وأشار
الكاتب الصحفي إلى أن النظام "لن يكتفي بالتعليم الصناعي فقط، بل ستجد التعليم
التجاري والزراعي في خطوة تالية".
ويعتقد
أبو زيد أن "هذه الأجيال التي شهدت كل هذه الأحداث وعاشتها، رغم صغر سنها، لن يفيد
معها تزوير التاريخ؛ لأنهم شهود على العصر"، مؤكدا أن "السلطة الحالية تعلم
ذلك تماما، ولذلك تحاول بكل طاقتها السيطرة على العقول والفكر عن طريق العسكرة".