هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عُرف الكاتب والباحت العراقي، أحمد الكاتب بكتاباته وأبحاثه ومحاوراته الخارجة عن النسق الديني الشيعي بأصوله العقائدية ومقولاته الدينية المقررة، فهو لا يؤمن بعقيدة المهدي الغائب التي تعد عقيدة مركزية في منظومة المذهب الشيعي الإمامي الإثني عشري، ولا يؤمن بنظرية "الإمامة الإلهية" لأن أبحاثه العقدية والسياسية والتاريخية أوصلته إلى أن "أئمة أهل البيت يرفضونها".
وأكدّ الكاتب في مقابلة خاصة مع "عربي21" أنه ما زال على رأيه من قضية "المهدي الغائب"، بل ازداد قناعة بذلك، لأنه "لا يوجد أي مستند تاريخي أو شرعي على وجود وولادة واستمرار حياة ما يسمى بالإمام الثاني عشر الغائب، وبالتالي فلا شرعية لمن يدعي النيابة الخاصة أو العامة عن ذلك الإمام الغائب غير المولود أصلا".
وانتقد الكاتب الدور الذي يراد إسناده للمرجعيات الدينية من "وجوب تسليم الأمور للمراجع وطاعتهم في كل شيء" واصفا ذلك بأنه "ادّعاء سياسي لا يقوم على دليل شرعي".
وأبدى الكاتب تخوفه الشديد من تفشي "الدكتاتورية الدينية" لافتا إلى أن "عامة المثقفين الشيعة يتخوفون من ذلك، حتى بعض الفقهاء كالشيخ محمد حسن النائيني، أحد قادة حركة الدستور في إيران في مطلع القرن العشرين، حذر من خطورة "الديكتاتورية الدينية" في كتابه "تنبيه الأمة وتنزيه الملة".
ولفت الانتباه إلى أن "خلاصة ما توصل إليه في الفكر السياسي هو الشورى أو الديمقراطية" الأمر الذي دفعه لتأييد إقامة نظام ديمقراطي في العراق، من غير أن يشارك في العملية السياسية مطلقا.
وأبدى الكاتب تحفظه الشديد على أداء المرجعية الدينية التي ما زالت "تبث أفكارا اجتهادية قديمة تحصر الشرعية الدستورية بالمرجعية باعتبار المرجع يمثل "الحاكم الشرعي" و"نائب الإمام المهدي المنتظر" وهو ما يعيق تطور النظام الديمقراطي ويشلّه".
وذكر الكاتب أن النظام السياسي في العراق واقع تحت تأثير نظريتين: المرجعية الدينية والديمقراطية، مشددا على أن "بناء ديمقراطية حقيقية لا يمكن إنجازه إلا بعد التحرر من هيمنة المرجعية الدينية".
وفي ما يلي النص الكامل للحوار:
س ـ بداية ثمة تشكيك في صدق انتسابك لمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية بسبب مؤلفاتك وكتاباتك ودروسك التي تنتقد فيها عقائد ومقولات دينية، أين تقف من ذلك كله بعد هذه الرحلة الطويلة في العلم والفكر والدعوة؟
ـ لقد وُلدت مسلما شيعيا إماميا اثني عشريا، وفي عائلة متدينة، ودرست الابتدائية في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، ثم ذهبت إلى الحوزة العلمية في كربلاء، وقطعت جميع مراحل الدراسة حتى أصبحت أستاذا فيها لمادتي الفقه والأصول، وكنت إلى جنب ذلك أدرس تاريخ الأئمة من أهل البيت، وأكتب في الدعوة للفكر الإمامي، كما انتميت إلى حركة إسلامية هي (منظمة العمل الإسلامي)، وأصبحت قياديا فيها خلال السبعينات والثمانينات، وذهبت إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد انتصار الثورة، وأدرت لبعض الوقت القسم العربي في إذاعة طهران، وكنت أؤمن بنظرية ولاية الفقيه، ومؤيدا للجمهورية الإسلامية، ولكنني كنت في نفس الوقت أحاول دراسة التجربة الإسلامية الأولى في العصر الحديث.
لم أعد أؤمن بنظرية ولاية الفقيه
عندما طرح الإمام الخميني نظرية "الولاية المطلقة" عام 1988 توقفت لكي أدرسها بعمق، وأدرسها في حوزة القائم لمدة عام في طهران، وكانت هذه النظرية دافعا لي للقيام بعدة دراسات تاريخية وفقهية ونظرية حول أسس الفكر الشيعي الإمامي ووجود الإمام الثاني عشر (محمد بن الحسن العسكري)، الذي يعتقد الشيعة الإثنا عشرية بولادته في منتصف القرن الثالث الهجري واستمرار حياته إلى اليوم بصورة إعجازية، فانتقدت هذه الفرضية وبالتالي لم أعد أؤمن بنظرية ولاية الفقيه، إلا إذا قامت على أساس النظام الدستوي الديمقراطي، وفي الحدود التي يعينها الشعب، حيث لم أعد أؤمن بأن الفقيه هو "نائب الإمام المهدي الغائب"، وإنما أعتقد بأن شرعيته وحدود صلاحياته من الشعب.
س ـ ما هي أبرز القضايا والموضوعات التي دعوت إلى مراجعتها في النسق الديني السائد في الأوساط الشيعية حاليا؟
ـ وصلت خلال أبحاثي العقدية والسياسية والفقهية إلى رفض أئمة أهل البيت لنظرية الإمامة الإلهية، وإيمانهم بنظرية الشورى، وتطبيقهم لها، كما وصلت إلى عدم وجود أي مستند تاريخي أو شرعي على وجود وولادة واستمرار حياة ما يسمى بالإمام الثاني عشر الغائب، وبالتالي فلا شرعية لمن يدعي النيابة الخاصة أو العامة عن ذلك الإمام الغائب غير المولود أصلا.
س ـ لك رأي سابق تقرر فيه خرافة عقيدة المهدي وأنها مخترعة لمخالفتها حقائق التاريخ ووقائعه، فهل وجدت في الردود الحوزوية عليك ما حملك على مراجعة رأيك أم أنك ما زلت عليه؟
ـ لقد صدرت خلال العشرين سنة الماضية مئات الكتب في الرد على كتابي (الإمام المهدي حقيقة تاريخية أم فرضية فلسفية؟)، ولكنها تكرر نفسها وتستعيد ما كتبه الأولون، ولم تستطع أن تأتي بدليل قاطع على ولادته بعد أن اعترف مشايخ الطائفة الأولون في القرن الخامس الهجري، بأنهم يفتقدون إلى الدليل التاريخي الطبيعي، وإنما يذهبون إلى الاعتقاد بوجود ذلك الإمام (الثاني عشر) بناء على افتراض فلسفي (عقلي) ليس إلا، فماذا يستطيع المتأخرون أن يقدموا أدلة أخرى أقوى؟
وصلت إلى عدم وجود أي مستند تاريخي أو شرعي على وجود وولادة واستمرار حياة ما يسمى بالإمام الثاني عشر الغائب
ـ نظرية ولاية الفقيه تشكل ثورة على نظرية الإمامة وانتظار الإمام الغائب، لأنها تتخلى عن الشروط المثالية التي اشترطها الإماميون في الحكام، وهي العصمة والنص والسلالة العلوية الحسينية، وتكتفي باشتراط العلم والعدالة في الإمام، وقد قال بها بعض فقهاء الشيعة منذ حوالي قرنين، ولكن الإمام الخميني طبقها في إيران بعد الثورة الشعبية ومزجها بالفكر الدستوري الديمقراطي الجمهوري فكانت (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، وهي في إيران تستند إلى رأي الشعب وانتخابات وليس إلى فرضية "النياية العامة للفقهاء عن الإمام المهدي"، كما كان يعتقد بذلك بعض الفقهاء ولا يزالون.
س ـ كيف تنظر إلى "المرجعية الدينية" وضرورة التزام عامة المتدينين بأقوال واجتهادات المرجعية حتى لو كانت تخالف قناعاتهم؟ وهل للمرجعية حق فرض مثل ذلك التصور على عموم المتدينين؟
ـ نظرية "المرجعية الدينية" هي الأخرى نظرية مناقضة لنظرية الإمامة، وقد طورها الشيعة خلال القرون المتأخرة، في محاولة من أجل الخروج من نفق نظرية الإمامة والانتظار للإمام الغائب العقيمة، وقد ابتدأت المرجعية بحديث ضعيف أو مختلق منسوب إلى الإمام الغائب، يوصي الشيعة بالرجوع إلى رواة أحاديث أهل البيت في المسائل الحادثة، ثم تم فتح باب الاجتهاد في القرن الخامس الهجري على يدي الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، ثم افترض فقهاء آخرون كالشيخ علي عبد العالي الكركي في القرن العاشر الهجري أيام الدولة الصفوية أن الفقهاء هم نواب عامون عن الإمام المهدي الغائب ثم قال فقهاء متأخرون قبل حوالي قرنين بوجود تقليد عامة الناس للفقهاء المجتهدين، وذلك في المسائل غير الضرورية والمتواترة، والتي لا يعرف فيها الإنسان الحكم الشرعي، وأما ما يقال من وجوب تسليم الأمور للمراجع وطاعتهم في كل شيءن فهذا ادعاء سياسي لا يقوم على دليل شرعي.
س ـ هل تخشى حقا من تفشي "الدكتاتورية الدينية" في ضوء بعد التجارب المعاصرة على خلفية ممارسة السياسة بفتاوى دينية موجهة؟
ـ هذا أمر يخاف منه المثقفون الشيعة، حتى بعض الفقهاء كالشيخ محمد حسن النائيني، أحد قادة حركة الدستور في إيران في مطلع القرن العشرين، والذي كتب "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" وتحدث فيه عن خطورة الدكتاتورية الدينية، التي عانى منها على يد بعض مشايخ الشيعة في النجف وطهران، المؤيدين لحزب الاستبداد المناهض للحركة الدستورية المشروطة.
س ـ كيف تقيّم أداء المراجع الدينية الشيعية دينيا وسياسيا؟ وهل كان أداؤها السياسي منسجما ومتناغما مع ما تؤمن به دينيا؟
ـ مراجع الشيعة يختلفون من واحد إلى آخر، وكل مرجع له رؤيته السياسية وفكره السياسي، وعلاقاته وأداؤه، فبعضهم كان مكافحا ضد الاستبداد والاستعمار في العراق وإيران ولبنان، وبعضهم كان مهادنا مع الطغاة والمستعمرين.
س ـ هل عقليتك النقدية تقتصر على محاكمة النظريات والعقائد والأفكار الدينية أم أنك تعملها كذلك في تقييم السياسات العراقية ما بعد سقوط نظام صدام حسين؟ وما هي أبرز تلك الانتقادات إن وُجدت؟
ـ إن خلاصة ما توصلت إليه من فكر سياسي هو الشورى أو الديمقراطية، ولذلك كنت مؤيدا لإقامة نظام ديمقراطي في العراق، ولكني لم أشارك في العملية السياسية مطلقا، وكنت ألاحظ أن الدستور أو قانون الانتخاب يعانيان من ثغرات كبيرة، وكنت أعتقد أن الخطأ في النظام العراقي يكمن في نظام المحاصصة الطائفية والقومية، والنظام البرلماني، ولذا فإنني أدعو إلى استبدال هذا النظام بالنظام الرئاسي الذي أعتقد أنه يستطيع توحيد الشعب أكثر، ويبعده عن المحاصصة الطائفية والقومية، ولا أزال أؤمن بإمكانية إصلاح هذا النظام وتطويره نحو الأفضل، وأعتقد أن دعوة المرجعية الدينية الشيعية للالتزام بالنظام الديمقراطي تعتبر خطوة مهمة جدا بالرغم من أن المرجعية لا تزال تفرض نفسها على الساحة الشعبية، وتبث أفكارا اجتهادية قديمة بحصر الشرعية الدستورية بالمرجعية باعتبار المرجع يمثل "الحاكم الشرعي" و"نائب الإمام المهدي المنتظر" وهو ما يعيق تطور النظام الديمقراطي ويشله، ويشده بين نظريتين: المرجعية الدينية والديمقراطية، في حين لا يمكن بناء ديمقراطية حقيقية إلا بعد التحرر من هيمنة المرجعية الدينية.