بعد وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد
السبسي صباح الخميس
الماضي، ثار جدل صاخب على مواقع التواصل
الاجتماعي حول جواز الترحم عليه، وكان لافتا أن بعض المانعين اعتبروا السبسي كافرا
بسبب تصريحاته السابقة التي نفى فيها المرجعية الدينية عن الدولة التونسية.
وكان الداعية المصري،
وجدي غنيم حذر من الترحم على
الرئيس السبسي، لأنه "كافر كفر بالله صراحة حيث قال بما لا يدع مجالا لأي
تبرير أو عذر بالنص (لا علاقة لنا بالدين ولا بالقرآن ولا بالآيات القرآنية، نحن
نتعامل مع الدستور الذي أحكامه آمرة، والقول إن مرجعية تونس مرجعية دينية خطأ
فاحش".
من جهته ردَّ الداعية التونسي بشير بن حسن على غنيم،
واصفا إياه بـ"شيخ
التكفير"، وأنه "أقحم نفسه في مآزق خطيرة، تمثل
في الحكم على المُعيّن بالتكفير المخرج عن الملة، الذي ليس من صلاحياته في الأصل،
بل مجال ذلك القضاء وليس الدعوة أو الفتوى".
في غمرة المساجلات الدائرة حول الموضوع يكثر الحديث عن
مسألة تكفير الشخص المعين، إن كانت مما حددتها الشريعة الإسلامية، ووضعت لها أصولا
خاصة بها، لا بد من استيفاء شروطها وانتفاء موانعها، فإن كان الأمر كذلك فمن هي
الجهة المخولة بإصدار حكم تكفير المعين، وهل يلزم منه الحكم بالردة وتنفيذ حكم
القتل فيه؟
في إجابته على الأسئلة المثارة، شدد الباحث الشرعي المصري،
الدكتور علي ونيس على "ضرورة التفريق بين تكفير المعين وتكفير المطلق، فالأول
يكون بوصف شخص ما – لعمل قام به أو قول قاله – بأنه كافر، وهذا لا يجوز إلا
باستيفاء شروط، وانتفاء موانع".
وأضاف: "أما التكفير المطلق، فهو إطلاق الكفر على
الفعل أو القول أو الاعتقاد، وعلى فاعل ذلك على سبيل الإطلاق، وهذا النوع ورد في
الشرع إطلاقه، فنُطلق كما أطلقه الشارع".
وأوضح ونيس لـ"
عربي21" أن "من ضوابط
تكفير المعين: قيام الحجة على المعين المراد تكفيره، لأنه قد يكون جاهلا، أو
مُكرها، أو متأوّلا، وهذه أعذار تنتفي معها إقامة الحجة، مع العلم أن قيام الحجة
يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص".
ولفت ونيس إلى أهمية "مراعاة قاعدة: من ثبت إسلامه
بيقين فلا يُحكم بكفره إلا بيقين، وهذا مبني على قاعدة شرعية معروفة عند أهل
العلم، وهي قاعدة "اليقين لا يزول بالشك". فلا يحق لأحد – كائنا من كان
– أن يخرج أحدا من الإسلام بمجرد الظنون والشكوك، بل لا بد من دليل يعتمد
عليه".
وحذر ونيس من "ترك تكفير المعين لأفراد الناس، لأن
المجتمع يفسد بذلك وتضطرب أحواله، وتُستحل فيه فروج ودماء وأموال، فلا بد من هيئة
خاصة تقوم به في زماننا، لأنه من الأمور الخطيرة التي لا بد أن يتولى البت فيها
جهة رسمية محايدة، يتكون أعضاؤها من خيار علماء الأمة، أو تُناط بالقضاء الشرعي
الواعي، فيبحثون كل حالة ترفع ضدها دعوى المطالبة بتكفيرها، لأن إثبات الكفر يحتاج
إلى نظر وإثبات بالبينات".
وفي السياق ذاته، قال الداعية الأردني، خالد أحمد
الخشاشنة: "القول بأن تكفير المعين خاص بالقضاء أو أهل الفتوى ليس على
إطلاقه، فبعض المكفرات معلوم من الدين بالضرورة كمن أعلن الإلحاد، أو سب الله أو طعن
في القرآن، وقد ثبت في القرآن الكريم تكفير المعين كما في سورة الكهف {قال له
صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب}.
وواصل حديثه لـ"
عربي21": "والمعين الذي
يعلن الكفر إنما يحكم عليه بالكفر ممن علم حاله لدعوته أولا، ثم لتطبيق الأحكام
التي أمرنا الله بها في معاملة الكفار من صلاة واستغفار وزواج وميراث
وغيرها".
ووصف الخشاشنة الجدل الدائر حول تكفير الرئيس التونسي
السبسي من عدمه بـ"الجدل السياسي
الحزبي المبني على مصالح حزبية، حاله كحال صلاة الغائب التي أصبحت خاصة بالزعماء
والمسؤولين، وقادة الأحزاب." على حد قوله.
من جانبه رأى الباحث والناشط الإسلامي، معتز شطا أن
"الرئيس التونسي الراحل لم يعلن أنه كفر بالله، ولم يقل إنه ارتد بعد إسلام،
وغاية ما في الأمر أنه أعلن عن مبادئ تخالف الشريعة كتحكيم الدستور بدلا من
القرآن، وتقسيم المواريث بطريقة غير شرعية..إلخ".
وأردف: "بحسب تصوري، فإن السبسي لم يعلن تلك الأحكام
بصفتها معتقدا له، ولكن بصفتها رؤية سياسية أو دينية، يعني أقصى ما يمكن أن يقال
فيه، إنه جاهل، أو مخطئ، أو حتى مسلم فاسق، على أقصى تقدير، والفاسق ليس كافرا ولا
مرتدا".
وأوضح شطا أن تحقق الحكم بالردة أو الكفر على شخص بعينه،
إنما يكون بأن "يعلن الشخص المعني بنفسه أنه ارتد أو كفر بعد إيمان، وأن يحكم
عليه الحاكم – أي القاضي – بذلك بعد محاكمة عادلة "الاستتابة"، وهنا تنص
بعض المذاهب أن الاستتابة لا حد لآخرها، يعني وقتها العمر كله".
بدوره رأى الباحث الإسلامي المغربي، حفيظ هروس أن
"من الأمراض الشائعة اليوم بين بعض المتدينين من المسلمين التساهل في إطلاق
ألفاظ التكفير على المسلمين لأدنى شبهة".
وأرجع هروس أسباب ذلك إلى "اعتقاد الغيرة على
الدين، والجهل بعواقب التكفير الشرعية، والضيق ذرعا بالمخالف نظرا لطفو الحساسيات
السياسية والمذهبية على السطح، والخلط المباشر للسياسة بالدين سواء كان بتسييس
الدين أو تديين السياسية، والدعوى بوجود قرائن دالة على الكفر مع جهل القائل
بالأحكام التفصيلية المتعلقة بالأحكام الشرعية وتنزيلها، وعدم تجريم التكفير في
أغلب الدول العربية".
ووفقا لهروس، فإن "التكفير يجب أن يُحصر فيمن توفرت
له الشروط التالية: العلم بالمكفّرات – نواقض الشهادتين القولية والعملية – على
سبيل التفصيل العلمي بأدلتها القطعية، والقدرة على تنزيل الحكم المشخص بالمعيّن عن
طريق تحقيق مناطات الحكم بوجود شروطه وانتفاء موانعه، والقدرة على الإلزام، لأن المكفِّر هنا ليس مخبرا فقط شأن المفتي، ولكن ملزم بترتيب
الجزاءات على الحكم" وفق بيانه.
وخلص هروس في ختام حديثه لـ"
عربي21" إلى القول: "وبما أن هذه
الشروط لا تتوفر إلا في القضاء، فوجب تقييد التكفير بالهيئات القضائية حصرا"،
منبها إلى أن هذا كله من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فهو أشد تعقيدا،
ويتطلب تكييف الأحكام الشرعية مع المقتضيات القانونية الطارئة (حقوق الإنسان
والحريات وما إلى ذلك)، وأهمها على الأقل ضرورة تجريم كل افتئات على
التكفير".