هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ليست هذه المرة الأولى التي يسعى فيها اللواء المتقاعد خليفة بلقاسم حفتر إلى الإطاحة بالسلطات الحاكمة في بلاده ليبيا، فقد سبق أن فعلها إبان حكم معمر القذافي وكررها في 2014 في عهد حكومة علي زيدان، قبل أن يعيد المحاولة أخيرا ضد حكومة طرابلس بقيادة فايز السراج، بسيناريو آخر يقول النشطاء في ليبيا إنهم يشتمون من خلفه "رائحة المال السياسي العربي".
اختارته سابقا الثورة الليبية لقيادة جيش المعارضة بسبب خبرته العسكرية، وقيل آنذاك إن الدافع الرئيس لعودته إلى ليبيا والمشاركة في الحرب ضد القذافي هو بغضه الشخصي للقذافي، ورغبته الدائمة للانتقام منه بسبب رفضه مساعدته في الحرب التشادية، ما أدى إلى أسره هو وآخرين ثم إقامته في أميركا لعقدين من الزمن.
اقرأ أيضا: "حفتر" يحشد قواته نحو "طرابلس".. ما مصير الملتقى الوطني؟
فترة المنفى الاختياري التي أمضاها حفتر في أمريكا كانت فترة غامضة لا توجد تفاصيل أو أية معلومات حولها وتغلفها علامات السؤال والاستفهام، إذ من غير المفهوم ما العمل الذي كان يمارسه حفتر هناك وما هو مصدر رزقه، ويتهمه منافسوه بأنه، كان مجندا من قبل الاستخبارات الأمريكية "سي أي إيه"، وهو ما لم يتأكد حتى الآن.
يتهم حفتر، المولود عام 1949، وينتمي إلى قبيلة الفرجاني الليبية، بأنه ينفذ أجندة خارجية، وبأنه يسعى إلى استنساخ السيناريو المصري، والنتيجة النهائية لتحركاته العسكرية هي إقصاء الإسلاميين، وتحديدا الإخوان المسلمين من المشهد السياسي الليبي، تحت ستار محاربة "الجماعات الإرهابية" المنفلتة في ليبيا.
حفتر والقذافي
وأمضى حفتر، خريج الأكاديمية العسكرية ببنغازي الذي تدرب في الاتحاد السوفياتي السابق، العشرين سنة الأخيرة من عمره بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن انشق عن القذافي في التسعينيات من القرن الماضي، وعاد إلى ليبيا للمشاركة في الثورة الليبية ضد القذافي.
وكان حفتر في السابق قائدا عسكريا قريبا من القذافي، وكان عضوا في مجلس قيادة الثورة بعد انقلاب عام 1969 الذي أطاح بنظام الملك إدريس السنوسي، وكان معروفا آنذاك بميوله الناصرية مثل أغلب مجموعة الضباط الوحدويين الأحرار التي شكلها القذافي عام 1964. وتذكر بعض المصادر أن حفتر شارك في الحرب العربية ـ الإسرائيلية في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 ضمن مساهمة الجيش الليبي فيها.
شهر العسل بين حفتر والقذافي لم يدم طويلا، إذ ما لبث أن انقلب حفتر على القذافي بعد اشتعال الحرب في تشاد جنوب ليبيا في أواخر الثمانينيات، واندلع النزاع الليبي مع تشاد بداية بسبب قطعة من الأرض تقع في شمال تشاد تسمى "قطاع أوزو" والغنية باليورانيوم والثروات المعدنية، وكان القذافي قد شكل تحالفا مع حكومة جوكوني عويدي التي سمحت لليبيا بالسيطرة على القطاع، ثم أطاحت بها قوات حسين حبري الذي كان مدعوما من قبل "السي أي إيه" والقوات الفرنسية.
ووفقا لتقارير دولية، فقد دعمت واشنطن حبري من خلال "السي أي إيه" في تحد واضح للقذافي، وشهدت الفترة التي أعقبت انقلاب حبري اشتباكات متكررة بين الجيش الليبي وقوات الحكومة التشادية والقوات التابعة للاستخبارات الأمريكية والفرنسية.
أسر حفتر
وفي آذار/ مارس عام 1987، تم اعتقال مجموعة مكونة من 600- 700 جندي ليبي وقائدهم حفتر، وقد تخلى القذافي عن حفتر بعد أسره، وقيل إن سبب تخلي القذافي عنه هو خشيته من انتصار حفتر وعودته إلى ليبيا منتصرا، ما يهدد مستقبله. على إثر ذلك انشق حفتر عن القذافي، وشكل كيانا معارضا هو "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، ثم "الجيش الوطني الليبي" الذي مثل الجناح العسكري للمعارضة.
وكان حفتر قد بدأ في التجهيز لغزو ليبيا قبل نفيه إلى الولايات المتحدة مع الكثير من أعضاء جيشه.
ففي عام 1990، ساعدت القوات الفرنسية في الإطاحة بحبري وجاءت بإدريس ديبري خليفة له، وقد عارض الفرنسيون سياسات حبري الوحشية، ولم يكن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مهتما كسابقه الرئيس رونالد ريجان باستخدام تشاد ذريعة لتدمير القذافي، على الرغم من تحالف القذافي مع ديبري.
وكان ريغان قد تبنى عام 1991، قوات حفتر التي تم تدريبها من قبل الاستخبارات الأمريكية على التدمير ومهارات حرب الشوارع في قاعدة بالقرب من العاصمة التشادية، وكانت تسعى إستراتيجية ريغان للإطاحة بالقذافي.
وحاول القذافي بعد سقوط حبري، استعادة رجال حفتر، لكن ديبري سمح للأمريكان بنقلهم جوا إلى زائير، وهناك تم السماح للمسؤولين الليبيين بالتواصل مع المجموعة، واقتنع بعضهم بالعودة إلى ليبيا، ولكنّ آخرين رفضوا خوفا على حياتهم. وعندما فشلت مساعي إرسال دعم مادي أمريكي للحكومة الزائيرية في مقابل استضافتها للمنشقين الليبيين تم نفيهم إلى كينيا.
ثم نقلوا إلى الولايات المتحدة حيث التحقوا هناك ببرنامج للاجئين، وتلقوا مساعدات مالية وطبية ودروسا في اللغة الإنجليزية، وتم توزيعهم على الولايات الأمريكية المختلفة.
في آذار/ مارس من عام 1996، عاد حفتر إلى ليبيا وشارك في انتفاضة مسلحة ضد القذافي، انتفاضة لا يتوفر الكثير حول تفاصيلها، وذكرت تقارير صحافية آنذاك أن اضطرابات وقعت في جبل الأخضر شرق ليبيا، وأن قوات معارضة مسلحة انضمت إلى السجناء الهاربين في انتفاضة ضد الحكومة، وأن قائدهم هو اللواء حفتر.
الربيع العربي وعودة حفتر
واختفى حفتر عن المشهد كليا ليعود مع الثورة الليبية ضد القذافي ضمن "الربيع العربي". وبعد انتصار الثورة، عين حفتر قائدا لسلاح البر من قبل المجلس الوطني الانتقالي الذراع السياسي للثوار، وأصبح تحت إمرته الكثير من الضباط السابقين الذين انشقوا عن جيش النظامي الليبي.
لكن السلطات الليبية الانتقالية لم تكن تثق به ثقة تامة، حيث ترى فيه عسكريا طموحا وطامعا في السلطة، ويخشون أن يقيم في النهاية نظاما عسكريا مستبدا جديدا، وكانت بين حفتر واللواء السابق عبد الفتاح يونس منافسة محمومة، واغتيل يونس، الذي انشق عن القذافي في تموز/ يوليو عام 2011، في ظروف لم تتضح ملابساتها حتى الآن.
وبقي حفتر يحظى بدعم تام من الجنود السابقين في الجيش الليبي.
"انقلاب حفتر"
بعد أن أقصي لفترة قصيرة عاد حفتر إلى المشهد الليبي في صباح الرابع عشر من شباط/ فبراير عام 2014 فقد ترددت أنباء حول قيامه بتحرك عسكري أعلن من خلاله إيقاف عمل المؤتمر الوطني، كما انتشر فيديو على "يوتيوب" يشرح فيه حفتر طبيعة هذا التحرك الذي لا يمكن وصفه حسب تعبيره بـ"الانقلاب العسكري" وإنما هو "استجابة لمطلب شعبي شغل الشارع الليبي من أسابيع بإيقاف تمديد عمل المؤتمر الوطني".
وفي أيار/ مايو 2014، أطلق حفتر ما أسماها "عملية الكرامة" في بنغازي وفي الشرق ضد جماعات إسلامية مسلحة من بينها جماعات مقربة من الإخوان المسلمين، فنجح بتقديم نفسه على الساحة الخارجية باعتباره خصم الإسلاميين في ليبيا، وهو ما أكسبه دعم دولتي الإمارات ومصر.
اقرأ أيضا: تساؤلات عن دور مصري وإماراتي في تحركات حفتر نحو طرابلس
كما أنه هاجم مبنى البرلمان في العاصمة طرابلس، ووصف هذه العملية العسكرية بأنها انتفاضة ضد ما سماها "الحكومة التي يسيطر عليها الإسلاميون"، وانقلب على الثوار الليبيين، وأظهر رغبة باحتكار النفوذ في ليبيا، والانقلاب على التوافقات التي تقودها الأمم المتحدة بجهود دولية.
وفي آذار/ مارس 2015، عينه مجلس النواب في طبرق الداعم له، قائدا عاما لقوات "الجيش الوطني الليبي"، الذي تمكن بعد نحو عام من طرد فصائل مسلحة من معظم أنحاء بنغازي.
في أيلول/ سبتمبر 2016، قاد حفتر عملية "البرق الخاطف" للسيطرة على منشآت النفط الرئيسة في منطقة "الهلال النفطي"، مسلما مفتاح أهم صادرات البلاد إلى حليفه، برلمان طبرق.
ولا يعترف حفتر بحكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، التي يعترف بها المجتمع الدولي؛ إذ يصر السراج على أن تكون قيادة الجيش خاضعة لحكومته.
ومع ذلك، اتفق السراج مع حفتر في أيار/ مايو 2017 على العمل سويا لإنهاء الأزمة التي تشهدها البلاد، بحسب بيان رسمي مشترك. لكن لم يتم بالفعل تحقيق ذاك الاتفاق.
ويسيطر حفتر على الشرق الليبي، ويريد مد نفوذه إلى غرب البلاد حيث العاصمة طرابلس، التي بيد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
ونجلا حفتر، خالد وصدام، ضابطان في صفوف "الجيش الوطني الليبي".
ومنذ أيام، تشهد مدينة طرابلس، اشتباكات مع قوات حفتر، في الوقت الذي استنكرت فيه حكومة الوفاق الليبية في طرابلس اللجوء للسلاح.
هل يعود الوطن العربي إلى عصر الجنرالات الذي ساد في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؟