أظهرت بيانات حديثة صادرة من البنك الدولي ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 106.2 مليار دولار، بنهاية آذار/ مارس الماضي، مقابل 96.6 مليار دولار بنهاية 2018، بزيادة 9.6 مليار دولار، وبنسبة 9.9 في المئة خلال ثلاثة أشهر.
وقد ارتفع الدين الخارجي على الحكومة المركزية إلى 53.8 مليار دولار، بنهاية آذار/ مارس الماضي، مقابل 48.07 مليار دولار في نهاية 2018، وعلى البنوك المحلية إلى 10.09 مليار دولار مقابل 7.69 مليار دولار، وعلى القطاعات الأخرى إلى 13.7 مليار دولار مقابل 12.5 مليار دولار. كما ارتفعت بشكل طفيف الديون على البنك المركزي بالعملة الأجنبية إلى 28.5 مليار دولار، مقابل 28.3 مليار دولار. وتراجعت حصة الديون طويلة ومتوسطة الأجل من إجمالي الديون إلى 88.3 في المئة بعدما سجلت نحو 93.8 مليار دولار، مقابل 89.2 في المئة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بقيمة 86.3 مليار دولار. وارتفع الدين الخارجي قصير الأجل إلى 12.4 مليار دولار مقابل 10.34 مليار دولار في كانون أول/ ديسمبر 2018. وأضاف البنك الدولي أن الديون الحكومية الخارجية سجلت 102.6 مليار دولار، كما سجلت الديون الخاصة المضمونة من جهات حكومية 229 مليون دولار.
وقد عكست الزيادة في الدين الخارجي خلال الـ12 شهرا المنتهية في آذار/ مارس 2019 ارتفاعا بنسبة 20.4 في المئة، حيث زاد الدين الخارجي نحو 18.1 مليار دولار عن مستوياته في آذار/ مارس 2018، مسجلا حينها 88.2 مليار دولار. وبذلك يمثل نمو الدين الخارجي
المصري خلال تلك الفترة ما يقارب من أربعة أضعاف نمو الناتج المحلي الإجمالي؛ الذي تتغنى الحكومة بزيادته وأنه وصل إلى 5.6 في المئة.
إنه مما لا شك فيه أن مصر مقبلة على كارثة
اقتصادية إن عاجلا أو آجلا؛ نتيجة الإفراط في الديون الخارجية دون الاستفادة منها بصورة ملموسة في عمليات التنمية المفقودة، حتى باتت سياسة ترقيع الديون هى الأصل، وتكوين احتياطي نقدي بالديون هو سيد الموقف، وما ينتج عن ذلك من زيادة متنامية في أعباء خدمة الديون، وهو ما يعني أن انفجار فقاعة تلك الديون قادم لامحالة، ووقتها (للأسف الشديد) ستكون مقدرات مصر السياسية والاقتصادية وثرواتها وأجيالها تحت يد الدائنين؛ الذين لا يعرفون سوى لغة الاستعمار الاقتصادي.
إن التاريخ خير شاهد على أن الإفراط في الديون الخارجية هو توريط للبلاد والعباد، وأن الدائنين لا يضحون بأموالهم بقدر ما يضحون بالبلد المدين وثرواته وأبنائه، والتحكم في قراره السياسي واستقلاله. وليس ببعيد عنا ما آلت إليه مصر بسبب إفراط الخديوي إسماعيل في الديون الخارجية، وهو الأمر الذي أدى بالخديوي لفقدان سلطانه وفقدان مصر استقلالها وفرض الوصاية عليها.
وقد كانت الديون الخارجية كذلك هي الخنجر الذي استقر في ظهر الخلافة العثمانية، ووصل بها في نهاية المطاف إلى الانتهاء بعد حكم دام لأكثر من ستمائة عام. ويكفي هنا أن أذكر مثالا آخر عن تأثير الدين الخارجي في استعمار الدول وفقد استقلالها واستقرارها، حيث يذكر تحسين باشا (رئيس دائرة الكتابة بقصر يلدز) في مذكراته عن السلطان عبد الحميد الثاني، آخر خلفاء العثمانيين العظام، حادثة تبرز مخاطر الدين الخارجي وتبعاته، فيذكر أنه من الأمور الغريية التي حدثت في عهد السلطان عبد الحميد، والجديرة بأن نستقي منها العبر؛ الحادثة المعروفة بواقعة ميديللي، حيث رسا الأسطول الفرنسي قبالة ميديللي، وأنزل عددا من جنود البحرية فاحتلت إدارة الجمارك، وكان ذلك نتيجة لامتناع الحكومة عن دفع دين لمواطن فرنسي اسمه لوراندو بمبلغ كبير، نتيجة للفوائد المتراكمة، ولم ينسحب الأسطول إلا بعد تسوية هذا الدين.. وإذا كان ذلك خاصا بدين لشخص على الدولة، فكيف بديون الدول والمؤسسات الدولية الاستعمارية؟!
إنني حذرت من قبل أكثر من مرة من هذا السلوك الاقتصادي الإجرامي في حق الجيل الحالي والأجيال القادمة، وهو ما يتطلب الوقوف ضد هذا السلوك وقد أوشك أن يحرق الأخضر واليابس. فمصر في أمسّ الحاجة لإرادة وطنية مخلصة، وإدارة واعية رشيدة تخرج بها من أزمتها الاقتصادية والسياسية ومن نفق الديون الخارجية والداخلية، بعيدا عن سيطرة العسكر على مقدرات البلاد ومستقبلها، والوقوع في شبح الإفلاس والتبعية.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.