هل نجح عبد الفتاح السيسي في تحقيق الاستقرار لمصر؟!
باعتراف السيسي نفسه، فقد فشل في هذه المهمة، رغم أن الدعاية الرائجة لتعديل الدستور تدور حول أن مد فترة الرئاسة وفتح مددها لعام 230؛ هو بهدف تحقيق الاستقرار. ولم تمر على إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور سوى أيام قليلة، حتى كان الاعتراف الصدمة: إن البلاد تعيش وضعاً قلقاً يستدعي استمرار حالة الطوارئ!
يدرك العسكر أن الشعب المصري يضع مسألة الاستقرار على رأس أولوياته، ولهذا فقد استغلوا هذا أسوأ استغلال. ولأنهم حرصوا على دفع الشعب للكفر بالثورة، فقد كانت مظاهرات المطالب الفئوية، واعتمدوا سياسة الغياب الأمني، وهو الأمر الذي تم مع سبق الإصرار والترصد، وبدا الانفلات الأمني كما لو كان بفعل فاعل. وفي عهد الرئيس محمد مرسي، كان الإعلان عن أن الحالة النفسية للضباط لا تمكنهم من ضبط الشارع بعد أن كسرتهم الثورة، وطالبنا بأن تجتمع القيادة السياسية بضباط الشرطة وقيادات وزارة الداخلية، على أن يكون جدول أعمال الاجتماع من بند واحد، وهو أن من يفتقد اللياقة النفسية للعمل فليسعه بيته، حتى يتم شفاؤه تماماً، فمواقع العمل ليست مصحات نفسية. وقد التقى الرئيس محمد مرسي بمعسكر الأمن المركزي، ولم يطلب منهم هذا، ولكنه جاملهم بما أضحك الثكالى، عندما قال إنه لا ينسى دور الشرطة في ثورة يناير!
يدرك العسكر أن الشعب المصري يضع مسألة الاستقرار على رأس أولوياته، ولهذا فقد استغلوا هذا أسوأ استغلال
كان الهدف من تقاعس الأمن عن القيام بواجبه بضبط الشارع؛ هو عقاب لشعب يفضل الاستقرار على أي شيء.. على انحيازه للثورة، ودفعه للكفر بها. وإذ أبدت الجماعة الإسلامية قدرتها على ضبط الأمن، ولمصر تجربة مهمة عندما هربت الشرطة وتتمثل في اللجان الشعبية، فإنه بنزول أفراد الجماعة في محافظة واحدة، كان دافعاً لأن تنزل الشرطة في كامل لياقتها للضبط والربط، وتعاون الشعب معهم، فكان الطلب من أفراد الجماعة العودة إلى منازلهم، وبمجرد اطمئنان رجال الشرطة إلى أنه لم يعد هناك وجود لمن قرر سد الفراغ، عادوا مرة أخرى إلى شماعة "الحالة النفسية السيئة"!
في عصر كل يوم جمعة في عهد الرئيس محمد مرسي، كانت الصورة المكررة، هى محاولة بعض الصبية اقتحام فندق بعينه، وظل النقل المباشر لساعات، دون أن تسأل السلطة وزير الداخلية عن تقاعسه في القيام بمهامه في القبض على هؤلاء. وهي صورة كانت تستهدف إيصال رسالة للشعب؛ أن هذه السلطة أضعف من أن تحقق الاستقرار المنشود، كما كانت رسالة للسياح بأن مصر غير مستقرة!
وأذكر كيف أن لواء سابقا بالجيش كان في زيارتي بمكتبي، عندما أخبرني أنه كان بطبيعة الانتماء المهني مع الفريق أحمد شفيق، لكنه مع هذا صوت للدكتور محمد مرسي، لاعتقاده بأن الإخوان سيثيرون القلاقل إذا سقط مرشحهم، فقرر أن يضحي بمن يحب، في سبيل عودة الاستقرار!
وعندما وقع الانقلاب العسكري، عادت الشرطة لمزاولة عملها (بعد غياب) بهمة ونشاط، فلم يكن أفرادها مرضى، ولكنهم كانوا يتمارضون، لكن بهذه العودة، والتي جاءت مصحوبة بقرارات مكنت الجيش من النزول للشارع، لم يتحقق الاستقرار، فكانت الدعوة بأن البلد تحتاج لعسكري "دكر"، فهو وحده القادر على تحقيقه إذا حكم، فلما قضى منها وطراً، تم تعليق تحقيق الاستقرار على شرط تعديل الدستور، بشكل يمكن هذا "الدكر" من البقاء طويلاً، فأربع سنوات، وبحد أقصى ثماني سنوات، لا تكفي لشعوره بالأمان!
باستمرار العمل بقانون الطوارئ، نكون أمام أعتراف ضمني من السيسي نفسه بفشل التعديلات الدستورية في تحقيق الاستقرار
فهل حققت التعديلات الدستورية الاستقرار فعلاً؟!
باستمرار العمل بقانون الطوارئ، نكون أمام أعتراف ضمني من السيسي نفسه بفشل التعديلات الدستورية في تحقيق الاستقرار، المطلب الرئيس للشعب المصري!
ذلك أنه، وبحسب قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، والذي لا يزال معمولا به حتى الآن، فإن إعلان حالة الطوارئ يكون الدافع له تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في منطقة منها للخطر، سواء أكان ذلك بسبب وقوع حرب، أو قيام حالة تهدد بوقوعها، أو حدوث اضطرابات في الداخل، أو كوارث عامة أو انتشار أوبئة!
ونعلم، ويعلم الجميع، أن مصر لا تخوض حرباً، ولا تمر بحالة تهدد بوقوع حرب، كما أنها لا تنتشر فيها الأوبئة، فهل تعاني اضطرابات في الداخل؟!
القوم وهم يقدمون دعاية سلبية عن الوضع في مصر بهذا الاعتراف الضمني، يطمعون في أن يأتي إليهم الاستثمار الأجنبي، فهل هم جادون فعلاً في هذا؟
المقطوع به أنها تعاني من انتشار وباء واحد، هو حكم الفرد، وهو ليس جديداً على مصر، فقد جربناه لستين سنة، وتم حكمنا بقانون الطوارئ لثلاثين سنة كاملة، هي كامل ولاية مبارك، والذي استلم مصر وهي محكومة بقانون الطوارئ أيضاً.
ولهذا، فإن الدستور الحالي استمد من دستور الثورة أن حالة الطوارئ تُفرض لثلاثة شهور، إذا استدعت الضرورة، ولا يجوز مدها إلا لمدة واحدة فقط؛ لأن استمرارها كان أحد سلبيات العهد البائد، فلم يكن يراد لمصر بعد الثورة أن تحكم لفترة طويلة بقانون الطوارئ سيئ السمعة، لكن الحاكم العسكري، تحايل على هذا النص، فيفرض الطوارئ ويمدها، ثم يترك فراغا لأيام ويفرضها مرة أخرى، ويمدها لذات الفترة.. وهكذا دواليك!
وهو يقر بالفرض المتكرر، بأن الأوضاع في مصر ليست مستقرة، وعندما يفرضها بعد أيام من إقرار التعديلات الدستورية، فهذا اعتراف منه بأن الهدف منها وهو تحقيق الاستقرار؛ ليس حقيقياً.
اللافت، أن القوم وهم يقدمون دعاية سلبية عن الوضع في مصر بهذا الاعتراف الضمني، يطمعون في أن يأتي إليهم الاستثمار الأجنبي، فهل هم جادون فعلاً في هذا؟!
لقد فشل السيسي في البر والبحر، وفشل حتى في تحقيق الاستقرار بفرضه لقانون الطوارئ.. ففي أي شيء أفلح؟!