تزخر العديد من المدن اليمنية بعادات وتقاليد كثيرة، لكن في مدينة
تريم في محافظة حضرموت (شرق البلاد)، لها نكهتها ومذاقها الخاص.
وتعد مدينة تريم، الواقعة شرق مدينة سيئون، ثاني كبرى مدن حضرموت، ومن أبرز المدن العلمية ذات الموروث الثقافي والديني الفريد والمتنوع، وتشتهر بكثرة
المساجد التي تقدر بنحو 360 مسجدا، قياسا بعدد أيام السنة.
ولعل هذه المدينة الشهيرة بالعلم والعلماء، تحتل بسبب ذلك مكانة رفيعة لدى اليمنيين، ففي العام 2010، اختيرت من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسسكو) كعاصمة للثقافة الإسلامية.
نكهة ومذاق خاص
يقول مسؤول مكتب الثقافة في تريم، عبدالله بن حميدان إن شهر
رمضان، له نكهة ومذاق خاص في هذه المدينة، لما تشتهر به من خصوصية، قد لا تجدها في مدن أخرى.
وأضاف في حديثه لـ
"عربي21" أن أهالي المدينة، يستقبلون هذا الشهر الكريم؛ بفرحه عارمة وبالتجهيز له بتنظيف البيوت وتبخيرها، وإنارة المساجد وتجهيز المواد التموينية والأطعمة الرمضانية الشهية.
وأشار ابن حميدان إلى أن الحياة تدب في رمضان في مدينة تريم، الساعة العاشرة صباحا، حيث يبدأ الدوام الحكومي، وتبدأ معها حركات الأسواق.
غير أن السواد الأعظم من الناس يكونون غارقين في النوم، كون الشريحة العظمى في تريم من الأيدي العاملة، التي ترى في رمضان، إجازة سنوية عن العمل.
ويسرد مسؤول مكتب الثقافة بالمدينة، جانبا من الأجواء الرمضانية فيها، حيث يؤكد أن معظم أصحاب المحال التجارية والأعمال الخاصة يبدأون في مزاولة أعمالهم بعد صلاة العصر.
ويضيف أنه منذ صلاة الظهر، تجد المساجد مكتظة بقارئي القرآن، إلى أن يحين أذان العصر، في مشهد بات مألوفا في معظم مساجد تريم.
وعقب أداء صلاة العصر، تبدأ الحياة بالانسياب، وتشهد الأسواق حركة تجارية، وازدحاما شديدا، حيث الحركة المرورية في ذروتها، خصوصا، مع ارتفاع معدل الدراجات النارية المستخدمة، بحسب المتحدث ذاته.
ويحرص كثير من شباب تريم، وفقا لابن حميدان، على ممارسة عدد من الألعاب الرياضية، بينما تجد الأطفال يذهبون إلى جنبات المساجد، للقيام بألعاب خاصة بهم، حتى قبيل موعد أذان المغرب.
ويقول إن من العادات التي اعتادها سكان المدينة، أن الأهالي في السابق كانوا يفطرون على صوت المدفع، لكنها انحسرت وتم إلغاؤها، نظرا لانزعاج القاطنين بجوار الموقع الخاص بـالمدفع، من قوة الصوت عقب إطلاقه القذيفة، وخوفا من تهدم بيوتهم المبنية من الطين، بسبب حجم الهزة التي يخلفها صوت المدفع.
أما حاليا، فقد تم توحيد أذان المغرب في مختلف المساجد التريمية، كما يقول المسؤول اليمني في مكتب الثقافة بالمدينة.
ويواصل ابن حميدان حديثه عن أجواء رمضان في المدينة بالقول إن هناك القليل ممن يفطرون في المساجد، ويفطر معظم الناس في البيوت، لأن الفطور بالبيت يبقى مختلفا.
ففي البيت التريمي توجد التمور والقهوة والبقل (الفجل)، والبعض يقدم السنبوسة، وبعض المعجنات والمشروبات الأخرى.
وذكر أن شوارع مدينة تريم، تشهد فراغا، يجعلها أشبه بمدينة مهجورة، وذلك عقب صلاة المغرب، إذ الجميع في البيوت يتناولون السنبوسة أو (الشربة)..
فيما البعض الآخر، يتناولون وجبة العشاء كاملة، والعائلة مجتمعة، وسط تجاذب أطراف الحديث بين أفرادها، في الوقت الذي تحضر فيه الأطباق المليئة بـ"حبات الحنظل"، وبعض المكسرات والحلويات، وبجانبها فناجين الشاي الذي يضيف جوا بديعا.
وفي أعقاب ذلك، يخلد البعض من أهالي المدينة خلال هذا الوقت، إلى النوم، كي يستريحوا قليلا، قبل الذهاب لأداء صلاة
التراويح، والقيام آخر الليل.
ومع أذان العشاء، يتوجه معظم الناس إلى المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، وحينها تمتلئ المساجد بالمصلين في منظر إيماني جميل.
ولفت إلى أن هناك خصوصية تتمتع بها مدينة تريم لن تجدها في مدينة غيرها في العالم، حيث إنه من غير الممكن أن تفوتك صلاة التراويح، وبالإمكان أن تصليها متى شئت.
يعود ذلك، كما يقول، إلى اختلاف توقيت إقامتها في المساجد، حيث تستمر الصلوات طيلة ساعات الليل، وآخر صلاة تكون الساعة الثانية فجرا.
ويضيف أن أجواء ليلية أخرى تعود من خلال الحركة نحو الأسواق التي تزدحم من جديد، فيما الشوارع تئن من وطأة المارة والدوريات الرياضية التي تقام فيها، وسط اشتداد المنافسة بين الفرق، التي تنتهي في العشرين من شهر رمضان.
تقاليد
وأوضح عبدالله بن حميدان أن هناك العديد من العادات والممارسات الدينية التي تحضر في رمضان ومنها "جلسات ختم القرآن" و"جلسات الوترية" (تلقى من خلالها أشعار دينية، فيما يردد الحاضرون أبياتا محددة في أهازيج وأنغام فريدة)، وذلك بعد صلاة التراويح.
فضلا عن ذلك، تقام مجالس للعلم، عقب صلاة العصر في المساجد أو ما يسمى (الروحة)، التي تعد من أبرز العادات الدينية في المدينة.
ومن العادات أيضا، يتحدث بحسب ابن حميدان، تبادل الزيارات بين الأقارب، حيث يقوم كل قريب بدعوة الآخر إلى منزله، للإفطار وتناول العشاء معا.
وهو تقليد لا يقتصر على الأقارب، بل يمتد للجيران والأصدقاء وأهل الحارة، الذين يقومون بتهنئة "صاحب دعوة الإفطار" بحلول شهر رمضان، وقد تعارفوا على تسميته بـ"التشهير".
وبحسب المصدر ذاته فإن هذه الأجواء الرمضانية الليلية، بجمالها وضجيجها، تتواصل إلى أن يحين وقت السحور، حيث اعتاد سكان مدينة تريم، على أن يتجول من يسمى "المسحراني" أو "المسحراتي" في حارات المدينة، ليوقظ الناس لتناول وجبة السحور.
"الختومات والروحة"
من جانبه، قال الصحفي، حمزة حسان، وهو أحد أبناء تريم، إن أهالي المدينة، اعتادوا على "الختومات" أو الختائم"، وهي مجالس دينية تقام في الليالي الوترية خلال شهر رمضان، حيث تكون كل ليلة في مسجد معين، تبدأ عصرا.
وتابع حديثه لـ
"عربي21": هناك تقليد ديني أخر، يعرف بـ"الروحة"، وهو عبارة عن مجلس "ٌلقراءة عدد من الكتب من بعض
العلماء والفقهاء، سواء ما يتصل بالسيرة النبوية والأحاديث الشريفة أو الفقه"
أما فترة المساء، يضيف حسان، فتكون خاصة بصلاة للتراويح، حيث يجتمع الناس إلى أحد المساجد لأدائها، يعقبها، جلسة لختم القرآن الكريم، وقراءة فصول ختمه، وتلاوة بعض المواعظ، وأداء الموشحات.
يترواح وقت الجلسة من ساعتين إلى ثلاث ساعات، فيما تمتد في بعض الجوامع الكبيرة، حتى الفجر.
وفي أعقاب هذا الختم، يخرج الناس، في مشهد فرائحي أشبه بزفاف، يتلون بعض الموشحات التي ترحب برمضان، وتودعه في نهايته.
معالم وفن معماري فريد
ومن ما تمتاز به مدينة تريم، إلى الجانب الروحاني والديني الحاضر بقوة فيها، فنها المعماري الخاص، الظاهر، داخل قصورها، ومبانيها، ومساجدها، التي بنيت عادة من الطين والمواد التقليدية.
وفي العادة، ما تتألف البيوت المبنية فيها من ثلاث إلى أربعة طوابق، كما تمتاز البيوت باتساعها وباحتوائها على رسوم وألوان بديعة.
فيما تحتوي مدينة تريم على معالم تاريخية وحضارية كثيرة وعديدة، منها المساجد، والأسوار، والزوايا العلمية، والقصور، والأبراج، وغيرها.
ويعد مسجد المحضار، نسبة إلى "عبدالله المحضار"، من أبرز المعالم الدينية والأثرية في المدينة، والذي يشتهر بمنارته الأثرية ذات اللون الأبيض النقي، التي يصل ارتفاعها إلى 40 مترا.
أما "حصن الرناد"، فهو من أشهر الحصون التاريخية الواقع وسط تريم، والذي يسمى حاليا "حصن الشعب".