هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
التقرير: 2019 تحديات في مكافحة التطرف
الناشر: مؤسسة توني بلير للتحولات الدولية
تحرير: البروفيسور بريس هوفمان
عدد الصفحات: 68 صفحة
تاريخ النشر: 2019
مكان النشر: موقع المؤسسة
على الرابط:
file:///C:/Users/maha/Desktop/2019_challenges_in_counter_extremism.pdf
مع تواتر عدد من الهجمات الإرهابية في أوروبا، وتعدد مراكز الإحصاء وقواعد البيانات الراصدة لهذه الأعمال، تعددت وجهات النظر في تفسير هذه الظاهرة، وتجاوز التعاطي مع هذه الظاهرة حدود البحث العلمي وتقديم إفادات وتوصيات لفائدة صناع القرار السياسي المحليين، إلى محاولة تحويل هذا الموضوع إلى صناعة بحثية استثمارية، تعرض توصياتها على صناع القرار السياسي في العالم، وتحاول أن تبرز مقاربتها ووجه القوة فيها.
ضمن هذا السياق، يمكن أن ندرج هذا التقرير، الذي هو عبارة عن سلسلة مساهمات بحثية نشرها معهد توني بلير للتحولات الدولية مؤخرا (في سنة 2019) بمشاركة عدد من الباحثين المتخصصين في دراسة الإرهاب، وفي مقدمتهم بريس هوفمان الخبير الدولي في دراسة الإرهاب، وأين أشيسون الذي باشر الحوار مع المتطرفين في السجون البريطانية لدفعهم نحو المراجعات، فضلا عن باحثين آخرين لهم مساهمات معروفة في مقاربة الظاهرة الإرهابية.
والتقرير يجمع سبع مساهمات نوعية، تمت توطئتها بمقدمة جامعة لمؤسس المعهد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، إذ قدم بريس هوفمان في أول بحث ضمن هذا التقرير مقاربته لمواجهة التطرف الذي يمثل التهديد الأبرز لسنة 2019 في العالم، فيما ركزت مساهمة جون جينكيز على قضية الإيديولوجيا المحركة للدافع الإرهابي، وعرض أين أشيسون تجربته في الحوار مع المتطرفين داخل السجون البريطانية محذرا من الدور الخطير الذي يضطلع به المتطرفون لنشر التطرف داخل السجن، مقدما مداخل ومفاتيح لمعالجة هذه الظاهرة.
أما مساهمة جامي بارتليت، فانطلقت من تشخيص واقع التطرف على الشبكة العنكبوتية، وخارطته، والمخاطر التي يشكلها، معتبرة أن سنة 2019 هي سنة التطرف على الإنترنت بامتياز، مقدمة مقاربات لمواجهة هذه الظاهرة التي اكتسحت الفضاء الأزرق.
مساهمة فرح بانديث، ركزت على ضرورة الاستماع الثقافي، معتبرة ذلك بوابة لتقوية منظومة يقظة الأمن القومي، فيما تناول كيم كراجين خارطة المتطرفين، منتقدا الأطروحة القديمة التي تقصر كثافتهم عل مناطق الصراع وبؤر التوتر من المناطق الهشة، مبينا فشل المدن في مواجه التطرف والعنف، أما البروفيسور جيث كلوسون، فقد قدم مساهمة سعى من خلالها في أن يفكك العلاقة بين التطرف والجريمة، محاولا الاشتغال على مقاربة ورؤى لتعطيل هذه العلاقة.
استثمار ضخم في مواجهة نتائج الإيديولوجيا الصانعة للتطرف وفشل في تغييرها
على الرغم من تعدد المساهمات في هذا التقرير، إلا أن الفكرة المركزية التي تجمعها، أن المشكلة الأخطر ليست في الإرهاب، وإنما في الإيديولوجيا الصانعة له، إذ أعمال الإرهاب ـ حسب مركز توني بلير ـ ما هي في المحصلة سوى مخرجات لهذه الإيديولوجيا، ولا يمكن بحال هزم الإرهاب، ما لم يتم هزم هذه الإيديولوجيا.
يعتبر التقرير أن التطرف القائم على فهم مشوه للإسلام وتحويل المعتقد الإسلامي إلى إيديولوجيا سياسية شمولية، يظل هو التهديد الأكبر للأمن في العالم، وقد ذكر التقرير بالجهد الذي قام به سنة 2007، إذ أكد في نتائجه، مثله في ذلك مثل العديد من مراكز الرصد الدولية الخاصة بالإرهاب، على أن الإٍهاب المرتبط بهذه الإيديولوجيا، مس 60 دولة عبر العالم سنة 2017، وأن سنة 2018 و2019 لن تكونا مختلفتين عن سابقتهما.
يوضح التقرير أن القضية المركزية التي اشتغل عليها معهد توني بلير للتحولات الدولية، هي استحالة هزم العنف والتطرف ما لم يتم هزم الإيديولوجيا الثاوية خلفه، ويذكر بهذا الخصوص حجم الإنفاق المكلف الذي تم استثماره في الإجراءات الأمنية لمكافحة التطرف، إذ أنفقت الدول بلايين الدولارات لحماية نفسها من الأعمال الإرهابية، كما اضطرت الحكومات للالتزام بالقيام بعمل عسكري ضد هذه الجماعات التي ترتكب الإرهاب في كل مكان في العالم، مؤكدا بهذا الخصوص أن هذه التدابير لا يمكن أن تحل المشكلة، ما لم يتم القضاء على الأفكار التي تقود الناس إلى العنف، وتصوغ عقلية مضللة خطيرة، تستبيح تنفيذ الإعمال الإرهابية، كما ولو كانت تقوم بتنفيذ إرادة الله.
لا يتردد معهد توني بلير في انتقاد سياسات مكافحة الإرهاب، وكونها تنفق أموالا ضخمة من أجل مواجهة عواقب الأفكار الإرهابية، دون بذل جهد مماثل في تغيير العقليات، فيعتبر أن العالم اليوم في أمس الحاجة إلى فهم عميق وأفضل لجذور التطرف من أجل القضاء عليه بفعالية ونجاعة، وأن ذلك يتطلب تتبع ورصد كيف نشأت هذه الإيديولوجيا السامة، وكيف تدرس ويتم نشرها خاصة عبر الانترنت، ودور مناهج وبرامج التعليم في تدريس هذه الرؤية المنغلقة عن العالم؟ وما موقع الدين في ذلك؟ وما السبيل لتطوير قيم السلام والتعايش في عصر العولمة، حيث يختلط الناس أكثر من أي وقت مضى مخترقين حدود الإيمان والثقافة الثقافة.
جذور التطرف غير مرتبطة بالإسلام وإنما بإيديولوجيا الإسلاميين
حاولت هذه السلسة أن تثبت أن جذور التطرف لا تعود لقرون عديدة، يمكن مدها لنشأة الإسلام، بل تستمد أصولها من النصف الثاني من القرن الماضي أو قبل ذلك بقليل. ويرى التقرير أن هذه الإيديولوجيا، وإن كانت تستمد تأويلها المتطرف من الدين، إلا أن فهمها المشوه للدين لا علاقة له بالإسلام التاريخي التقليدي، وأن الغرب يخطئ حينما يعتقد بأن جذور الظاهرة الإرهابية مرتبطة بأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وأن جذور الظاهرة في الحقيقة يمتد لسنوات عديدة قبل ذلك، في القرن العشرين.
أصبحت ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب، ظاهرة معترفا بكونها تشكل التهديد الأكبر في العالم اليوم
وسعيا منه في تأصيل هذه الجذور، يحاول التقرير أن يلتمس البدايات الأولى للتطرف، مع الثورة الإيرانية، وكيف أثارت رد فعل العالم السني، وأيضا مع نشأة جماعة الإخوان المسلمين، إذ يرى أن هذه البدايات هي التي تعين في اكتشاف سردية هيمنة الدين على المشهد السياسي، وتحوله مع هذه التيارات، إلى إيديولوجيا سياسية شمولية منتجة للتطرف.
كما يحاول التقرير قراءة تطور هذه الإيديولوجيا من خلال الإحالة على الحرب في أفغانستان والعراق، ثم اندلاع الربيع العربي بعد ذلك، وما تلا ذلك من اضطرابات خطيرة في كل من اليمن وسوريا وليبيا، إذ أصبحت ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب، ظاهرة معترفا بكونها تشكل التهديد الأكبر في العالم اليوم، وأن هذا التحدي لا يقتصر على الشرق الأوسط، وإنما يمتد إلى الجنوب الشرقي عرض آسيا، كما يعرض إلى ذلك بتفصيل البروفيسور بريس هوفمان في بحثه التمهيدي، ويؤكد في خلاصاته أن الإجراءات والتدابير الأمنية لمكافحة الإرهاب حيوية، ولكنها ليست كافية، وأنه كما حدث في الحرب الباردة حين تحولت المعركة من الجانب العسكري إلى هزم الأفكار الشيوعية، فإن الأفضل هو التركيز على هزم إيديولوجيا التطرف، وأن ذلك هو العامل الحاسم لتحقيق النصر عليها على المدى الطويل، وأن الفشل في هزم التطرف، يرجع، كما قرر ذلك جون كينز في مساهمته، إلى الفشل في مواجهة إيديولوجيته التي تحمل نظرة عالمية ناصعة وشمولية مروعة تمثل تهديدا للنظام الدولي وللدولة القطرية، وأن الحاجة تستدعي من الحكومات ـ كما أكدت ذلك فرح بانديكث ـ إلى فهم الاتجاهات الثقافية للمجتمعات المتأثرة بأفكار التطرف، وأن ذلك هو المدخل الضروري لمكافحتها.
ظاهرة التطرف التي تهدد أوروبا ومختلف بقاع العالم، تتميز بحضور كثيف على شبكة الانترنت،
أما إيان أتشيسون، الذي قاد تجربة الحوار والمراجعات من خلال الحوار مع المتطرفين في السجون البريطانية، فقد أكد في بحثه أنه في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط على النظام، فقد أصبحت السجون حاضنات للتطرف، وأن الواقع المروع الذي تمثله هذه الظاهرة تتطلب القيام بالمزيد من العمل.
محاربة التطرف والأخطاء القاتلة
لقد سبق لمرصد التطرف العالمي التابع للمعهد أن أظهر في بياناته أن هذا العنف لا يقتصر على مناطق الصراع، وأن 64 جماعة من الجماعات الإسلامية المتطرفة في العالم تعمل خارج بؤر التوتر، وكما يبرز البروفيسور جيتيت كلاوسن، فإن الشبكات الفردية، سواء على الانترنت أو خارجه، مع عبور الإسلاميين للقارات، هي من بين أكبر المشكلات التي يواجهها صانعو السياسة، إذ يمثل المتطرفون تهديدا للأمن العالمي، وزعزعة للاستقرار، أينما كان مقامهم، بما في ذلك صلاتهم بعالم الجريمة، وكما يلاحظ الدكتور كيم كارجين في بحثه ، فإن الأطروحة التقليدية التي تربط المتطرفين بمناطق الصراع والتوتر تحتاج لمراجعة، فهم اليوم يوجدون، ليس فقط في المناطق الهشة، وإنما يوجدون على وجه التحديد في المناطق الحضرية. مما يستدعي التفكير في استراتيجيات جديدة لمواجهة هذه التحديات.
العنف لا يقتصر على مناطق الصراع، وأن 64 جماعة من الجماعات الإسلامية المتطرفة في العالم تعمل خارج بؤر التوتر،
الثاني: وهو يرتبط بأطياف من اليسار، الذين يتقاسمون مع الإسلاميين هجومهم على السياسة الغربية ومناصرتهم للعدالة الاجتماعية، ويطرحون إمكانية التحالف معهم. ويرى المركز أن هذا الجزء من اليسار، يساهم من حيث لا يدري في إضفاء شرعية على تحويل الإسلام إلى إيديولوجيا سياسية شمولية، وأن ذلك يؤدي إلى خلق نوع من التحيز ضد أولئك الذين لا يتقاسمون هذا الإيمان، ممن يحملون الاعتقاد الديني التقليدي.
ويرى التقرير أن كلا المقاربتين خاطئتين، وأنه بدلا من ذلك، فينبغي الدعوة إلى رؤية تقدر التعايش وتعمل بشكل حاسم ضد العنف والتطرف، وأيضا ضد الإيديولوجيا التي تولده، وأنه لا بد من الفصل بين الإسلام والإسلاموية، فالدين الإسلامي ـ حسب مركز توني بلير ـ واجب التقدير والاحترام، أما الإسلاموية فهي ما ينبغي هزمه والانتصار عليه.