رغم ظهور بيانات التجارة الخارجية السلعية المصرية منذ أكثر من أسبوع، والتي تتضمن زيادة قيمة الصادرات المصرية بحوالي ثلاثة مليارات من الدولارات في العام الماضي، مقارنة بالعام الأسبق. فلم تتضمن تصريحات المسؤولين الحكوميين (التي لا تعرف سوى الإشادة بالإيجابيات) شيئا عن تلك الزيادة بالصادرات، وكذلك كان حال الإعلام الرسمي.
ويكمن السبب في أنه إذا كانت قيمة الصادرات قد زادت بنحو ثلاثة مليارات، فقد زادت الواردات في نفس العام الماضي بحوالي 14 مليار دولار، وبما يعنى زيادة العجز التجاري السلعي بنحو 11 مليار دولار، ليصل إلى أكثر من 51 مليار دولار، كفرق بين قيمة الصادرات البالغة أكثر من 29 مليار دولار، والواردات التي بلغت 80 مليار ونصف المليار من الدولارات.
وهكذا، فإن بيانات التجارة الخارجية تكشف فشل دعاوى محافظ البنك المركزي وغيره من المسؤولين؛ حين روّجوا حين اتخاذ قرار تعويم سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 (وحتى يبتلع المصريون آثاره السلبية على أسعار السلع)؛ بأن القرار سوف يُحدث طفرة في الصادرات، وسيؤدي لتراجع الواردات نتيجة تصنيع جانب منها محليا، ونتيجة ارتفاع تكلفتها مما يقل من الطلب عليها.
بيانات التجارة الخارجية تكشف فشل دعاوى محافظ البنك المركزي وغيره من المسؤولين؛ حين روّجوا حين اتخاذ قرار تعويم سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي
تراجع صادرات العديد من السلع
لكن ما حدث بعد التعويم أن قيمة الصادرات لم تحقق الطفرة التي تحدثوا عنها، ونفس الأمر
للإستثمارات الأجنبية المباشرة التي وعدوا بزيادتها بعد التعويم، بل لقد شهد العام الماضي تراجعا في قيمة صادرات العديد من السلع، بالمقارنة بما كانت عليه في العام الأسبق، ومنها الأدوية، والمستحضرات الصيدلية، والأقمشة القطنية وغزل القطن، والسجاد، والأحذية، والأثاث، والمنتجات الحديدية، ومصنوعات اللدائن، والمولاس، والفحم، والعديد من المنتجات الزراعية، مثل البطاطس، والبصل الطازج والمجفف، والفول السوداني، والفواكه الطازجة، والنباتات العطرية والطبية، والبهارات والخضروات البقولية.
كما شهدت خريطة الصادرات المصرية لدول العالم تراجعا في قيمتها في العام الماضي، بالنسبة لأكثر من 22 بلدا، منها أوروبيا: أوكرانيا وإيطاليا ورومانيا وسويسرا وقبرص والمجر، وكذلك الأرجنتين وكندا وجنوب أفريقيا، كما انخفضت قيمة الصادرات إلى 11 دولة عربية، على رأسها الإمارات والسعودية والكويت وقطر والبحرين والعراق والسودان ولبنان.
ويمتد تاريخ العجز بالميزان التجاري المصري لأكثر من خمسين عاما بشكل متواصل، نتيجة الاعتماد على الخارج في تلبية الاحتياجات الغذائية،
خاصة من القمح والذرة، وكذلك تغطية الاحتياجات البترولية من البنزين والسولار والبتوغاز والمازوت، إلى جانب المواد الخام والسلع الرأسمالية والسلع الوسيطة التي تدخل في إنتاج سلع أخرى تامة الصنع.
يمتد تاريخ العجز بالميزان التجاري المصري لأكثر من خمسين عاما بشكل متواصل، نتيجة الاعتماد على الخارج في تلبية الاحتياجات الغذائية
رقم الواردات الحقيقي غير معروف
ولهذا، فقد زادت قيمة الواردات رغم المحاولات المكثفة التي قامت بها عدة جهات مصرية، ما بين إجراءات مصرفية متشددة معها، ورفع لرسوم الجمارك على الكثير من السلع، واشتراطات
استيرادية على الشركات التي يتم التوريد منها، وتقليص لشركات الاستيراد، لتصل قيمتها إلى 80 مليار ونصف المليار دولار في العام الماضي، وهو رقم غير مسبوق.
وحتى هذا الرقم الرسمي غير حقيقى، باعتراف المسؤولين، نظرا لسعي كثر من المستوردين لخفض قيمة الفواتير الاستيرادية تجنبا لدفع جمارك أعلى عليها، كما أن تلك البيانات الرسمية لقيمة الواردات لا تتضمن قيمة العديد من السلع التي يتم تهريبها عبر الحدود؛ تفاديا لدفع الرسوم الجمركية.
وربما يظن البعض أن نفس الأمر يتم مع قيمة الصادرات، لكن عدد السلع التي يتم فرض رسم
تصدير عليها محدود، كما أن معظمها يكون فرض هذا الرسم عليها بشكل مؤقت، لحماية الصناعة المحلية أو لتلبية احتياجات السوق المحلي منها. ونظرا لوجود مساندة تصديرية حكومية في شكل دعم للصادرات، فمن مصلحة المصدرين رفع قيمة صادراتهم، إلى حد تلاعب البعض لزيادة تلك القيمة على غير الحقيقة.
ويشير التنويع النسبي لشركاء التجارة المصرية في العام الماضي إلى تصدر
القارة الأوربية بنسبة 42 في المئة، تليها الدول الآسيوية غير العربية بنسبة 23 في المئة، والدول العربية 20 في المئة، وأمريكا الشمالية 7 في المئة، ودول أمريكا الجنوبية 4 في المئة، وأفريقيا غير العربية 2.5 في المئة، والأقيوناسية 1 في المئة، ودول أمريكا الوسطى بنسبة واحد بالألف.
وفي العام الماضي، وعلى مستوى الدول، تصدرت الصين بنسبة 11 في المئة من مجمل التجارة، والولايات المتحدة 6.5 في المئة، والسعودية 6 في المئة، وإيطاليا 5 في المئة، وروسيا حوالي 5 في المئة.
وكانت أعلى الدول في استقبال الصادرات المصرية؛ إيطاليا بنسبة 7 في المئة من إجمالي الصادرات، وكلا من تركيا والإمارات بحوالي 7 في المئة، والولايات المتحدة 6 في المئة، والسعودية 5 في المئة.
تغطية متدنية للصادرات مع الواردات
هناك دول احتلت أماكن متقدمة بالتجارة مع مصر لا تربطها اتفاقيات للتجارة الحرة معها
أما أعلى الدول، بالواردات فكانت الصين بنسبة 11 في المئة من إجمالى الواردات، والسعودية 7 في المئة، والولايات المتحدة حوالي 7 في المئة، وروسيا 6 في المئة، وألمانيا 5 في المئة. وساهمت اتفاقيات التجارة الحرة التي عقدتها مصر مع العديد من التكتلات الاقتصادية والدول؛ في زيادة معدلات التجارة، خاصة اتفاقية الشراكة الأوربية، ومنطقة التجارة الحرة العربية، واتفاقية الكويز مع الولايات المتحدة، واتفاقية التجارة الحرة مع تركيا.
إلا أن هناك دولا احتلت أماكن متقدمة بالتجارة مع مصر لا تربطها اتفاقيات للتجارة الحرة معها، مثل الصين التي احتلت المركز الأول بالتجارة، وروسيا صاحبة المركز الثاني، وأوكرانيا صاحبة المركز السابع، وكوريا الجنوية صاحبة المركز التاسع، والهند صاحبة المركز الثاني عشر، واليابان صاحبة المركز الثالث عشر في التجارة المصرية.
واذا كان متوسط تغطية الصادرات المصرية للواردات في العام الماضي قد بلغت نسبته 36 في المئة، فقد انخفض معدل التغطية بصورة فجة مع العديد من الدول، حيث بلغت نسبة التغطية 2 في المئة مع أوكرانيا، ببلوغ قيمة الصادرات إليها أقل من 50 مليون دولار، مقابل واردات منها بقيمة 2.2 مليار دولار، ومعدل تغطية أقل من 4 في المئة مع الأرجنتين، بصادرات قيمتها 38 مليون واستيراد بقيمة 963 مليون دولار منها.
كما بلغت نسبة التغطية 8 في المئة مع كل من روسيا والبرازيل، و9 في المئة مع الصين، بتصدير قيمته 1 مليار دولار لها واستيراد بأكثر من 11 مليار دولار منها، ونسبة 11 في المئة مع اليابان، و12 في المئة مع الكويت، و16 في المئة مع ألمانيا، وهو ما يشير من ناحية أخرى إلى ضعف الاستفادة من اتفاقيتي الشراكة الأوربية مع ألمانيا ومنطقة التجارة الحرة العربية مع الكويت.
استمرار العجز التجاري لسنوات قادمة
وتشير التوقعات إلى استمرار العجز التجاري خلال السنوات القادمة، حتى في حالة تحقيق الصادرات طفرة؛ لأن حوالي 60 في المئة من مكونات الصادرات المصرية مستوردة، سواء كانت في صورة مواد خام أو سلع وسيطة أو سلع استثمارية وآلات ومعدات، ولعل حالة الميزان التجاري لبعض السلع في العام الماضي خير دليل، حيث بلغ العجز التجاري في سيارات الركوب مليارين و674 مليون دولار، كفرق بين صادرات بلغت مليون دولار فقط؛ مقابل واردات بلغت مليارين و675 مليون دولار. وفي الأدوية والمستحضرات الصيدلية، بلغ العجز أكثر من ملياري دولار؛ كفرق بين صادرات بلغت 245 مليون دولار وواردات منها بلغت مليارين و282 مليون دولار. ويتكرر ذلك في القمح والذرة واللحوم وأجهزة الاتصالات وفول الصويا والأسماك وزيت الطعام وغيرها.
هذا يشير إلى عمق تأثير فجوة العجز التجاري على موارد النقد الأجنبي بمصر، والدلالة على استمرار مشكلة انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، بغض النظر عن التحركات الإدارية المؤقتة
ومن المهم أيضا معرفة أن حصيلة الصادرات لا تصب كلها في خزائن الشركات المصرية، الخاصة والحكومية، حيث تحصل الشركات الأجنبية على نصيب كبير من تلك الصادرات، وربما احتفظت بعض تلك الشركات بحصيلة صادرتها بالخارج دون إدخالها للبلاد.
وهذا يشير إلى عمق تأثير فجوة العجز التجاري على موارد النقد الأجنبي بمصر، والدلالة على
استمرار مشكلة انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، بغض النظر عن التحركات الإدارية المؤقتة التي يفتعلها البنك المركزى المصري ما بين الحين والآخر لخفض سعر الدولار أمام الجنيه، والتي سرعان ما تنتهي ليعاود الدولار مشواره الصعودي.