هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
• الحراك يؤسس لميلاد جمهورية جديدة في الجزائر وندعو للبناء على أسس صحيحة
•الجيش الجزائري يختلف عن بقية الجيوش لارتباطه بالشعب وبقيم الثورة
• نعمل مع كل الخيرين والمخلصين ليكون الانتقال إلى الجمهورية الثانية سلسا وديمقراطيا
• الحراك يتطور ووصل لانتفاضة وطنية من أجل التحول الديمقراطي
• بوتفليقة كرّس الرداءة وحكم العشيرة وإمبراطوريات الفساد
أكد رئيس حركة البناء الوطني الجزائرية، عبد القادر بن قرينة، أن الحراك الاحتجاجي الذي دخل شهره الثاني في الجزائر "يؤسس لميلاد جمهورية جديدة، ولابد من البناء على أسس صحيحة ودون وصاية لأحد مهما كان".
وأضاف في مقابلة خاصة مع "عربي21": "نعمل مع كل الخيرين والمخلصين ليكون هذا الانتقال إلى الجمهورية الجديدة سلسا وديمقراطيا لا يُقصي أحدا ويبتعد عن الأحقاد وتصفية الحسابات"، مشدّدا على رفضهم لأي حل خارج المسارات التي تنسجم مع الدستور.
وأكد بن قرينة أن "الجيش الجزائري يختلف عن بقية الجيوش العربية لارتباطه بالشعب وبقيم الثورة، ولذلك كان دائما منحازا إلى المصلحة العليا للوطن ويتخندق مع الشعب، وهو ما نلمسه في خطابات قائد الأركان خاصة خلال هذه المرحلة، حيث يصطف الجيش وقوات الأمن مع الاستقرار وتأمين الحراك وانحياز للشعب الجزائري".
وتاليا نص المقابلة:
- كيف تنظرون إلى التطورات الأخيرة في الجزائر؟
ما يحدث في الجزائر هو حراك مجتمعي، وانتفاضة شعبية تطمح للتغيير، وتطالب بالتداول على السلطة وترفض كل مظاهر الاستيلاء على الدولة ومؤسساتها من أي جهة كانت، والسبب المباشر لها هو إصرار الرئيس وزمرته على ترشيح بوتفليقة الذي حكم البلاد لـ 20 سنة، ومن أصبح اليوم مريضا لا يمكن للشعب الجزائري أن يقبل به كنصف رئيس مثلما كان هو خلال أول عهدة له يقول لا أقبل أن أكون ربع رئيس ولا نصف رئيس، وهو الآن ليس حتى عشر رئيس، وهذا الحراك هو حراك شعبي لا تدعيه أحزاب بعينها أو جهات بعينها، وإنما هو حالة من التعبير الوطني عبر كل ولايات الجزائر وجهاتها عن خيار سياسي.
ونعتقد أن هذا الحراك يؤسس لميلاد الجمهورية الجديدة في الجزائر، ونعمل مع كل الخيرين والمخلصين ليكون هذا الانتقال إلى هذه الجمهورية سلسا وديمقراطيا لا يُقصي أحدا ويبتعد عن الأحقاد وتصفية الحسابات، وهذا ملخص لمبادرة حركة البناء الوطني بعنوان "الجزائر للجميع" التي تقدمت بها إلى الساحة السياسية أيار/ مايو 2018 من أجل تنظيم ندوة وطنية شاملة لتأسيس جمهورية ثانية.
- وهل ما أعلن عنه الرئيس بوتفليقة يلبي طموحات حراك الشارع؟
ما أعلنه الرئيس بوتفليقة هو التفاف على رأي الشارع ولا نراها ملبية لطموحاته، لأن فيها انتقالا إلى العهدة الخامسة عن طريق تمديد العهدة الرابعة، ولذلك أصبح الشارع يهتف لا لتمديد العهدة الرابعة، وأيضا هناك تحفظ واضح في الشارع على الإجراءات التي جاءت بها إعلانات الرئيس حيث تكلمت الرسالة عن التغيير العميق والشخص الذي كرّس فترة حكمه الرداءة وحكم العشيرة وتأسس في فترته إمبراطوريات للفساد لا يمكن أن يكون عنوانا للتغيير.
كما أن الشارع يتحفظ عن الإتيان بشخصيات لا تمثل جيل الشباب ولا حتى جيل الاستقلال لتؤسس للمستقبل الذي يجب أن يُؤسس له جيل الشباب بدرجة أساسية، وهذا ما جعل يوم 15 آذار/ مارس يوما يتغير فيه الحراك عما سبقه من أيام رغم الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية رافضا جميع إجراءاته.
من جهة ثانية، فإن الرئيس في آخر أيام عهدته ألغى انتخابات كان هو أحد المرشحين فيها، وهذا إجراء لا يخوله له الدستور ولا القانون والشارع لم يطالب بانتخابات ولا بتأجيلها؛ فالشارع الجزائري متمسك بانتخابات التغيير، ولكنه رافض للعهدة الخامسة والزمرة المحيطة بالرئيس وقاعدة حكمه، ونحن صوتنا مع صوت الشارع والمواطنين بضرورة العودة إلى الانتخابات عاجلا، وذلك هو الحل الديمقراطي الذي يجنب البلاد حالات الخروج عن الدستور.
ونحن نرفض أي حل خارج المسارات الثلاثة التي تنسجم مع الدستور، وهي إما إلغاء مرسوم الرئيس الذي تم به إلغاء المسار الانتخابي لأنه لا يستند لأي سند قانوني ولا دستوري أو استقالة الرئيس لأن شرعيته ألغاها الحراك الشعبي أو إعلان حالة الشغور.
- وهل كان قرار تأجيل الانتخابات خطوة للالتفاف على مطالب الجماهير كما يقول البعض؟
نعم هناك ثلاث حالات من حالات الالتفاف على مطالب الجماهير. الحالة الأولى هي محاولة العصيان المدني المفبرك، والحالة الثانية هي رسالة رئيس الجمهورية التي تضمنت التأجيل وكان فيها اعتداء على المسار الانتخابي وعلى المرشحين، خاصة أولئك الذين استوفوا الشروط القانونية للترشيح، والتي نعتبر أحد المتضررين منها، لأن ملفنا كان من الملفات الأساسية في العملية الانتخابية، والحالة الثالثة هي محاولة فرض ممثلين على الحراك دون أن يختارهم أو يفوضهم أحد.
والإجراءات التي لحقت رسالة الرئيس من تشكيل الحكومة، والدعوة إلى ندوة وطنية والتمديد للعهدة الرابعة من دون سند دستوري كل ذلك أصبح مرفوضا لدى الشعب، لأن الشعب يرى فيه التفافا على مطالبه، وهذا يعني ضرورة البحث عن حلول عاجلة تخرج البلاد من حالة اللادستورية وتعيدها إلى الشرعية الحقيقية، كما يطالب بذلك الشعب الجزائري الذي يريد أن يبني الجمهورية الجديدة بجيل جديد (جيل الاستقلال) على أسس صحيحة ودون وصاية لأحد مهما كان سبقه فلا تفويض له من أحد.
- دعمتم الحراك.. هل تؤيدون دعوات بقاء الجماهير في الشارع إلى حين إجراء تغيير حقيقي؟
نحن دعمنا الحراك وثمنّا السلمية والأسلوب الحضاري العالي الذي مارس به كل الشعب الجزائري على اختلاف توجهاته ومطالبه واختياراته السياسية، وهي اختيارات تمثلت في رفض العهدة الخامسة التي أسقطها الشعب، ولكن السلطة تريد تعويضها بحالة استمرار الرئيس المنتهية ولايته تحت ذريعة الشرعية الشعبية، وهو ما عبّرنا عن أنه امتحان لهذه السلطة يوم الجمعة الماضي، حيث رفض الشعب الإجراءات التي لم تفهم خطابه أو تحاول الالتفاف عنه، ولهذا بقي الشارع مشحونا، وبقي الشعب يطالب بالتغيير الحقيقي الذي على السلطة أن تقوم به في أسرع الآجال لتجنب البلاد أي انزلاقات مثلما حصل في بلدان أخرى، ولأن أي تأجيل للاستجابة لرأي الشعب سوف يؤدي لتطور المطالب ويرفع سقفها بالشكل الذي لا يمكنه تلبيتها.
- هناك تحذير من تحايل الجهات التي دعمت ترشح بوتفليقة وسعيها لتصدير مرشح جديد، وهو ما يفسر تأجيل الانتخابات.. ما رأيك؟
تأجيل الانتخابات عمل يفتقد إلى الشرعية الدستورية والقانونية، ولذلك تقرؤه كل الأطراف على أنه تحايل من الفريق الذي يقود مع رئيس الجمهورية على الشعب ومحاولة الاستفراد بالسلطة أو البحث عن بدائل أخرى. للأسف تعاملت السلطة فيها بالتخوف من الضغط الخارجي أكثر من صوت الشعب الذي لم تنحز إلى إرادته.
أما حين العودة إلى المسار الانتخابي المعطل الآن فأنا لا أرى مانعا لأي جهة أن يكون لها مرشح بشرط أن تتوفر فيها شروط الترشح ولا يكون الشارع قد أصدر في حقه حكم ورفض، والشرط الثاني أن نبتعد من عملية السطو السابقة حيث كان السطو في السابق على أصوات الناخبين، أما الآن أصبح السطو على ملفات المرشحين وحقهم في الترشح.
- ما موقفكم من تدخل الجيش في رسم السياسة العامة في البلاد؟
دول العالم الثالث خلال النصف قرن الأخير تماهت فيها أدوار الجيوش مع الأدوار السياسية، وسيطرت جهات عسكرية على الحكم والنظام في العالم الثالث وفي العالم العربي خصوصا، فمثلا رؤساء الجزائر من الاستقلال إلى اليوم كلهم ينتمون إلى جيش التحرير ثم إلى الجيش الوطني الشعبي.
ولكن الجيش الجزائري يختلف عن بقية الجيوش لارتباطه بالشعب وبقيم الثورة، ولذلك كان دائما منحازا إلى المصلحة العليا للوطن وللشعب الجزائري، وهو ما نلمسه في خطابات قائد الأركان خاصة خلال هذه المرحلة الاخيرة، حيث يصطف الجيش وقوات الأمن مع الاستقرار وتأمين الحراك وانحياز إلى الشعب الجزائري في أخذ المبادرة والتأسيس إلى جمهورية جديدة، وأدوار الجيش تنحصر في محاربة الجريمة المنظمة، وحماية مكتسب الأمن والاستقرار الذي يتنعم فيه الوطن الآن.
كما أن من وظائف الجيش حماية السيادة الوطنية والحدود من أي اختراقات وغيرها، وهذه مهام جسام تقتضي تفانيا كبيرا ودعما مستمرا مع مكونات الساحة من أجل أداء أدواره ووظائفه خاصة مع الحراك الذي التحمت فيه قوى الشعب مع جيشه في حالة فريدة متنت الجبهة الداخلية من أي اختراقات محتملة تساعده في التفرغ لأداء مهامه بعيدا عن مناكفات حزبية وأي انجرار لمستنقع الساحة السياسية.
- برأيكم ما أسباب تأخر الأحزاب عن دعم تظاهرات الشارع، بمعنى أن الأحزاب لحقت بالتظاهرات ولم تصنعها؟
الحقيقة أن الحراك تولد عن معادلة الاحتقان والوعي أي الاحتقان الذي سببته أخطاء السلطة وخاصة الإصرار على التوجه نحو العهدة الخامسة وظاهرة الفساد المعمم، وأما الوعي فهو منتوج نضالات القوى الوطنية كلها ومنها الأحزاب.
ولأن الحراك كان يتسم بالطابع الشعبي فقد كان الاتفاق لدى أحزاب المعارضة وباقتراح من حركتنا أن نبقى جزءا من المواطنين في بداية الحراك لكي لا نضعفه بالاصطفافات الحزبية، وهو الأمر الذي أبقى الحراك مستمرا ومتزايدا من جهة وأبقاه من جهة أخرى مستوعبا لكل الأفكار والتوجهات والقوى الوطنية من أجل التأسيس الجماعي لمشروع الجمهورية الثانية في الجزائر، وهذا هو التجسيد الحقيقي لفكرة جزائر الجميع، وللتاريخ وقبل انطلاق الشعب في تظاهراته كانت الحركة داعمة له وعلنا في ندوات صحفية لازالت موثقة لما كان فيه وقبل أن ينطلق ولم نركبه، ولن يكون ذلك، وكل من حاول ذلك سوف يرفضه الحراك.
إلى أي مدى يمكن تسمية ما يجري بالجزائر على أنه ثورة؟
الذي يحدث في الجزائر هو حالة وظاهرة متميزة تعارض السلطة وتحافظ على الدولة عبر السلمية والجماعية والتغيير الشعبي الآمن، وهو يتطور من مسيرة إلى حراك شبابي إلى مطالب فئوية إلى انتفاضة وطنية من أجل التحول الديمقراطي بأسلوب رصين وحضاري يختلف عن حالة الثورات الماضية، لأن الشعب واع، والجيش واع، والسلطة تبحث عن حلول من أجل الاستمرار، والشعب يصنع الأحداث معا، والحراك الشعبي سيفرض بالتأكيد حالة أقرب الثورية، لكنها في الجزائر تقرأ الدرس العربي وتحاول أن تتجنب سلبياته.
ما الذي يمنع توحد الإسلاميين في الجزائر على مرشح توافقي للانتخابات؟ وهل يشكل إعلان بوتفليقة فرصة للتوافق؟
التوافق لم يعد مطلبا انتخابيا الآن، ولكن العودة إلى الدستورية هي المطلب السياسي الملح، والذي يحتاج إلى رؤية جماعية وتوافق على برنامج المرحلة القادمة، وهذا التوافق لا يكون بالاصطفاف الأيديولوجي، ولكن بالتخندق مع المواطنين والانحياز للمصلحة العليا للجزائر، وبناء شراكات وطنية حقيقية خارج التقسيمات التقليدية للمنظومة السياسية التقليدية، لأن إكراهات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأجندات الخارجية أصبحت تفرض تحديات جديدة على الجزائر وعلى المنطقة كلها يحتم تحالفات أكبر من الأيديولوجية ومن الجهة ومن المصلحة وإنما تمليها حاجات وطنية كبرى هدفها الانعتاق من الأزمة والتأسيس للجماعة الوطنية للخروج من أزمة وطن إلى قيادة الإقليم والمساهمة في حفظ أمنه واستقراره وتصدير المصالحة لباقي ساحات الوطن الجريح.
- كيف تنظرون لفرص ترشحكم في ظل فشل إجماع أحزاب المعارضة على مرشح واحد؟
نحن ضحايا التعسف في استخدام السلطة التي ألغت الانتخابات وأجلتها خارج أي مستند دستوري والانتخابات عندي وسيلة للتداول على السلطة بسلاسة وليست غاية في حد ذاتها. وحركة البناء الوطني ليست حزبا موسميا ينتظر الانتخابات فقط، ولكن هي حركة إصلاحية تعمل لإنشاء بيئة حاضنة للديمقراطية في الجزائر، ولهذا فبرنامج العمل عندنا واسع ومتنوع والتنسيق مع كل مكونات الساحة مستمر، وما لا يُدرك كله لا يترك كله.
ما برنامجكم السياسي للمرحلة القادمة.. حدثنا عن برنامج وتوجهات حزب البناء الوطني؟
برنامجنا يمكن أن تختصره ورقة خطابي للترشح بالنسبة لموضوع الانتخابات، وأما حركة البناء الوطني فهي حركة إصلاحية تجعل أساس الإصلاح هو الإنسان ورفعت شعار بناء الإنسان أساس التنمية والديمقراطية.
ونتمنى من جميع العقلاء أن يدركوا جيدا خطورة الخروج على الشرعية الدستورية، لأننا إذا ما أسقطنا الدستور سيؤدي هذا إلى الفوضى، وسوف نُكرّس وضعا جغرافيا إداريا جديدا، بما يسمح – لا قدر الله – إلى وضع فيدرالي يُقسّم البلاد، وحينها سنندم ندما شديدا عما آلت إليه الأوضاع في وقت قد لا ينفع فيه الندم.
ونتمنى من النخب الجزائرية، والتي لم تكن هي المُحرك للشارع، ألا تتجاوز الشعب وتتدعي تمثيله بأطروحات لم يطرحها، فالجماهير لم تطلب إلغاء الدستور أو تأجيل الانتخابات أو عقد ندوة وطنية حالية خارج الإرادة الشعبية، وإنما نحن مُطالبون بندوة وتعديل مواد الدستور والعديد من القوانين ضمن الشرعية الدستورية لرئيس منتخب هو الذي يدعو لندوة وطنية جامعة تكون حصنا منيعا للجزائر بعيدا عن أي مشروع آخر.
- هل سيستفيد الشارع الجزائري والنخب من التجربة المصرية؟ وكيف؟
أعتقد أن التجربة المصرية مطلوب منها الآن أن تستفيد من التجربة الجزائرية سواء على مستوى السلطة أو الحراك الشعبي، لأن مصر دولة محورية والأمة تحتاج الدور المصري في المستقبل، وهذا الدور لا يتم إلا بمصالحة حقيقية تنهي مخرجات الانقلاب وتؤسس لمرحلة جديدة ويشارك فيها الجميع.
وأما نحن فقد تعلمنا كثيرا من التجربة المصرية، ولا يمكن أن تنسى الجزائر موقف مصر من الثورة التحريرية ودعم استقلال الجزائر، وتأثيرات علماء الوسطية والاعتدال في ترشيد بعض الأفكار المتطرفة ومحاولة إرجاعها لحضن المجتمع الجزائري الأصيل والمعتدل وغير المتزمت.