هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حذرت مراكز حقوقية واستشاريون نفسيون من تزايد حالات الانتحار بين المعتقلين السياسيين بمصر، خلال الأشهر الماضية، التي كان آخرها، المعتقل السياسي خالد حسن، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، نتيجة الضغوط الأمنية والنفسية التي تعرض لها مؤخرا، وكان من بينها رفض السلطات المصرية منح زوجته وابنته تأشيرة دخول بمطار القاهرة، لزيارته في محبسه.
وقد سبقت حالة حسن، حالة أخرى للمعيد بجامعة طنطا أسامة مراد، الذي استطاع زملاؤه المعتقلون بسجن طرة تحقيق إنقاذه في اللحظات الأخيرة، بعد أن قام بقطع شرايين يده، اعتراضا على المعاملة المهينة التي يتعرض لها من إدارة السجن، والضغوط النفسية التي تمت ممارستها ضده قبل عملية الانتحار التي جرت في نيسان/ إبريل الماضي.
وكان مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب أكد أن خالد حسن (41 عاما)، استغل انشغال زملائه المعتقلين في الزنزانة نفسها بسجن طرة تحقيق، وحاول الانتحار يوم الاثنين الموافق 29 من تموز/ يوليو الماضي، بقطع في معصمه الأيسر، وقد تم إسعافه بمستشفى السجن، بعد استغاثات أطلقها زملاؤه.
وفق بيان للمركز، فإن حسن، يعاني من ضغوط نفسية عنيفة خلال الأشهر الماضية، وكان يتناول أدوية مضادة للاكتئاب قبل اعتقاله، وقد زادت الضغوط النفسية بعد منع الزيارة عنه منذ شهرين، كما قامت السلطات المصرية باحتجاز زوجته (أمريكية)، وابنته بمطار القاهرة أكثر من مرة، ومنعتهم من دخول مصر لزيارته في محبسه.
ويواجه حسن اتهامات بالانتماء لتنظيم الدولة، والتخابر مع دولة أجنبية، وتمويل جماعات إرهابية، والتخطيط لعمليات عسكرية، كما تعرض للتعذيب بمقر الأمن الوطني في أثناء اختفائه القسري لمدة 5 أشهر، بعد اعتقاله في كانون الثاني/ يناير 2018.
وحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان، فإن يوم 22 من نيسان/ إبريل الماضي، شهد عملية انتحار مشابهة للمدرس المساعد بجامعة طنطا والمعتقل بسجن طرة تحقيق (جنوب القاهرة) أسامة مراد، الذي تعرض هو الآخر لأزمة نفسية، نتيجة الضغوط التي تمارسها عليه إدارة السجن، والتفتيش المفاجئ بأوقات متأخرة من الليل، في شكل هجمات تصيب المعتقلين بالذعر.
شهادة من الداخل
وفي شهادة خاصة لـ "عربي21"، يؤكد المعتقل السابق أحمد جمعة، أن الانتحار، أصبح وسيلة تعبير صامتة في المعتقلات نتيجة الضغوط التي يتعرض لها المعتقلون، سواء المعاملة السيئة من مسؤولي السجون، أو الأحكام القاسية، أو بسبب الإهمال الطبي، فضلا عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها أسرته خارج السجن.
وحسب جمعة الذي قضي فترة من اعتقاله بسجن طرة تحقيق، فإن عيادة النفسية والعصبية بالسجن، هي الأكثر من حيث الإقبال بالنسبة للمعتقلين، ولكنها عيادة عقيمة تزيد من سوء الحالة النفسية للمعتقل، ولا تساعد في علاجها، حيث لا يستخدم الطبيب المعالج سوي نوعين أو ثلاثة من المهدئات العصبية والنفسية، ولا يوفر وقتا للاستماع للمعتقلين، نظرا لكونه طبيبا واحدا يعالج كل المعتقلين بمجمع سجون طرة، الذي يصل عددهم لبضعة آلاف.
وعن الضغوط التي يمكن أن تدفع المعتقل للانتحار، يوضح المعتقل السابق، أن أخطرها منع الزيارة وعزل المعتقل عن العالم الخارجي، بالإضافة للعقوبات القاسية التي تفرضها إدارة السجن على المعتقلين بسبب أو دون سبب، ومعاملة المعتقلين باعتبارهم رهائن أو أسرى حرب، ليس لهم حقوق لدى السجن.
وطالب جمعة بضرورة التحرك الحقوقي لإنقاذ زملائه المعتقلين الذين يعيشون في ظروف أمنية ومعيشية وطبية واجتماعية واقتصادية سيئة ومميتة.
قتل متعمد
ووفق رأي الاستشاري النفسي عمر الواحاتي لـ "عربي21"، فإن الإجراءات القمعية التي يتعرض لها
المعتقلون في السجون، تساعد على تدني الحالة النفسية، ولذلك لا يجب التعامل مع الحالات التي أقدمت على الانتحار، باعتبارها شخصيات ضعيفة لم تتحمل الضغوط النفسية والعصبية التي تفرضها أوضاع السجون، وإنما يجب التعامل معهم باعتبارهم النموذج الذي يريد نظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي الوصول إليه.
ويشير الواحاتي الذي يقوم بالتأهيل النفسي لعدد من المعتقلين السابقين وأسرهم، إلى أن الإجراءات التي تنفذها سلطات الاحتجاز مع المعتقلين داخل السجن، والإجراءات التي تقوم بها السلطات الأمنية مع أهاليهم خارج السجن، لا بد أن تؤدي في النهاية لأزمات نفسية تحتاج لسنوات عديدة لعلاجها، وهو ما يعني في النهاية أنها إجراءات مقصودة لتحطيم المعتقلين داخل السجن وخارجه.
وعن الإجراءات الطبية النفسية المتبعة في السجون، يوضح الاستشاري النفسي، أنها لا تختلف عن الإجراءات الطبية الأخرى، التي بسببها توفي الرئيس محمد مرسي وغيره من المعتقلين، وهي تترجم في النهاية هدف النظام العسكري بالقتل البطيء للمعتقلين، سواء بالإهمال الطبي المتعمد في الأمراض العضوية، أو بزيادة الضغوط النفسية وغياب العلاج المناسب للأمراض النفسية والعصبية.
ويضيف الواحاتي قائلا: "وفقا للقانون الإنساني الدولي، والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر فيما يتعلق بحقوق السجناء، فإن القانون المصري يلزم السلطة الحاكمة بتقديم الرعاية الطبية الملائمة، داخل السجن أو خارجه في الحالات التي لا يتوفر لها علاج داخل السجن، بالإضافة لظروف الحبس الملائمة، وتأهيل السجين نفسيا ومجتمعيا، وهي أمور ليست موجودة في الحالة المصرية".