هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند"
الفرنسية مقال رأي للمؤرخ والمختص في العلوم السياسية، جان بيار فيليو، تحدث فيه
عن مصير الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الذي يلفه الغموض منذ
استقالته من منصبه.
وقال الكاتب في مقاله الذي
ترجمته "عربي21" إنه لم تصدر عن بوتفليقة أية إشارة تدل على أنه على قيد
الحياة منذ تخليه عن منصبه في الثاني من نيسان/ أبريل الماضي بعد أن أمضى 20 سنة
في الرئاسة الجزائرية. وقد كان آخر ظهور للرئيس السابق عند تسليمه استقالته قبل
أربعة أشهر.
وأشار الكاتب إلى أن الشوارع
غصّت في 22 شباط/ فبراير الماضي بالأفواج الغفيرة من الجزائريين، سواء في العاصمة
أو في باقي المدن الجزائرية، المحتجين على ترشّح بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة.
وقد
أجبرت الضغوط التي مارستها الحشود كل يوم جمعة رئيس الأركان، الفريق أحمد قايد
صالح، على الظهور كأول "صانع للقرار" في البلاد، الذي دعا في الثاني من نيسان/ أبريل إلى "حماية الشعب من حفنة من الأشخاص الذين احتكروا ثروات
البلاد بغير وجه حق".
أما الرئيس المخلوع فلم يظهر
منذ استقالته، التي يبدو أن القرار بتقديمها اتُخذ تحت الإكراه. وقد جاءت هذه
الأشهر الأربعة من الصمت بعد خمس سنوات كارثية اتسمت بظهور نادر لرئيس الدولة حتى إن الاحتفالات الرسمية كانت تقتصر على عرض صورته عوضا عن حضوره شخصيا.
وفي الواقع،
كان الإذلال المرتبط بتحمّل مهزلة مماثلة لخمس سنوات إضافية هو ما دفع الجزائريات
والجزائريين إلى الخروج إلى الشارع. في المقابل، يتجسد الأمر الأكثر إثارة للدهشة
في مصير عبد العزيز بوتفليقة الذي لا يلاقي اهتماما يُذكر، في الوقت الذي أودع فيه
قايد صالح سعيد بوتفليقة وعددا من شركائه السجن في الرابع من أيار/ مايو.
وذكر الكاتب أن القلة القليلة
من الجزائريين الذين ما زالوا يتساءلون عن مصير رئيسهم المخلوع يُرجحون أنه ينعم
بحياة مُترفة في منفاه في الإمارات العربية المتحدة التي كان قد قضى فيها 15 سنة
قبل توليه منصب الرئيس في سنة 1999. علاوة على ذلك، فقد ذكر آخرون أن بوتفليقة موجود
في سويسرا أو فرنسا أو أنه نُقل تحت حراسة مُشدّدة إلى المناطق المحيطة بالعاصمة
الجزائر.
إقرأ أيضا: بعيدا عن صخب الإعلام وهدير الشارع.. هكذا يقضي بوتفليقة أيامه
وأورد أن مجلة "جون
أفريك" تؤكد من جهتها أن الرئيس السابق لم يغادر مُطلقا قصر زرالدة، الذي
يبعد حوالي 30 كيلومترا غربي العاصمة. وتجدر الإشارة إلى أن هذا القصر الذي يخضع
لحماية مشددة أعدّته المخابرات العسكرية واُتيح لبوتفليقة صيف سنة 2013 عند عودته
من فرنسا بعد أن تسبّبت سكتة دماغية في بقائه في المستشفى لثلاثة أشهر تقريبا.
وقد سلّم بوتفليقة استقالته
لرئيس المجلس الدستوري بحضور رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح الذي أصبح
الرئيس المؤقت للبلاد لمدة 90 يوما التي ينص عليها الدستور إلى غاية تنظيم الانتخابات
الرئاسية التي كانت قد أُجلت لأجل غير مسمى بسبب نقص المرشحين وتحت الضغط الشعبي.
مع ذلك، تم تجاوز مدة الأشهر الثلاثة، وبالتالي، تعيش الجزائر منذ العاشر من تموز/
يوليو تحت نظام بحكم الأمر الواقع بدلا من حكم القانون، حيث تنبثق السلطة
التنفيذية عن قايد صالح ومجموعته من صناع القرار "العسكريين".
وأضاف الكاتب أنه تحوم حول قايد
صالح أقوى الانتقادات الصادرة عن المتظاهرين على غرار "الشعب والجيش إخوة لكن
قايد صالح يقف مع الخونة" أو "من يعيش سيرى، قايد صالح في سجن
الحراش" الذي يقبع فيه حاليا رئيسا وزراء سابقين وعدد من الأوليغارشية.
وفي
مواجهة هذه الموجة، يبدو مصير رئيس الدولة السابق ذا أهمية ضئيلة. ومن جانبه، يظهر
قايد صالح في صورة العدو اللدود لعصابة بوتفليقة، ساعيا إلى إسقاط العقدين اللذين
أمضاهما في خدمة هذه "العصابة" من الذاكرة. وقد يحاول قايد صالح تنظيم
محاكمة يكون فيها سعيد بوتفليقة كبش الفداء بدلا من أخيه الذي تدهورت صحته إلى حد
كبير.
وأوضح الكاتب أنه بغض النظر عن
الخيار الذي سيتبنّاه قايد صالح في النهاية، فسيعيش بوتفليقة تحت الإقامة الجبرية،
تماما مثلما كان مصير أحد أسلافه وهو الشاذلي بن جديد، الذي أطاح به انقلاب عسكري في
سنة 1992. وفي الحقيقة، كان بوتفليقة الذي تولى الرئاسة في سنة 1999 هو من أعاد
لابن جديد حريته وهو الذي أصدر عند وفاته في سنة 2012 مرسوما يقضي بإقامة حداد وطني
لمدة ثمانية أيام وترأس جنازات الدولة في العاصمة.
وقال إن المتظاهرين الجزائريين
لا يشعرون اليوم بقلق كبير بشأن تصفية الحسابات داخل الطبقة الحاكمة، لكنهم
يطالبون في المقابل بالإفراج غير المشروط عن "سجناء الرأي" الذي اعتُقلوا خلال الأسابيع الأخيرة وعلى رأسهم لخضر بورقعة، أحد المجاهدين القدامى ضد
الاستعمار.