نشر موقع "بوليتكيو" مقالا للباحث في معهد الشرق الأوسط للدراسات، تشارلز ليستر، يقول فيه إنه بعد أسبوعين من إعلان
ترامب بأن
تنظيم الدولة هزم "100%"، فإن مستشاره للأمن القومي جون بولتون أعلن، على التلفزيون بأن "تهديد تنظيم الدولة سيبقى قائما"، وأن "قوة مراقبة" ستبقى في
سوريا.
ويشير ليستر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مسؤولا كبيرا في الإدارة أعلن بعد ذلك بقاء 200 جندي أمريكي في شمال سوريا، كجزء من "قوة مراقبة دولية"، مع 200 آخرين يبقون في التنف، بالقرب من الحدود مع
العراق؛ للوقوف في وجه التصرفات الإيرانية، لافتا إلى أن "وول ستريت جورنال" نقلت في 17 آذار/ مارس خبرا بأن الجيش الأمريكي "يخطط لأبقاء 100 جندي في سوريا"، فيما أسمته الصحيفة "نقلة حاسمة" من أوامر ترامب بالانسحاب.
ويعلق الكاتب قائلا: "هذا ما يحاول الصقور داخل إدارة ترامب تسويقه، ويبدو أن الإعلام أصبح خيار العديد من المسؤولين الحكوميين الذين يحاولون عكس السياسة في سوريا، والحقيقة في الواقع أكثر تعقيدا وأقل وعدا".
ويقول ليستر: "فأولا، نشر القوات في التنف يعتمد كثيرا على الدعم الأردني، وهو غير مضمون نظرا لاستثمار الحكومة الأردنية في التعامل مع نظام الأسد، وفي العراق تبقى مستويات القوات الأمريكية ذاتها، لكن هناك حملة في البرلمان العراقي تدعمها إيران لأجل مغادرة القوات الأمريكية".
ويضيف الباحث: "ثانيا، إن أقر الرئيس بأنه يجب بقاء القوات الأمريكية فاعلة ضد تنظيم الدولة في سوريا -وليس هناك أي دليل على أنه سيفعل ذلك- فإن هذا سيكون على أمل بأن فعل ذلك سيقنع الحلفاء الأوروبيين بملء الفراغ الذي سيتركة 1600 جندي أمريكي، سيتم سحبهم، فقد أوضح ترامب وجهة نظره بالنسبة لسوريا: تم كسب المعركة ضد تنظيم الدولة وما بقي بالنسبة للولايات المتحدة إلا (الرمل والموت)".
ويقول ليستر: "بحسب حواراتي مع المسؤولين الأوروبيين، فإن الحلفاء الأكثر احتمالا أن يملأوا هذا الفراغ، وهما بريطانيا وفرنسا، رفضتا فعل ذلك، وإن كانتا لم تقررا سحبا قواتهما بعد، وغيرهما، مثل ألمانيا، فليست لديهم نية للمشاركة بقوات مسلحة، ويشككون في الاستثمار الكبير في إجراءات لجلب الاستقرار، تتم في بيئة استراتيجية غير واضحة، وهناك أيضا تحركات في لندن لجعل الوجود العسكري البريطاني في سوريا مرهونا بتصويت البرلمان، وهو ما سيتم التصويت ضده بالتأكيد".
ويردف الكاتب قائلا: "هذه التحولات في السياسة كلها والتراجع في التوجهات التي نقلها الإعلام، هي في الواقع مجرد أفكار جديدة من المسؤولين الذين يحاولون التوصل إلى حل وسط بين الانسحاب التام واستمرار بقايا قوة مؤقتة، ولن تكون أي منها سياسة رسمية إلا بعد انتهاء رئاسة ترامب، وخاطب رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفولود للعامة الشعب في 17 آذار/ مارس ليدحض التقارير، مثل المنشور في (وول ستريت جورنال) ويبين الفرق".
ويؤكد ليستر أنه "ما لم تتقدم دولة أخرى لسد الثغرة ستضطر أمريكا للاستمرار في تحمل العبء في سوريا، وهو ما سيضمن الانسحاب الكامل، ومع اقتراب انتخابات 2020، وبالرغم من أن الاستطلاعات تظهر تأييد الشعب الأمريكي للبقاء العسكري في سوريا، إلا أنه من غير المتوقع أن يدعم ترامب أمرا كان معارضا له خلال حملته، ولا يزال ملتزما بإنهائه منذ ذلك الحين، وبتلك السحابة السوداء فوق سوريا والقتال ضد تنظيم الدولة، فلا يتوقع أن تضع أي دولة أجنبية ثقتها فيما يبدو أنه أفكار لا يمكن تحقيقها يطرحها المسؤولون الأمريكيون".
ويجد الباحث أن "الأسوأ من هذا، هو أن تنظيم الدولة لا يزال حيا في العراق، ويقوم بهجمات تتزايد كل شهر، بعد هدوء متوقع خلال الشتاء، ففي شباط/ فبراير كان هناك ما معدله 4 هجمات يومية، حيث تم تفجير عدد من السيارات المفخخة في الموصل في الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى أنه تم إخلاء معظم المناطق النائية التي تم تحريرها من تنظيم الدولة وتركت في حالة دمار".
ويلفت ليستر إلى أنه "في سوريا لم يبق لدى تنظيم الدولة سوى أراض قليلة في باغوز، لا تزيد مساحتها على ربع كيلومتر مربع، لكن خطوط القتال للتنظيم لم تتغير على مدى خمسة أسابيع من القتال، وفي مناطق أخرى لا يزال تنظيم الدولة يدير حواجز أمنية ليلية في الشرق السوري، بالإضافة إلى أن هناك هجمات إرهابية تقوم بها خلايا نائمة، ولا يبدو الآن أن هناك قوة عسكرية في سوريا أو العراق تستطيع احتواء التهديد المستمر".
ويعتقد الكاتب أن "عدم القدرة على هزيمة تنظيم الدولة بشكل شامل ودائم هو حقيقة قد تضطر الكثير -بينهم الرئيس ترامب، ما لم يكن فعلا يحلم بأن التنظيم هزم- إلى ابتلاعها، وبعض مؤيدي هذا التوجه يقولون إن تنظيم الدولة (هزم بما فيه الكفاية) لتأمين مصالحنا الأمنية المباشرة".
ويرى ليستر أن "أسلوب التفكير ذاته هو الذي أدى الى انسحابنا من العراق في 2010-2011، لكن التنظيمات السابقة لتنظيم الدولة تعافت مع منتصف عام 2012، وعلى مدى العقدين الماضيين اعتادت أمريكا على تحقيق انتصارات ضد المجموعات الإرهابية في أفغانستان وسوريا واليمن، لكنها فشلت في كل مرة في ترجمة تلك الانتصارات التكتيكية إلى هزيمة استراتيجية لتلك التنظيمات".
ويذهب الباحث إلى أن "المقلق أكثر هو أن دورة جديدة في هذه العملية تزيد من فعالية التهديدات، فتنظيم الدولة المستقبلي سيكون بالسوء ذاته، إن لم يكن أسوأ من ذلك التنظيم الذي رأيناه يتمدد عام 2014، في العراق هناك حوالي 20 ألف معتقل من تنظيم الدولة في السجون، وعشرات الآلاف من المتهمين بتشكيل علاقات مع التنظيمات، يعيشون في مخيمات ظروفها سيئة، محاطين بقوات أمنية معادية، بالإضافة إلى أن هناك 20 ألف سجين عراقي من تنظيم الدولة وعائلاتهم في سوريا، ويتوقع أنه سيتم إرسالهم إلى العراق في الأسابيع القادمة، وسيتم وضعهم في مخيمات مؤمنة".
ويقول ليستر: "إن لم يكن في هذا ما يكفي من الأخبار السيئة، فإن عشرات آلاف الأطفال العراقيين الذين ولدوا تحت حكم تنظيم الدولة سيبقون دون جنسية؛ لأن بغداد ترفض قبول شهادات الميلاد التي أصدرها تنظيم الدولة، وترفض إصدار شهادات ميلاد عراقية، فهناك ما لا يقل عن 100 ألف شخص في العراق لهم علاقة بتنظيم الدولة، ومستقبلهم المظلم سيغذي التطرف على المدى البعيد".
ويفيد الكاتب بأن "سوريا سيسودها عدم الاستقرار لسنوات قادمة، فلا يزال عشرات آلاف السوريين الذين نزحوا بسبب القتال مع تنظيم الدولة في مخيمات، وصف الكثير منها من مسؤولين في منظمات غير حكومية بأنها (معسكرات احتجاز)؛ بسبب الظروف القاسية المفروضة على السنّة الذين عاشوا تحت حكم تنظيم الدولة، وعند النظر إلى قرية باغوز، آخر معقل لتنظيم الدولة، فإن حوالي 55 ألف شخص كانوا يعيشون تحت التنظيم انتقلوا إلى مخيم واحد، وهناك على الأقل 5000 مقاتل تابع لتنظيم الدولة مع عائلاتهم لا يزالون في القرية ذاتها حتى اليوم".
وينوه ليستر إلى أنه "لا يزال هناك 7000 متطرف من تنظيم الدولة معتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية الموالية لأمريكا، بمن فيهم ما لا يقل عن 100 مقاتل أجنبي وآلاف من عائلاتهم، ومع أن استراتيجية العراق تبدو السجن لفترة طويلة، إلا أن الاستراتيجية في سوريا غير واضحة".
ويختم الباحث مقاله بالقول إن "ادعاء الانتصار والانسحاب في هذا الوقت ليس فقط ساذجا، إنما هو خطير أيضا، بالإضافة إلى أن تخفيض الوجود العسكري من مهمة لم يتم التفكير فيها جيدا ليس أفضل، وترك الحلفاء والأعداء للتعامل مع تنظيم الدولة وحدهم ليس استراتيجية أفضل ماليا، إنه تخل عن مسؤولية حماية المصالح الأمريكية، الوجود العسكري الأمريكي في الخارج ليست له شعبية، لكن الانسحاب من سوريا الآن هو ضمان لبقاء تنظيم الدولة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)