يبيت
لخضر بورقعة، المجاهد المعروف في الثورة
الجزائرية ضد المستعمر
الفرنسي، لليوم الثاني في السجن بالعاصمة، بعد اعتقاله على خلفية تصريحات له
اعتبرت مسيئة للمؤسسة العسكرية وقيادتها.
وأثار سجن بورقعة، صاحب 86 ربيعا، جدلا واسعا في البلاد، بسبب ثقل هذه
الشخصية التاريخي والسياسي، واعتبره سياسيون وحقوقيون مؤشرا على تدهور واقع الحقوق
والحريات في ظل السلطة القائمة حاليا.
وجاء إيداع بورقعة السجن الاحتياطي، عقب توجيه تهمتين له، حسب ما أورده وكيل
الجمهورية بمحكمة في العاصمة، هما "المساهمة وقت السلم في مشروع الغرض منه إضعاف الروح المعنوية للجيش
إضرارا بالدفاع الوطني" و"إهانة هيئة نظامية"، وهي الأفعال المنصوص والمعاقب عليها بالمادتين 75، 144 مكرر و146
من قانون العقوبات الجزائري.
مطالب بالإفراج
وفي آخر التطورات
من الناحية القانونية، أوضح المحامي المتأسس في القضية، عبد الغني بادي، أن هيئة
الدفاع قررت استئناف أمر الإيداع في الحبس الاحتياطي أمام قاضي التحقيق، وطالبت
بالإفراج عن بورقعة أو استبدال الحبس بتدبير رقابي آخر مثل الرقابة القضائية
والمنع من السفر إلى أن يحين وقت المحاكمة.
وكشف بادي في
تصريح لـ"
عربي21" عن زيارته لبورقعة في "سجن الحراش" الإثنين،
مشيرا إلى أن "الرجل يعاني من أمراض كثيرة جراء تقدمه في السن لكنه يتمتع
بالمقابل بإرادة فولاذية في مواجهة ظروف السجن".
ويعود سبب التحقيق
مع بورقعة الذي أودع بسببه السجن، إلى تصريحات له مثيرة للجدل، قال فيها إن
"جيش الحدود" يُعد ميليشيا تكونت خارج أرض المعركة ثم استولت على الحكم.
و"جيش الحدود"
هي تسمية تُطلق على الثوار الجزائريين الذين كانوا متمركزين في تونس والمغرب
بقيادة الكولونيل هواري بومدين، والذين دخلوا البلاد بعد الاستقلال سنة 1962
واستولوا على السلطة التي كانت تقودها الحكومة المؤقتة.
وفي تصريحاته
كذلك، هاجم بورقعة بشدة رئيس أركان
الجيش الفريق أحمد قايد صالح، واعتبره مواليا
للإمارات العربية المتحدة بسبب كثرة زياراته لها.
"حملة تشويه
واسعة"
وما زاد في حدة القلق حول وضع الحريات العامة وحرية التعبير تحديدا، إطلاق
التلفزيون العمومي لحملة تشويه واسعة تشكك في ماضي بورقعة الثوري تزامنا مع سجنه،
وتتهمه بانتحال صفة مجاهد آخر كان قائدا لولاية الرابعة التاريخية (منطقة تضم وسط
الجزائر باستثناء العاصمة) زمن الثورة الجزائرية (1954-1962).
وورد في
التلفزيون الرسمي أن بورقعة "تخفى تحت اسم "سي لخضر" وهو في
الحقيقة كان يحارب في الجيش الفرنسي بين سنتي 1954 و1956 ثم عاد إلى أرض الوطن
ليلتحق بالثورة".
ووصف التلفزيون بورقعة
دون أن يذكر مصادر معلوماته، بأنه معروف بنضاله في أحزاب مواقفها متذبذبة ومتغيرة
من القضايا المصيرية للوطن، في تلميح إلى حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يعد أقدم
حزب معارض في الجزائر، وكان بورقعة أحد مؤسسيه.
ولم تتجرع منظمة
المجاهدين هذه الاتهامات ضد ماضي بورقعة، وهددت بمقاضاة كل من يسعى إلى تشويه صورته،
وذلك في رد فعل من هذه المنظمة التي تحظى
بنفوذ كبير وتتجنب في العادة الدخول في مواجهات مع هيئات رسمية.
وذكرت منظمة المجاهدين في بيانها الذي اطلعت عليه "
عربي21"، أن "علاقة
بورقعة بثورة التحرير ستبقى رصيدا شخصيا مشرفا لا يمكن لأي جهة النيل منه".
وأشادت المنظمة
بكفاءة بورقعة العالية وشخصيته وشجاعته الميدانية في مواجهة العدو أثناء المعارك ضد
قوات الاحتلال الفرنسي، مما أهله لقيادة كتيبة
الزوبيرية التي عرفت بنشاطها المكثف بالولاية الرابعة التاريخية، من خلال مواجهتها للجنرالين الفرنسيين "ماسو" و"بيجار"
الشهيرين بارتكاب المجازر خلال الثورة الجزائر.
"ثورة مضادة"
وفي تعليقه على هذا السجال، قال المؤرخ
محند أرزقي فراد، بأن بيان منظمة المجاهدين أعاد الأمور إلى نصابها في موقف يُحسب
لها، وأنصف المجاهد لخضر بورقعة الذي أرادت بعض الأطراف تشويه صورته.
وأبرز فراد في تصريح لـ"
عربي21"،
أن ما يجري اليوم هو "ثورة مضادة"، يريد أصحابها تشويه كل الأصوات
المعارضة ويستعملون في ذلك حتى أسلوب المغالطة التاريخية كما حدث مع المجاهد
بورقعة.
وأضاف المؤرخ أن "الخطاب التخويني في
الجزائر ليس وليد اليوم، فقد عانى منه مجاهدون كبار مثل حسين آيت أحمد وعبد الحميد
مهري وأحمد بن بلة وغيرهم عندما كانت مواقفهم مغايرة لاتجاه السلطة".
وتابع بأن "التخوين هو صفة ملازمة
للاستبداد، وهو ما يوجب الاستمرار في النضال السلمي من أجل تحقيق التغيير الحقيقي
الذي يخرجنا من هذه الدائرة التي تقصي كل معارض من الدائرة الوطنية".