استمرار خطة الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب البائسة في ما يسرّبه على دفقات، ويسميه بصفقة القرن لتسوية الصراع والتطبيع، التي يعتزم تطبيقها بعد الانتخابات
الإسرائيلية، إن استطاع، ليست اجتهادا شخصيا منه، وليس تقريرها، إن تمّ، إنجازا فرديا لشخصه؛ بل نهجا عقديا ثابتا في وجدان الرجل الأبيض الحاكم، مهما تغيرت الإدارات والأدوار في السياسة الأمريكية.
فرغم أن الرئيس، الذي استبدل السيف بالدولار، يتفاوض بسلاح الاقتصاد مع خصومه في الصين وكوريا وتركيا وروسيا؛ لكون إمبراطوريته العجوز ممتدة عسكريا في مسارح شتى، ولا تقوى على فتح كل الجبهات، ولكونه لا يمتلك القدرة على تفسير حقيقي لما تدور عليه فلسفة سياسته الخارجية، فإنه في مسألة "تحقيق السلام" بالقوة التي وعد بها في برنامجه، والموقف من إسرائيل، يبدو الأكثر وضوحا وإنجازا عن الإدارات السابقة، لكنه ليس منحرفا عنهم، بل هو امتداد لخطهم وخطتهم، وفاشل في صدّ المقاومة مثلهم.
صحيح أن مخطط ترامب أكثر سخاء لإسرائيل من مخطط سابقيه، لكنها قيثارة واحدة لأكثر من عازف.
فمنذ نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، بدأ التعاطف الأمريكي مع اليهود يتصاعد من خلال الدعم المادي والإعلامي والسياسي، وكان دور الرؤساء الأمريكيين في دعم الحركة الصهيونية ضليعا وحاضرا منذ الأربعينيات، فالرئيس روزفلت اتخذ نجمة داود شعارا رسميا للبريد والخوذات التي يلبسها الجنود وعلى أختام البحرية، والرئيس ترومان طالب بإدخال مئة ألف يهودي فورا إلى فلسطين، والرئيس جونسون قدم دعما لليهود في أثناء حربهم مع العرب في العام 1967م، والرئيس كارتر أقام متحفا لذكرى الهولوكست. أما الرئيس ريغان، فقد أعلن إيمانه بالنبوءات القديمة في العهد القديم وبالإشارات المتكهنة بمعركة هرمجدون. ولم يكن جورج دبليو بوش شاذا ولا بعيدا عن هذا السياق، حينما تحدث عن "الحرب الصليبية" ضدّ ما أسماهم بالإرهابيين، وأنه مأمور من قبل الرب لإنهاء المهمة. ولم يكن أوباما بأحسن حالا من سابقيه، فقد أعلن أوباما في منتهى الوضوح والصراحة بخطابه في القاهرة، أن علاقة أمريكا بإسرائيل علاقة ثابتة غير قابلة للانكسار، وأن الجذور التي بينهما تاريخية. فالرؤية واضحة جدا في عين رؤساء أمريكا، ولم يغير منها وجود ربيع عربي من عدمه، بل لم تستجب إليه الإدارات الأمريكية إلا سلبا ضده، حيث عدته خطرا عليها. كما لم تتعلم الإدارات شيئا من أخطائها المستمرة لا سيما معوجود التدفق المعلوماتي الهائل والعابر للقارات. ولن يكون ترامب آخر السرب، لكنه أكثرهم نشازا في طريقته.
ما هي
صفقة القرن؟
تقوم الصفقة المزعومة بحسب موقع ميدل إيست ووكالات، على:
- إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، تشمل حدودها قطاع غزة والمناطق (أ، وب) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية.
- توفر الدول المانحة (السعودية والإمارات) عشرة مليارات دولار لإقامة الدولة وبنيتها التحتية، بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزة والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة.
أما قضية وضع القدس وقضية عودة اللاجئين، فستؤجلان لمفاوضات لاحقة، بما يعني إنهاءهما.
وتجرى مفاوضات لتبقى السيادة على البلدة القديمة ومنطقة الحوض المقدس بيد إسرائيل. وإلى جانب ذلك، تتحدث عن إشراك الفلسطينيين في إدارة وظيفية، أي منح صلاحيات في مجالات مختلفة، دون "سيادة عليا".
تلك الخطة الأمريكية للسلام تحمل في طياتها مقومات نسفها، فإذا كانت صفقة القرن تدعو لإخراج القدس من المفاوضات نهائيا، وتجهر بإسقاط حق العودة للاجئين، وإذا كانت الدولة المسماة بإسرائيل تصر على استمرار الاستيطان، فما الذي يمكن أن تتفاوض عليه إسرائيل مع الفلسطينيين؟ وكيف تبرر كل ذلك أو تمرره؟
ترامب ليس لديه، كتاجر، إلا المغريات الاقتصادية والاستثمارية التي يجيد جلبها من الإمارات والسعودية لتبرير حماقاتهما ورعونتهما، وهو ما يعد ضربا من المقامرة السياسية والاقتصادية البائسة التي أدمنها ترامب. وليس التاجر الأمريكي في وضع يسمح له بأن يملي على المقاومة كل هذا الهراء، لا سيما بعد انتصاراتها المتتالية، وانتفاضاتها المستمرة. هذا، علاوة على أن الفصائل الفلسطينية التي اجتمعت في موسكو توافقت على رفض صفقة القرن، ومن بينها حركتا فتح وحماس، وأكدت هذه الفصائل على حق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي المحتلة عام 1967، وعلى ضرورة ضمان حق العودة على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي.
كما أن قطاعا من الإسرائيليين يرفض الصفقة، فيشير استطلاع للرأي أجرته جامعة تل أبيب بالتعاون مع معهد الديمقراطية في تموز/ يوليو الماضي؛ إلى أن 74 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن خطة الولايات المتحدة المنتظرة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي تعرف بـ"صفقة القرن" ستفشل، وذلك على الرغم من أن غالبيتهم يقرّون في الاستطلاع نفسه، بأن جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصبّ في مصلحة إسرائيل.
ويؤكد ذلك ما كتبه نفتالي بينيت، وهو شريك في الائتلاف اليميني الحاكم، على تويتر في 12 آذار/ مارس الحالي، معبرا عن رفضه لصفقة القرن، قائلا: "وفقا لخطة ترامب حول إقامة دولة فلسطينية، وهي تنتظرنا مباشرة بعد الانتخابات، فهنالك خطر واضح وشامل على المستوطنات".
وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف موقف موسكو بقوله، "إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحاول فرض حلول أحادية الجانب، من شأنها أن "تدمر كل الإنجازات في القضية الفلسطينية".
وقالت إيران على لسان علي لارجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، في ختام مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي عقد في طهران خلال تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، إن الهدف من صفقة القرن هو تصفية القضية الفلسطينية، وأكد أن إيران ستظل داعما لحركات المقاومة. كما أن عددا من دول العالم الإسلامي ليست مواتا، وفي مقدمتها تركيا، فمن أين يستمد التاجر الأمريكي شرعية صفقته؟