هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعاد حبس قيادات مارست مسؤولية عليا في
جبهة التحرير الوطني، الحديث عن مستقبل هذا الحزب، الذي ارتبط اسمه بكل فترات
البلاد المتأزمة، رغم رمزيته التاريخية كمُفجّر للثورة ضد المستعمر الفرنسي.
وفي الأيام الأخيرة، أودع الأمين العام
السابق للحزب، جمال ولد عباس، الحبس الاحتياطي بتهم فساد ثقيلة ظلت تلاحقه منذ توليه
وزارة التضامن، كما دخل الحبس أيضا السعيد بركات السيناتور والوزير السابق عن الحزب. وقبلهما، تمّ حبس عبد المالك سلال، الوزير الأول السابق، الذي يملك هو الآخر بطاقة انخراط في الحزب.
وينتظر أن تشمل حملة مكافحة الفساد مسؤولين
سابقين وحاليين في "جبهة التحرير"، بعد ورود أنباء عن التحقيق في ملفات
تسييرهم، وهو ما يُرشح عدد الموقوفين من هذا الحزب للارتفاع لاحقا.
ويعاني حزب جبهة التحرير الوطني منذ سنوات
من تفشي الرشوة داخله، خاصة فيما يتعلق بترتيب القوائم الانتخابية التي كان يتسابق
عليها رجال الأعمال على حساب المناضلين الحقيقيين الذين باتوا ينفضون عن الحزب.
وواجه الحزب في الانتخابات التشريعية
الأخيرة فضيحة من العيار الثقيل، بعد أن ضبط مسؤولون فيه في قضايا تلبس بالرشوة في
قوائم بعض الولايات، لكن هذه القضية في ذلك الوقت تم لملمتها بسرعة دون محاسبة
المتورطين.
وزاد الحراك الشعبي المطالب بالتغيير منذ
22 شباط/ فبراير الماضي من حدة الضغط على الحزب، بعد أن رُفعت شعارات تطالب بحلّه
وإحالته إلى المتحف، باعتباره ملكية جماعية لكل الجزائريين.
وتتلاقى هذه النداءات مع ما سبق لشخصيات
تاريخية وأحزاب سياسية طرحه حتى قبل الحراك الشعبي، بضرورة منع أي حزب من النشاط
تحت اسم "جبهة التحرير الوطني"، كون هذا الحزب الذي أطلق الثورة التي
يُجمع عليها كل الجزائريين.
وحاول الحزب الذي رافق الرئيس السابق عبد
العزيز بوتفليقة في كل سنوات حكمه، وكان قاطرة مشروع العهدة الخامسة، أن يتملص من
هذا الإرث عبر تغيير مواقفه وإعلان مساندته للحراك، إلا أن ذلك لم ينجح في تغيير
الصورة المنطبعة عنه.
وما كرّس الانطباع بأن الحزب قد يكون غير
قابل للإصلاح انتخاب أمين عام جديد مثير للجدل يدعى محمد جميعي، معروف بنشاطه في
عالم الأعمال، وله مواقف سابقة تُمجد الرئيس بوتفليقة ونظام حكمه.
ويحاول جميعي في كل تدخلاته أن يضبط بوصلة
الحزب باتجاه قيادة الجيش ومواقفها، وذلك في استمرار لسياسة الحزب السابقة القائمة
على مساندة الجهة التي تمتلك السلطة.
اقرأ أيضا: إيداع زعيم حزب بوتفليقة السابق السجن المؤقت
"رفع اليد عن الحزب"
وقال عبد الكريم عبادة، منسق حركة التقويم
والتأصيل في الحزب، وهو تنظيم عارض كل القيادات السابقة، إن "جبهة
التحرير" تحتاج اليوم إلى أن تتحرر وترفع عنها السلطة اليد؛ حتى تُمارس حقها
السياسي في المبادرة والنضال.
ويرى عبادة، وهو من وجوه الحزب القديمة، في
تصريح لـ"عربي21"، أن الحزب اليوم "لا يزال رهينة، ولم يتغير وضعه
بعد الحراك الشعبي، رغم أن مسؤوليه الجدد يدعون ذلك".
وأشار عبادة إلى أن "حزب جبهة التحرير
رغم كل ما عاناه في السنوات السابقة، إلا أنه لا يزال قابلا للإصلاح، شريطة أن
يتحرك مناضلوه الحقيقيون وينقذوه من الوضع الذي آل إليه".
وأبرز المتحدث أن الجزائريين لا يرفضون
الحزب بما يمثله من برنامج ومضمون سياسي عقائدي، بل الوجوه التي لطخت صورته وجعلته
مطية لتحقيق مآرب شخصية".
"القيادة الجماعية"
وظل حزب جبهة التحرير المهيمن على الساحة
منذ الاستقلال، سواء في فترة الحزب الواحد التي كان فيها وحيدا، أو زمن التعددية
التي كان يحصد فيها أغلبية المقاعد في المجالس المنتخبة، باستثناء فترات محدودة
زمنيا، الأمر الذي يجعله شريكا في ما وصلت إليه البلاد، سواء بمفهومه السلبي أو
الإيجابي.
ويؤكد السعيد بوحجة، القيادي في الحزب
ورئيس المجلس الشعبي الوطني السابق، أن جبهة التحرير أكثر ما تحتاجه اليوم هو
استعادة مصداقيتها وتعزيز روابطها مع الجزائريين.
وقلّل بوحجة في حديثه مع
"عربي21" من دعوات حلّ جبهة التحرير، مشيرا إلى أن "أي أحد يمكنه
النزول إلى الشارع والمطالبة بأي شيء، بينما في الواقع يبقى الحزب ملكية لمناضليه
الذين يعود لهم تقرير مصيره".
وأوضح بوحجة، الذي أُجبر على التخلي عن
رئاسة البرلمان قبل أشهر فقط بعد ضغط مارسته قيادة الحزب ضده، بأن استعادة
المصداقية "تتطلب العودة إلى مبدأ القيادة الجماعية والأغلبية في اتخاذ
القرار التي كان يتميز بها الحزب".
وتابع بأن الحزب "يجب أن يتطهر من
الطفيليين الذين دخلوه لقضاء مصالحهم، وكانوا يتطبعون مع كل القيادات التي مرّت
عليه، حتى ولو كانت فاسدة، كما هو حال من دخل السجن منها اليوم".
"اختبار الانتخابات"
من جهة أخرى، يعتقد نوفل الميلي، أستاذ العلوم
السياسية بجامعة باريس، بأن التفكير في مصير جبهة التحرير ليس أولوية اليوم؛ لأن
الجزائر بصدد أزمة سياسية أهم بكثير من مستقبل هذا الحزب.
وشددّ الميلي على أن جبهة التحرير "ينبغي
أن يُترك مصيرها إلى الانتخابات المقبلة التي ستُبين حجمها الحقيقي، بعد أن كانت في
السنوات السابقة تحصد غالبية الأصوات، وسط اتهامات المعارضة بالتزوير لها".
وذكر الميلي أنه "إذا كان التزوير هو
المقياس الذي يُعتمد عليه في الدعوة لحلّ جبهة التحرير، فإن معظم الأحزاب بدرجات
متفاوتة انخرطت في التزوير وسياسة توزيع الحصص في البرلمان، ما يعني أن العملية
السياسية برمتها لم تكن نظيفة".
اقرأ أيضا: البرلمان الجزائري يشرع برفع الحصانة عن قيادات بحزب بوتفليقة