فاجعة جديدة حلت على الشعب
المصري بتفجير سيارة أمام معهد الأورام في منطقة المنيل بالقاهرة. لم تكن الفاجعة فقط في حجم الدماء أو الشهداء أو الجثث المتفحمة، ولكن الفاجعة الأخرى التي لا تقل أهمية هي أن الشعب المصري وجد نفسه وحيدا بين مطرقة الكوارث التي تستهدف الأرواح والدماء؛ وسندان الفشل الحكومي الذريع في مواجهة الكوارث وتوفير الحدود الدنيا من حقوق المواطنين، وهي الرعاية الطبية والخدمة الأمنية، ولم يجد الموطن أيا من مؤسسات
المجتمع المدني لتقوم بدورها في تقديم يد العون الأهلي والمجتمعي له، وتمثيل وتصعيد مطالبه في مواجهة السلطة.
لقد كشف حادث معهد الأورام أن مصر تخلو تماما من أي نشاط حقيقي للمجتمع المدني؛ الذي يجب أن يبرز دوره في مثل تلك الحوادث الهامة، كما كان الدور الذي قام به المجتمع المدني في زلزال 1992.
لقد قام المجتمع المدني في مصر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك بدور هام إبان زلزال 1992، حيث قامت نقابة المهندسين بتشكيل لجان هندسية لمعاينة المنازل المتضرره، وتقديم الدعم الفني للترميم ومعالجة الأضرار. وقدمت نقابة الأطباء في ذلك الوقت، وجمعيات أهلية كثيرة، الدعم الطبي والمالي، فضلا عن حملات التبرع بالدم، وحالات التكافل المجتمعي مع المشردين جراء الزلزال.. وعلى إثرها شن نظام مبارك حربا ضروسا ضد النقابات المهنية وعدد من الجمعيات الأهلية؛ لما قامت به من دور فاق دور الحكومة في استيعاب الكارثة، وهو ما اعتبره نظام مبارك في ذلك الوقت تهديدا سياسيا له ولحزبه.
أما في كارثتنا الراهنة، فلم يكن هناك أي دور يذكر لمؤسسات المجتمع المدني. فعلى بعد 500 متر فقط يقع مقر لجنة الإغاثة التي أممها النظام العسكري، وبعد أن كانت لجنة الإغاثة تقدم الدعم الطبي والعيني واللوجستي للمتضررين والمحتاجين جراء الحرب في غزه، وجراء المجاعات في الصومال، ولأسباب متعددة في البوسنة، والسودان، وغيرها، أصبحت الآن تعجز عن تقديم الدعم للمصريين على بعد 500 متر فقط من مقرها.
كما اختفت عن الأنظار نقابة الأطباء، رغم أن نقيبة الأطباء هي الدكتورة اليسارية المعروفة منى مينا، إلا أن المناخ العام المغلق، والتأميم الكامل لكافة مساحات التحرك لمؤسسات المجتمع المدني؛ أعجز الجميع عن التحرك، حتى في أقل المستويات لم نجد أي مؤسسة مجتمع مدني تحشد المواطنين للتبرع بالدم لصالح المصابين، وحلت محلها دعوات المشاهير على السوشيال ميديا.
إن تغييب المجتمع المدني وتهميشه بشكل كلي يضع المواطنين كأفراد في مواجهة الدولة كآلة إدارية يسيطر عليها حكم عسكري؛ يعتبر أن أي رفض أو خروج عن الأطر التي تضعها السلطة هو تمرد تجب مواجهته بالعصا والدبابة، وبالتالي يقع المواطن بشكل دائم في الكوارث منفردا، فيواجه سلطة عسكرية لا تعترف بحقوقه كمواطن مدني، ولا يجد مجتمعا مدنيا يقدم له الدعم المناسب في ظل انسحاب الدولة من دورها الرئيسي في تلبية مطالب وحقوق المدنيين، وفي حال تمرده على الواقع البائس يجد في مواجهته إما الرصاص وإما السجن.
ولكن يجب هنا أن نتوقف حول سؤال هام: هل بالفعل الآلة العسكرية هي الحائل بين المجتمع المدني وبين حادث تفجير المنيل؟
هل حاولت نقابة الأطباء أو نقابة التمريض أو أي من منظمات المجتمع المدني تقديم الدعم ومنعتها الأجهزة الأمنية؟
لا أقدم الأسئلة في إطار توجيه أصابع الاتهام، وإنما نطرح الأسئلة في إطار الحق في المعرفة، فإن كان السبب الرئيسي في تعطل المجتمع المدني في القيام بدوره هو الآلة العسكرية القمعية، فكان لزاما على المتصدرين للعمل في تلك المنظمات والمؤسسات مصارحة الجماهير بحقيقة الواقع؛ لإسقاط ورقة التوت عن النظام العسكري، وكشف ممارساته في حق المواطن.
إن استمرار منظمات المجتمع المدني في دورها الديكوري هو دعم مباشر للنظام العسكري وشرعنة لوجوده، وقبلة حياة تعطيه المزيد من الوقت جاثما على أنفاس المصريين. فعلى المتصدرين للعمل في منظمات المجتمع المدني أن يعلنوا بشكل واضح وشفاف ما يمثله النظام العسكري من عائق أمام دورها في منظومة الدولة، وإلا أصبحوا شركاء للعسكر في التآمر على المواطن والوطن.