هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للأكاديمي الأمريكي من أصل إيراني، كيان تاجباخش، يقول فيه إن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حدد إيران من دون غيرها على أنها فاعل إقليمي خطير يجب مواجهته من أجل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
ويقول تاجباخش في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "على مدى العام الماضي فقط قامت إدارة الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، وأعلن ترامب عن نيته التقليل من الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والمنطقة، ودفع باتجاه ما أسماه بومبيو حلف (ناتو عربي) ضد التوسع الإيراني في المنطقة، ومثل هذه التحولات السياسية جعلت المنتقدين يشككون في نوايا الإدارة نحو إيران".
ويضيف الباحث أن "البعض يتساءل إن كانت السياسة الأمريكية في المنطقة متسقة أصلا، في الوقت الذي يشعر فيه آخرون أنهم متأكدون من أن خطة الإدارة هي إشعال حرب لتغيير النظام في طهران، ولكن لا يتطابق أي من التفسيرين مع الحقائق، ولا يفسر أي منهما تطور السياسة الأمريكية تجاه إيران مع مرور الوقت".
ويبين تاجباخش أن "سياسة ترامب ليست غير مكتملة كما تبدو، وليست هي مجرد عكس لبرنامج الرئيس السابق باراك أوباما: (عزل وإرجاع للوراء) بدلا من (احتضان وتمكين)، وفي الواقع فإن سياسة أمريكا تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران لم ترتكز على هدف واحد -المواجهة أو التفاعل- لكن على الوزن النسبي الذي تعطيه أمريكا لأربع أولويات مختلفة".
ويشير الكاتب إلى أن "هذه الأولويات تتضمن عدم انتشار الأسلحة النووية، والاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان والديمقراطية داخل إيران، وتطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية، والتغيرات في السياسة الأمريكية والفروق بين إدارة وأخرى يمكن فهمها بشكل أفضل على أنها فروق في التركيز على تلك الأولويات".
ويقول تاجباخش إن "الرئيس جورج بوش الابن، مثلا، فضل تشجيع الديمقراطية وعدم الانتشار النووي، في الوقت الذي مال فيه أوباما للتطبيع، لدرجة أنه أبدى استعدادا لتقديم تنازلات في الاتفاق النووي، ونقلت إدارة ترامب التركيز في سياستها على الاستقرار الإقليمي، الذي يتضمن مكافحة التطرف الإسلامي، وهو مصطلح يعده ترامب ينطبق على إيران الإسلامية بالشكل ذاته الذي ينطبق على تنظيم الدولة أو حركة طالبان، وهدف ترامب الأكبر هو التفاوض مع إيران على صفقة جديدة توقف التأثير السلبي الإقليمي، ووقف برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية، وهو أمر يقلق أوروبا أيضا".
ويرى الكاتب أن "تركيز واشنطن على الأمن الإقليمي وجهودها لاحتواء طهران يناسبان الظروف، لكنهما ينفران الحلفاء الأوروبيين، وكان مردودهما عكسيا، وتحسن الإدارة صنعا لو أبقت استراتيجيتها الإقليمية نصب عينيها، وألا تستمع للأصوات المنادية بتغيير عسكري للنظام، أو الداعية للحفاظ على الاتفاقية النووية مهما كان الثمن".
ويلفت تاجباخش إلى أنه "على مدى العامين الماضيين، قامت واشنطن بتحول مفاجئ، لكنه لم يكن تحولا غير منطقي، فقد رأت إدارة ترامب، محقة، بأن عائدات الاستثمار من الاتفاقية مع إيران متدنية، بالإضافة إلى أن شروط الضبط قصيرة جدا وستنتهي قريبا، وعلى من يحتاج للتوصل إلى اتفاقية جديدة سيتم التفاوض بشأنها على أي حال".
ويجد الباحث أنه "مع أن ادعاء الإدارة بأن هذا الخلل يكفي لتعطيل الاتفاقية غير مقنع، إلا أن الاتفاقية لم تتعامل مع الدور الإقليمي، والتوصل إلى تلك الاتفاقية في الوقت الذي دخلت فيه إيران سوريا يعني أن أمريكا خضعت للضغط، وغضت الطرف عن ذلك النشاط، بالإضافة إلى أن الإدارة الحالية محقة في عدم وجود رغبة لديها في التطبيع مع طهران".
ويؤكد تاجباخش أنه "بعد أربعة عقود من الحماس الثوري، فإن مراكز قوى النظام، خاصة الجيش والأمن والمعاهد الدينية، تتجه نحو التطرف أكثر منه نحو الاعتدال، وكان عدم اهتمام طهران بمزيد من التفاعل واضحا حتى قبل أن يتسلم ترامب الرئاسة، عندما تحرك الزعيم الروحي علي خامنئي بسرعة للقضاء على أي أمل بأن الاتفاق النووي سيفتح حوارا حول قضايا أخرى".
وينوه الكاتب إلى أن "ترامب تخلى عن التطبيع، وجعل مواجهة نشاطات إيران الإقليمية مهمة ذات أولوية، وأعلن بأن إيران دولة مارقة، وتشكل تهديدا للسلام والأمن الإقليمي عام 2017، وفي السنة اللاحقة سحب أمريكا من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني، وفي خطاب له في القاهرة في كانون الثاني/ يناير، أعلن بومبيو بأن منع ظهور نظام إقليمي جديد تقوده إيران هدف في لب الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، واتخذت أمريكا خطوات تعكس إعادة ترتيب أولوياتها".
ويفيد تاجباخش بأن "إدارة ترامب قامت مع الحكومة البولندية بتنظيم مؤتمر أمن الشرق الأوسط في وارسو، في شباط/ فبراير؛ بهدف تحريك تحالف دولي لمقاومة وتعطيل أي نفوذ إقليمي لإيران، وعندما امتنعت الدول الأوروبية من تبني البرنامج، وسع المنظمون مجال المؤتمر، لكن الهدف الأساسي منه كان كما قال بومبيو: (لجعل إيران تتصرف كونها بلدا طبيعيا)، وفي الأسبوع الذي يليه قامت أمريكا باستضافة مسؤولين خليجيين كبارا من ستة بلدان خليجية، بالإضافة إلى الأردن ومصر، لمناقشة ترتيبات أمنية جديدة، وهو ما أطلق عليه تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، الذي أطلق عليه أيضا لقب (الناتو العربي)، وهي مبادرة أعلن ترامب عنها أول مرة لدى زيارته السعودية في أيار/ مايو 2017".
ويرى الباحث أن "كلا من قمة وارسو والناتو وتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي كانت خطوات ضرورية لخلق بنية جديدة يهدف منها التعويض لتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وهذه المقاربة متسقة مع استراتيجية الإدارة الأوسع في الخارج، وإصرارها على أنه يجب على اللاعبين المحليين الاضطلاع بدور أكبر لحماية أمنهم، وتظهر أيضا أن الإدارة ركزت فوق كل شيء على الحد من قوة إيران الإقليمية، وتسعى واشنطن في المحصلة للتوصل إلى صفقة جديدة تتعامل مع هذا الشأن".
ويشير تاجباخش إلى أن "بومبيو قد عدد أكثر من مرة 12 نقطة على إيران أن تلتزم بها لتصبح عضوا (طبيعيا) في المجتمع الدولي، وليتم رفع العقوبات الأمريكية كلها عنها، ومن ضمن هذه القائمة التي تم التعبير عنها بأشكال مختلفة، يمكن استنتاج الوزن الذي أعطي لكل جانب من الأولويات الاستراتيجية الأربع، ويتضح أن الإصلاحات المحلية لم تعط وزنا كبيرا، فأمريكا تحت حكم ترامب تحب أن ترى الإيرانيين يحصلون على حرية أكبر وفرص اقتصادية أفضل، لكن لا تشجيع الديمقراطية ولا بناء الدولة يعدان أولوية بالنسبة لأمريكا، ويبدو أن المسرحية التي افتعلت حول إمكانيات إيران النووية تم إسكاتها، ربما لأن إيران لا تزال على بعد سنوات من الحصول على أسلحة نووية، حتى لو كانت نيتها أن تفعل".
ويلفت الكاتب إلى أنه "بدلا من ذلك فإن بومبيو أعلن عن هدف أمريكا الأساسي (بطرد كل جندي إيراني من سوريا)، وهو هدف غير متوقع إذا ما أخذنا في عين الاعتبار حملة إيران الناجحة هناك، ومع ذلك فإن استراتيجية ترامب تجاه إيران تركز على الهدف الأوسع، وهو استقرار المنطقة، وتأخذ بالحسبان حقائق يهملها المنادون بالحفاظ على الاتفاق النووي بأي ثمن، الذين يسعون لصراع مع إيران".
وينوه تاجباخش إلى أنه "في 2011 قال كل من الرئيس أوباما وحلفاؤه الأوروبيون بأنه يجب على رئيس النظام السوري بشار الأسد أن يرحل، وقال الزعيم الروحي الإيراني علي خامنئي بأنه يجب أن يبقى، وبعد ثماني سنوات انتصرت الجمهورية الإسلامية والأسد، (أما روسيا فقد دخلت المعركة متأخرة)، وما هو أهم فتقويتها لدولة مسحلة وكيلة على حدود إسرائيل تنوي تدمير إسرائيل، تحسب للنظام الإيراني إنجازا جيوسياسيا كبيرا وجريئا، لدرجة أن إسرائيل اضطرت لقبول حزب الله كأمر واقع، وبناء عليه فإن السياسة الأمريكية يجب أن تقوم على تقدير واقعي لإمكانيات إيران اللا متماثلة، التي لا يمكن قياسها بالمعايير العسكرية التقليدية وحدها".
ويقول الباحث إن "عدم الرغبة لدى أمريكا بالالتزام بتدخل عسكري كبير مفتوح في الشرق الأوسط تزداد، ولذلك فإن عزل إيران واحتواءها قد يكون هو الخيار العملي الأفضل، وباعتبار أن إيران لا تشكل تهديدا وجوديا لأمريكا، فإن واشنطن ليس لديها ما يحفزها على فعل المزيد".
ويؤكد تاجباخش أنه "في ظل غياب تفويض من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية لتجاوز القانون الحالي الذي يمنع الهجوم على إيران، فإنه يصعب تخيل استراتيجية أمريكية عسكرية ضد إيران أكثر من استخدام شركاء إقليميين، بالإضافة إلى أن الأسطول الخامس وقيادة الجيش المركزية قادران على حماية مصالح أمريكا في المنطقة، وحماية حلفائها، بما في ذلك ضمان استمرار تدفق النفط والغاز للأسواق العالمية، ومواجهة الإرهاب الإسلامي، وأي التزام أكثر من هذا قد يورط أمريكا في خلافات إقليمية يعتمد حلها على اللاعبين المحليين".
ويذهب الكاتب إلى أن "هناك أسبابا أكثر لتجنب حرب مع إيران من أسباب إشعالها، أما الدراما الإقليمية في الشرق الأوسط فلا تشكل تهديدا وجوديا لأمن أمريكا، وحاولت الدول الغربية أن تجد طريقة بناءة لحل النزاعات بين اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، ولتخفيف النفوذ الروسي الجديد في المنطقة، وبسبب تجربة أمريكا السابقة في العراق فإن من غير الحكمة أن تسمح أمريكا لنفسها بأن تجر إلى حرب شاملة، فالحرب مع إيران مبالغة في التهديد الذي تشكله".
ويرى تاجباخش أن "أفعال إيران لا تبرر تقويض تحالفات مهمة للولايات المتحدة، مثل إصدار نائب الرئيس إنذارات للدول الأوروبية للتخلي عن الاتفاقية النووية مع إيران، كما يجب ألا تقوم استراتيجية الشرق الأوسط تجاه إيران بناء على تقديرات عسكرية فحسب، بل على فهم للتركيبة الإيرانية الداخلية يظهر فيها كيف تتفاعل المجموعات المختلفة مع المبادرات الأمريكية".
وينوه الباحث إلى أنه "في إيران ليست هناك أي مجموعة ترحب بالمساعدة الأمريكية، ولا حتى المعارضين في السجون".
ويختم تاجباخش مقاله بالقول إن "الاضطراب الذي يسود الشرق الأوسط له جذور عميقة، والتحول الذي يمر به أساسي ومعقد أكثر من أن يكون قابلا لهندسة القوى الخارجية، فمنذ مطلع القرن العشرين تقريبا لا يزال الشرق الأوسط يناضل للتعافي من صدمة انهيار الخلافة العثمانية، حيث تركت شعوب هذه المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى تبحث عن مكان لها في العالم الحديث، يتماشى مع الهوية والقيم التقليدية لها، التي لا تزال فاعلة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)