هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم تعدد وجوه المعاناة والفقدان والألم، إلا أن الطالبة الفلسطينية جمانة علاء أبو جزر، تمكنت من التفوق في دراستها، لتخطو بذلك خطوة كبيرة على درب تحقيق حلم طال انتظاره، ولتكتب بذلك قصة نجاح وحكاية إبداع من نوع آخر.
طالبة الثانوية العامة جمانة من مدرسة "شفا عمرو" الثانوية بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، لم يمنعها فقدان أمها وهي طفلة رضيعة لم تتجاوز 4 أشهر، من التفوق وحصد 92.6 في المئة في القسم العلمي.
وما يثير الكثير من الغرابة والتفكر في حال هذه الطالبة "غير العادية"، أنها فقدت أيضا والدها مؤقتا قبل 17 عاما وهي في سن 9 أشهر، بعد اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي والحكم عليه بالسجن 18 عاما، وهي في هذا الوقت تتنظر أن تعانق والدها الأسير علاء مطلع العام القادم.
معاناة تلك الطالبة التي تحدثت لـ"عربي21"، لم تتوقف عن هذا الحد، بل امتدت بفقدان جدها الذي رعاها بعد اعتقال والدها ووفاة أمها، وتجاوزت ذلك باستشهاد عمها "أيمن"، ليستقر بها الحال في حضن جدتها مريم رمضان أبو جزر، البالغة من العمر (80 عاما)، التي منحتها التشجيع المستمر، وكانت لها بمثابة "الأم والأب والعائلة".
وذكرت أن "فقدان الوالدة والوالد أمر صعب للغاية، حتى لو كان كل الناس بجوارك وتقف معك، لكنني جعلت من هذه الصعاب دافعا ومحفزا لي، للاجتهاد في الدراسة والتفوق، وتحقيق حلم والدي الأسير بدراسة طب الأسنان".
وعن مدى تأثير الظروف الصعبة التي مر بها قطاع غزة؛ من حصار وحروب متتالية وأوضاع معيشية صعبة، أكدت جمانة أن "الأوضاع رغم صعوبتها، لكنها ليست عائقا أمام النجاح والتفوق، ففي كل الأوقات وحتى في الحروب لم أتوقف عن الدراسة".
اليوم الصعب
وأضافت: "نحن في ظل حصار ظالم في غزة، لكننا نريد أن يصل صوتنا للعالم، بأن أطفال غزة رغم كل هذه المعاناة الكبيرة، إلا أنهم مبدعون متميزون يستحقون حياة كريمة بلا احتلال ولا حصار".
وعن الاتصال الذي وصلها من والدها الأسير من داخل السجن، نوهت بأن "المشاعر تداخلت؛ بين فرحة النجاح والحزن أن والدي ليس معي في تلك اللحظة، لقد تمنيت أن يبشرني هو بنجاحي"، منوهة بأن "فرحة النجاح لا توصف رغم كل هذه المعاناة والألم".
وفي رسالتها لوالدتها المتوفاة ووالدها الأسير، قالت: "رغم ألم الفراق، حرصت أن أرفع رأسكم، لقد جعلت من هذا الفراق الصعب على قلبي دافعا كي استمر في مسيرة النجاح، وأن أكون قوية ومثابرة في هذه الحياة".
اقرأ أيضا: أوائل فلسطين يهدون تفوقهم للقدس وغزة.. هذه أحلامهم
أما الجدة الصابرة مريم، التي شعرت أن "جمانة قطعة مني، فهي وحيدة؛ لا أم ولا أب، ولا أخ ولا أخت، وحرصت أن أعوضها حنان الأم والأب، فهي طفلتي المدللة"، مضيفة: "صممت أن أرعاها وأحسن تربيتها".
وذكرت في حديثها لـ"عربي21"، أن "جمانة وصلت لعمر 5 سنوات وهي لا تعرف أنني جدتها، وكانت تنادي علي ماما، وحرصت على تربيتها على حسن الخلق والاهتمام بدراستها، وشجعتها على حفظ القرآن الكريم كاملا".
ومن "أصعب اللحظات" التي مرت بها الجدة في حياتها، عندما سألتها جمانة: "كيف تكونين أنت أم علاء (والد جمانة) وأمي في الوقت ذاته؟ عندها أجبرت على أن أحكي لها أنني جدتها أم والدها، وأن أمها توفيت وهي صغيرة، وتأثرت جدا، وطرحت العديد من الأسئلة، فكان هذا اليوم صعبا جدا علي".
طريق التفوق
وحول زيارة الطفلة لوالدها الأسير في سجون الاحتلال، نوهت الحاجة مريم بأن "جمانة تمكنت من زيارة والدها مرة واحدة لمدة نصف ساعة، عندما كان عمرها 12 عاما، وبعدها رفضت أمنيا من قبل الاحتلال".
وتحدث الحاجة وقد ظهرت عليها علامات التأثر الشديد بنجاحها في تربية تلك الرضيعة، وأكدت أن فرحتها بجمانة "لا توصف، فهي رصيد حياتي"، راجية من الله تعالي أن "يكتب لها التوفق والنجاح في مستقبلها العلمي والعملي، وأن ييسر لها رؤية والدها الأسير قريبا، ويجمع شملهما".
وبشأن الفترة التي سبقت ورافقت امتحانات الثانوية، لم تتردد الجدة -التي بلغت من العمر عتيا- أن تسهر مع طفلتها المدللة خلال مراجعة دروسها ليلا، بل كانت تمنحها التشجيع والمثابرة والصبر لتحقق ما تحلم به، وهي تقول لها: "بعد هذا التعب، يقطف الإنسان الثمر، وتذهب المعاناة"، مضيفة: "الحمد لله، ربنا أكرمنا بهذه النتيجة".
ووجهت الجدة الصابرة النصح لكل من يواجه المصاعب، وقالت: "عليكم بالصبر والجد والاجتهاد، وعدم الاستسلام لأي مأساة"، مضيفة: "جمانة التي فقدت حنان الأم والأب وهي رضيعة، أثبتت قدرتها على المضي قدما في طريق التفوق والنجاح".
وأهدت أم الأسير والشهيد نجاح جمانة "لكل أسرى فلسطين في سجون الاحتلال، ولشهداء الشعب الفلسطيني المجاهد صاحب العزيمة القوية".
وأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، أمس الخميس، نتائج امتحانات الثانوية العامة لعام 2019، في كافة المحافظات الفلسطينية المحتلة.