هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في إحدى الفنادق الفاخرة في العاصمة عمان، يجتهد عشرات المتطوعين من الشباب الأردنيين، بتغليف وفرز الأطعمة الزائدة عن الحاجة، لإعادة توزيعها على الفقراء والمحتاجين، ضمن مبادرة تحت اسم "مطبخ العائلة".
ينشط هؤلاء الشباب والذين يصل عددهم إلى 120 شابا وشابة في شهر رمضان وكافة أشهر السنة، بالتعاون مع فنادق أردنية لإنقاذ بقايا الطعام من الهدر، والرمي في القمامة، بعد أن أسس الشاب بندر الشريف هذه المبادرة في عام 2009 لتنمو وتصبح جمعية قائمة تقدم الطعام النظيف، والفاخر لما يقارب 250 أسرة من الأسر الأشد فقرا في العاصمة عمان.
جاءت الفكرة لدى الشريف، بعد أن نشط في العمل التطوعي منذ كان طالبا في الجامعة، ولمس حجم الفقر في بعض المحافظات، وفي نفس الوقت شاهد حجم الفائض من الطعام الذي يخلف من وراء موائد الفنادق، ليخاطب أحد كبار الفنادق في عمان. وينقل تجربة توزيع وجبات جاهزة أخبره عنها صديقه في مدينة نيويورك، إذ جمع الشريف الفائض من خلال أوعية بلاستيكية معقمة لحفظ الطعام بجودة عالية، وتوزيعه على العوائل الفقيرة، كما يقول لـ"عربي21".
وبحسب متطوعين في المبادرة، "تتيح المبادرة للأسر الفقيرة اختيار أصناف الطعام الذي ترغب في تناوله"، وبالتعاون مع جمعيات محلية فإنها تقوم بتزويدهم بأسماء الأسر الفقيرة "خصوصا التي تضم أطفال ولا معيل لهم، إذ تركز الجمعية على أن تتضمن الوجبات مكونات غذائية مفيدة لمعالجة سوء التغذية".
يقول الشريف: "هذا رمضان الحادي عشر من عمر المبادرة، ويتميز شهر رمضان بوجود كمية طعام مضاعفة في الفنادق، بسبب ارتفاع نسبة الحجوزات والإفطارات، وتقدم لنا الفنادق المساعدة في إعادة فرز وجمع الطعام من خلال الطهاة المحترفين إلى جانب عشرات المتطوعين الذي حصلوا على تدريب مكثف في السلامة الغذائية".
ويقوم المتطوعون بعد الإفطار، بالتوجه إلى الفنادق لتغليف الطعام وحفظه بطريقة لائقة داخل أوعية بلاستيكية ضمن شروط الصحة والسلامة للطعام، ليصل إلى المستفيدين من خلال نقاط مركزية للتوزيع.
وتتيح المبادرة للفقراء التمتع بكافة أصناف الطعام الفاخر إلى جانب الحلويات، والفاكهة، التي لا يستطيعون شراءها، ويقوم المتطوعون بتوزيع الأطعمة للأسر بعد الإفطار مباشرة لغاية ساعات الصباح، على مدار أيام الأسبوع طيلة العام، إلا أن الجهد يتضاعف في شهر رمضان.
الفنادق تتعاون
الفنادق الأردنية رحبت بالفكرة، وتحدث المدير العام لفندق "إنتركونتيننتال" عمان، بسام أبو الحسن، في حديث لـ"عربي2" عن تعاون الفندق مع المبادرة منذ 11 عاما، متوقعا أن يصل عدد الوجبات المقدمة للمحتاجين من فائض الطعام في الفندق في هذا الشهر إلى 30 ألف وجبة.
وقال إن "المبادرة ساهمت في إنقاذ بعض أصناف من الطعام من الهدر، إذ إن هنالك كميات كبيرة من فائض الطعام يجب الاستفادة منها خصوصا الأصناف التي بالإمكان تخزينها".
وبحسب أبو الحسن فقد "توجهنا كفندق أيضا إلى الفائض من موائد الأفراح أيضا، إذ تحتم علينا المسؤولية الاجتماعية التي هي أحد أهدافنا تقديم المساعدة للمجتمع".
نسبة الفقر في الأردن
المبادرة تأتي في وقت تقول فيه الحكومة الأردنية إن نسبة الفقر المطلق في الأردن بلغت 15.7 بالمئة، والفقر المطلق حسب الأمم المتحدة هو حالة تتسم بالحرمان الشديد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء، في وقت يشكك فيه بروفيسور علم الاجتماع حسين الخزاعي في هذه الأرقام.
وأضاف الخزاعي لـ"عربي21" أن "نسبة من هم تحت خط الفقر في الأردن هي 56 بالمئة إذا ما اعتمدنا مؤشر فئات الدخل حيث إن (56 بالمئة) دخلهم أقل من 400 دينار، كما يأتي: (5.7 بالمئة) دخلهم أقل من 200 دينار، و(20.5 بالمئة) من 200 إلى 300 دينار و(59.8 بالمئة) دخلهم من 300 إلى 499 دينارا".
وبحسب دائرة الإحصاءات العامة فإنها تبلغ حصة الفرد الأردني من الإنفاق على الغذاء لمن يقدر دخلهم بـ400 دينار 9.27 دينار شهريا فقط.
الخبير الاقتصادي حسام عايش، قال لـ"عربي21"، إن "أغلب الأسر الأردنية، عاجزة يفوق انفاقها دخلها بمعدل 1000 دينار سنويا وتصل إلى 2000 في بعض الشرائح، هنالك 50 بالمئة من الأسر يقل إنفاقها عن 10 آلاف دينار سنويا على الطعام وفي شهر رمضان تزداد بنسبة 50 بالمئة للأسر الأردنية وأحيانا تصل إلى مئة بالمئة".
ويعتبر عايش أن "مبادرات مثل مطبخ العائلة تبين حجم الهدر لدى بعض الشركات والأشخاص، الذين يسرفون في موائد الإفطار من خلال إنفاق زائد على متطلبات الحاجة الأساسية في الغذاء لإظهار المكانة الاجتماعية"، مشيرا إلى أن هذه المبادرات فيها جهد وتضحية من قبل المتطوعين الذين يشعرون بأن المجتمع يعاني من فائض لدى قلة وعجز كبير لدى فئات أخرى".
ويجد الفقراء في المبادرة فرصة لتذوق طعام الفنادق الفاخرة، التي لا يستطيعون دخولها، ويأمل القائمون على "مطبخ العائلة" أن تتوسع نشاطاتهم لتشمل الفقراء في كافة أنحاء المملكة، داعين المطاعم والفنادق في المحافظات، إلى التبرع بالفائض من الطعام للمحتاجين عوضا عن رميه في القمامة.