هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عمّت حالة من الابتهاج لدى الجزائريين، بعد اعتقال كبار رموز النظام ووضعهم في السجن الاحتياطي، وهو ما لم يكن يخطر على بال أحد قبل أشهر قليلة كان فيها هؤلاء في ذروة سطوتهم.
ومن مظاهر هذا الفرح، احتشاد مواطنين
أمام مدخل سجن الحراش بالضاحية الشرقية للعاصمة، لاستقبال الوافدين الجدد إليه في
اليومين الأخيرين، وفي مقدمتهم الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الذي يتركز غضب
شديد حوله.
وبات الرأي العام في الجزائر، يدفع
باتجاه محاسبة أكبر عدد ممكن من المسؤولين السابقين، تعويضا عن السنوات السابقة
التي تغوّل فيها هؤلاء واستعملوا نفوذهم في تحقيق ثروات طائلة، في مقابل حرمان
عانى منه أغلبية الشعب.
ومع كسر حاجز اعتقال كبار المسؤولين
السابقين، ثمة من أصبح يطالب بمحاسبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، باعتباره
كان راعيا لكل تلك المنظومة من الفاسدين الذين مكنهم من المناصب والقروض البنكية
وحماهم من كل محاسبة.
محاسبة بوتفليقة
ويقول المحامي والحقوقي مصطفى
بوشاشي، إن "الواجب اليوم من الناحية المعنوية هو التفكير في مساءلة الرئيس
السابق، حتى يكون مثالا للأجيال القادمة بأن الجزائر لا يمكنها أن تكون مزرعة خاصة
يمكن لرئيس أو زعيم أن يعبث بها".
وذكر بوشاشي في بث مباشر على صفحته بموقع
"فيسبوك"، أن الرئيس بوتفليقة صحيح أنه مريض ولكن ينبغي من الناحية
المعنوية محاسبته وإيجاد الطريقة المناسبة لذلك، لأنه ساهم في تبديد 1000 مليار
دولار، كان يمكن أن تنقل الجزائر إلى مستوى آخر من الدول.
اقرأ أيضا: الجزائر.. مشاركة المرأة تلهب الحراك من أجل الديمقراطية
واعتبر الناشط الفاعل في الحراك
الشعبي، أن الجزائر اليوم تعيش لحظة فارقة في تاريخها، بعد أن أحيل معظم
"رموز العصابة" إلى السجن، مشيرا إلى أن "الجزائريين من حقهم أن
يفرحوا اليوم بما حققوه".
لكن في غمرة هذه الاعتقالات التي
تسببت في صدمة نفسية إيجابية للجزائريين، تُطرح على الهامش العديد من الأسئلة حول
حقيقة ما يجري إن كان فعلا محاربة للفساد أو تصفية حسابات بين أطراف النظام.
ومما يخشاه الكثيرون، أن تكون
المحاسبة انتقائية تُعفى منها أطراف كانت فاعلة في النظام، بما ينفي على العدالة
صفة الاستقلالية، ويبقيها دائما تحت نفوذ الجهة الأقوى داخل النظام.
عدالة انتقائية
ويقول القاضي السابق عبد الله هبول، إن "من يعتقد بأن القضاء في الجزائر أصبح مستقلا فهو مخطئ، لذلك تبقى الخشية
من أن تكون المتابعات القضائية الجارية انتقائية وتحت ضغط الحراك الشعبي فقط".
وأوضح هبول في تصريح لـ"عربي21"،
أن الملاحظ إلى الآن أن المحاسبة شملت مسؤولين ورجال أعمال، في حين استثنت أطرافا
مهمة كانت متورطة في الفساد داخل جهاز القضاء والإعلام.
وأبرز هبول أنه من موقعه كقاض سابق،
يستطيع أن يشهد بأن القضاء زمن الرئيس السابق كان خاضعا ومنبطحا، وتم استعماله
كذراع لارتكاب جرائم قضائية كبرى والملفات موجودة.
غير أنه في الواقع، تختلف القراءات
من الناحية السياسية، في التعاطي مع هذه الاعتقالات، بين من يقبلها ويطالب بالمزيد، وبين من يعتبرها مجرد عملية لإنقاذ النظام عبر التضحية بعدد من أبنائه.
اقرأ أيضا: المحكمة العليا الجزائرية تأمر بإيداع أويحيى السجن بتهم فساد
ويقول إسماعيل سعيداني، نائب رئيس
حزب جيل جديد، إن "معاقبة الفاسدين شيء مطلوب ونحن ندعمه، لكن لا يجب أن
يستعمل ذلك مطية للالتفاف على مطالب المواطنين".
وذكر سعيداني في تصريحه لـ"عربي21"
أنه "يجب دعم محاكمة هؤلاء المفسدين لأن الثقة لا يمكنها أن تعود، إلا عندما
يرى المواطن الحيتان الكبيرة تعاقب مثلها مثل السردين"، على حد تعبيره.
ولفت المتحدث إلى أنه بالنظر لحجم
الفساد في الجزائر، قد تكون القاعدة معكوسة فكل مشتبه به مجرم حتى تثبت براءته،
إلا أن حق الدفاع مكفول لكل هؤلاء في محاكمات عادلة ونزيهة.
النظام ينقذ نفسه
عكس ذلك، يرى محمد إيوانوغان، رئيس
تحرير موقع " ليبرتي عربي"، أن النظام يريد التضحية ببعض رموزه على غرار
الوزيرين الأولين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، من أجل قضيته الكبرى المتمثلة في
إنقاذ نفسه من الزوال.
واعتبر إيوانوغان في تصريح
لـ"عربي21"، أن هذه الاستراتيجية سبق أن طبقت في الثمانينيات عندما ضحى
النظام ببعض رموزه على غرار الرئيس الشاذلي بن جديد، ووزير الخارجية أحمد طالب
الإبراهيمي وغير ذلك.
ويعتقد المتحدث أن مظاهر الفرح
باعتقال هذه الشخصيات، يجري تضخيمها إعلاميا من أجل إبرازها على أنها إنجاز، في
حين أن الهدف الأكبر يجب أن يكون العمل على تغيير النظام بشكل جذري، كما يطالب
بذلك الحراك الشعبي.