هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا تزال المساعي الإيرانية لنشر المذهب الشيعي في المناطق السورية مستمرة، خاصة في الأرياف النائية، حيث الفقر والأمية.
ولم يقتصر النشاط الإيراني على منطقة في سوريا دون أخرى، فحيث ما وجدت الظروف الاقتصادية المتردية، تنشط إيران، من ريف حلب الجنوبي، إلى أرياف الرقة، ودير الزور، وصولا لدرعا والجنوب السوري.
وتستعرض "عربي21" في هذا التقرير الأساليب والأدوات التي تتبعها طهران في محاولاتها إيجاد أرضية صلبة لها في سوريا.
نقاط ارتكاز
الخبير في الشأن الإيراني الدكتور نبيل العتوم، عدّ العامل المذهبي بأنه "أداة من أدوات السياسية الخارجية الإيرانية، لتحقيق نظرية "أم القرى" التي تبحث في جعل إيران مركزا روحيا وسياسيا للعالم الإسلامي".
وفي حديثه لـ"عربي21" أوضح أنه وفقا لهذه النظرية، فإن إيران بدأت بمشروع بناء دولة عظمى في المنطقة، في العراق، وانتقالا إلى سوريا، لتنفيذ رحلة العبور إلى البحر المتوسط، مؤكدا أن إيران دخلت فعليا بتنفيذ هذا المخطط، حيث شرعت بتأسيس خط سكة حديد تربط الأراضي الإيرانية بالأراضي السورية مرورا بالعراق، إلى جانب طريق بري.
وحتى تستطيع إيران تنفيذ أهدافها، وفق العتوم، لا بد من وضع نقاط ارتكاز، أولها التعبئة الشعبية عن طريق العامل المذهبي.
وأضاف، أن إيران سعت في سوريا لأن تجد المبرر الذي يجعلها مقبولة في على المستوى الشعبي، وهي لذلك بدأت رحلة البحث عن المراقد الشيعية القديمة لإعادة النشاط لها من جديد، لتجد رابطا روحيا بين الشعب الإيراني وأهالي هذه المناطق.
اقرا أيضا : WSJ: هكذا تنشر إيران التشيّع وتوسّع نفوذها شرق سوريا
ودأب الجانب الإيراني على إطلاق شعار "حماية المراقد الشيعية" في سوريا، لتبرير مساندتها النظام السوري في قمعه الثورة التي بدأت في الربع الأول من العام 2011.
لكن هذه الحماية تعدت المراقد الشيعية المعروفة في سوريا، مثل مرقد السيدة زينب، ومرقد السيدة رقية بدمشق، كما يقول ناشطون، لتبدأ المراقد الشيعية المندثرة بالانتشار تباعا، من دير الزور وأريافها إلى حلب.
نبع مقدّس
في مطلع العام الماضي، وبعد تمدد المليشيات الإيرانية على حساب تنظيم الدولة في دير الزور، شرعت إيران ببناء مزار على نبع ماء في البادية قرب مدينة "القورية" بريف دير الزور الشرقي، ضمن حملة بناء "المزارات" تنفذها هيئات شيعية عراقية بحجة إعادة بناء ما دمره تنظيم "الدولة" .
وفي وقت لاحق، سلمّت إيران وكلاء محليين من "المتشيعين" من أبناء قرية حطلة إدارة هذا المزار "النبع المقدّس"، ليكون نقطة ارتكاز لها في هذه المنطقة التي تشكل بوابة العراق على سوريا.
وقبل أيام قليلة، نشرت صفحة "انتهاكات الميلشيات الإيرانية في سوريا" مقطعا مصورا يظهر فيه عناصر من المليشيات المدعومة إيرانيا، وهم يتبركون بالطين والماء في مزار "عين علي".
ونقلت الصفحة عن أهالي المنطقة أن "عين علي" هي عبارة عن نبع ماء صغيرة حديثة العهد قام أحد أصحاب الأغنام بحفرها واستعمالها كي تشرب المواشي منها.
وظهر العناصر في المقطع، المتداول وهم يقومون بوضع الأوحال على رؤوسهم وأجسادهم كما لطخوا به وجوههم وملابسهم.
اقرأ أيضا : "عربي21" ترصد عمائم نفوذ إيران بسوريا ومؤسساتها (ملف)
أما في حلب، فقد تحول مسجد "مقام النقطة" في حي المشهد، إلى مركز إيراني لإدارة عمليات التشيّع في جزء من أحياء حلب الشرقية، والريف الجنوبي.
وتؤكد تقارير صحفية تسلم مليشيا "لواء زينبيون" مهام حراسة هذا المسجد، مشيرة إلى قيام عدد من المعممين بإجراء حلقات تدريس وتدريب لأطفال داخله، وشملت التدريبات تعليم الفنون القتالية لـ"كشافة المهدي"، وحلقات تدريس عقائدي.
إلى جانب ذلك، تداولت صفحات إخبارية محلية، أنباء عن تحويل إيران لمسجد في "حي هنانو" إلى حسينية، لكن لم يتسن لـ"عربي21" التحقق من مصادر مستقلة.
الأطراف بعيدا عن المركز
يقول الصحفي السوري، مصطفى أبو شمس، لـ"عربي21"، إن إيران تنتشر عادة في أطراف المدن لاستقطاب المهمشين اجتماعيا، والمستنزفين اقتصاديا، للعمل على خلق بيئة موالية لها.
وأشار في هذا السياق، إلى تركيز إيران نشر مذهبها الشيعي في قرى ريف حلب الجنوبي، بعد فشلها في تحقيق ذلك في مركز المدينة.
وأكد أبو شمس، أنه برغم المحاولات الإيرانية المتكررة فإن إيران فشلت تماما في نشر التشيع في مدينة حلب، مبينا أنه "حتى الوقت الحاضر لم تسجل إلا حالات محدودة لأشخاص تحولوا إلى المذهب الشيعي".
لكن، وفق الصحفي ذاته، فإن الوضع في ريف حلب الجنوبي مختلف تماما، لأن السيطرة العسكرية المطلقة على تلك المناطق هي بيد إيران.
السيطرة على مفاتيح المدن
و إلى جانب حالة الفقر التي تسود أطراف وأرياف المدن عادة التي تعتبر عاملا مساعدا لنشر التشيّع ، فإن إيران تركز على الأطراف لإحكام السيطرة على مفاتيح المدن، كما هو الحال في حلب، ودمشق، وفق الباحث بالشأن السوري أحمد السعيد.
وأشار السعيد في حديثه لـ"عربي21" إلى إنشاء إيران قاعدة عسكرية تابعة لها في منطقة جبل عزان جنوبي حلب في أواخر العام 2015، لافتا في الآن ذاته انتشار المليشيات الموالية لها في ضواحي حلب الشرقية، بمحاذاة مطار حلب.
وعلّق السعيد بقوله، "من هنا نفهم أن المخطط الإيراني، لا يستهدف نشر التشيّع فقط، وإنما استحداث نسخ لضاحية لبنان الجنوبية في حلب وغيرها من المدن السورية.
الأمر الذي يؤكده انتشار "فوج النيرب" التابعة لمليشيا "لواء الباقر" في أحياء حلب الشرقية، الفوج المدعوم من إيران، والذي تشيّع غالبية عناصره من أبناء ريفي حلب الشرقي والجنوبي، بحسب مصادر متطابقة.
التغلغل بمفاصل صنع القرار
وبموازاة ذلك، ووفق الباحث، فإن إيران دعمت شخصيات عسكرية محسوبة عليها، للوصول إلى مراكز صنع القرار السياسي في دوائر النظام، لافتا إلى فوز متزعم مليشيا "فوج النيرب" علي عثمان النبهان، المتشيّع، بعضوية مجلس مدينة حلب التابع للنظام، في الدورة الانتخابية الأخيرة، عام 2018، بحسب تأكيد السعيد.
وأنهى بقوله "المخطط هو نشر التشيّع، ومن ثم تمكين هؤلاء في المجتمع المحلي من خلال السطوة المالية والعسكرية، وإشراكهم في ما بعد في المفاصل السياسية، لتحويلهم ومناطقهم إلى رقم صعب في المعادلة السياسية المحلية، يستحيل التعامل معه، دون الرجوع لطهران، في كل شاردة وواردة".
شراء العقارات في مراكز المدن
وبحسب معلومات تحصّلت عليها "عربي21"، فإن إيران عمدت مؤخرا إلى شراء عقارات في كثير من المدن السورية.
وتستعين إيران بشبكات محلية من تجار العقارات والسماسرة، لشراء منازل الأهالي، وهو الأمر الذي سّجل في مناطق متعددة، من بينها غوطة دمشق، وحلب، وحمص، ودير الزور، ودرعا.
المصادر أوضحت أن الشبكات تستغل غياب الأهالي، وعدم مقدرتهم على العودة إلى منازلهم، وتقوم بشراء العقارات بمبالغ موصوفة بـ"الزهيدة".
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر محلية، قيام شبكات عقارية بشراء عقارات في المنطقة المحيطة بالمسجد العمري القديم في درعا البلد، ليتبين بعدها أنهم يشترون لصالح أشخاص من إيران.
أما في دير الزور، فكشف ناشطون سوريون، عن ازدياد النشاط الإيراني ضمن المناطق التي تسيطر عليها قوات الأسد والمليشيات الموالية لها في المحافظة.
وسبق وأن أشار المدير الفني لشبكة "دير الزور 24" عمر أبو ليلى في حديثه لـ"عربي21" إلى نشاط مندوبين عن شخصيات إيرانية في مدينة الميادين في ريف ديرالزور في مجال شراء المحلات والعقارات المملوكة من أبناء مدينة الميادين.