زيارة الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني إلى بغداد؛ كانت زيارة غريبة في غالبيّة جوانبها البروتوكوليّة والدبلوماسيّة!
روحاني وفور وصوله لبغداد، وقبل إتمام مراسيم الاستقبال الرسميّ، توجّه إلى زيارة الإمامين الجوادين في مدينة الكاظميّة، دون مراعاة للأعراف الدبلوماسيّة!
وبعد زيارة الكاظميّة، تمّت مراسيم الاستقبال الرسميّ لروحاني بحضور الرئيس برهم صالح، ثمّ بعدها رتّبت السفارة الإيرانيّة لروحاني لقاء مع شيوخ بعض العشائر العراقيّة، ورجال دين من مختلف الطوائف!
وهذا التصرّف غير المدروس بعناية، ربّما أرادت طهران من خلاله خداع العالم بنفوذها في عموم المجتمع العراقيّ. وهذا وهم كبير؛ لأنّ منْ التقى بهم روحاني غالبيّتهم من المعروفين بعلاقاتهم الوطيدة مع السفارة الإيرانيّة ببغداد!
هذا التصرّف غير المدروس بعناية، ربّما أرادت طهران من خلاله خداع العالم بنفوذها في عموم المجتمع العراقيّ. وهذا وهم كبير
الزيارة تضمّنت التوقيع على جملة من الاتفاقيّات المعدّة سلفا، دون التطرّق إلى محتوياتها الدقيقة، وكلّ ما في الأمر أنّهم ذكروا بأنّها
تتعلّق بالجوانب الاقتصاديّة، وبمدن صناعيّة مشتركة، والسعي لرفع التبادل التجاريّ إلى 20 مليار دولار، وكذلك الاتفاق على إلغاء رسوم تأشيرات الدخول بين البلدين!
اتفاقيّة إلغاء الرسوم كانت محطّ غضب وسخريّة العراقيّين؛ لأنّها تصبّ في مصلحة الجانب الإيرانيّ بالدرجة الأولى، حيث يدخل للعراق سنويا أكثر من ستة ملايين زائر للعتبات الدينيّة في النجف وكربلاء وسامراء وبغداد. وفي المقابل، هناك اقلّ من مليون عراقيّ يزورون
إيران!
الاتفاقيّة لها مردود سلبيّ واضح على الاقتصاد العراقيّ، فإذا افترضنا دخول ستة ملايين زائر سنويّا، وكلّ زائر يدفع 40 دولارا لتأشيرة الدخول، فهذا يعني أنّهم سيضيفون 240 مليون دولار لميزانيّة الدولة سنويّا، لكنّ تلك الملايين ذهبت الآن أدراج الرياح بعد إلغاء الرسوم، وهذه خسارة كبيرة للعراق الذي حُدّد فيه خطّ الفقر الوطنيّ بـ22.5 في المئة بين مواطنيه، فلماذا تمّ الاستغناء عن هذه الملايين التي كان من الممكن (على أقلّ تقدير) خدمة الفقراء الذين يصارعون للحياة بأقلّ من ثلاثة دولارات يوميّا؟
تلك الملايين ذهبت الآن أدراج الرياح بعد إلغاء الرسوم، وهذه خسارة كبيرة للعراق الذي حُدّد فيه خطّ الفقر الوطنيّ بـ22.5 في المئة بين مواطنيه
بعد توقيع العديد من المعاهدات والاتفاقيّات غير المعلنة للعراقيّين غادر روحاني بغداد
للقاء المرجع الدينيّ علي السيستاني في مدينة النجف!
الغريب أنّ اللقاء مع السيستاني اقتصر على روحاني وجواد ظريف وزير الخارجيّة وشخصيّة إيرانيّة ثالثة، ولا وجود لأيّ شخصيّة عراقيّة، حتّى محافظ النجف كان غائبا عن اللقاء!
ولا ندري لماذا هذه السرّيّة، ولماذا لم يحضر أيّ مسؤول عراقيّ؟
والأغرب من كلّ هذا الكلام، أنّ السيستاني كان يرفض، وبإصرار كبير، استقبال أيّ مسؤول أجنبيّ أو محلّيّ في مكتبه، فلماذا وافق على استقبال روحاني؟
الموقف المُدهش كان عند اختتام الزيارة وعودة روحاني لإيران عبر مطار النجف وليس بغداد، وكأنّه في رحلة داخليّة من مدينة إيرانيّة إلى أخرى، وهذا لا يتّفق مع البروتوكولات المعمول بها في مثل هذه الزيارات!
السيستاني كان يرفض، وبإصرار كبير، استقبال أيّ مسؤول أجنبيّ أو محلّيّ في مكتبه، فلماذا وافق على استقبال روحاني؟
توقيت انتهاء زيارة روحاني تزامن مع إعلان الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب تجديد العقوبات على إيران لعام آخر، وكذلك مع تصريحات "غريبة" لرئيس حكومة بغداد عادل عبد المهدي؛ الذي قال إنّ "بغداد لا تلتزم بالعقوبات الأمريكيّة على واشنطن"!
فكيف يمكن تفهّم كلام المهدي، مع استمرار العقوبات الأمريكيّة على إيران؟
هل أمريكا أصبحت دولة ضعيفة بحيث لا تهتمّ لها حكومة بغداد، أو أنّ حكومة المهدي قويّة لدرجة عدم الالتزام بعقوبات واشنطن، رغم أنّ بعض الدول الكبرى تتحاشى اللعب الخشن مع واشنطن؟
القضيّة بتقديري تكشف أنّ تصريحات المهدي تتمّ بضوء أخضر أمريكيّ، وربّما هذا يدعم فرضيّة عدم وجود عداء حقيقيّ بين طهران وواشنطن!
القضيّة بتقديري تكشف أنّ تصريحات المهدي تتمّ بضوء أخضر أمريكيّ، وربّما هذا يدعم فرضيّة عدم وجود عداء حقيقيّ بين طهران وواشنطن
الملاحظ أنّ روحاني مدّد زيارته للعراق لغاية يوم 13 آذار/ مارس لتتزامن مع انعقاد مؤتمر الصداقة العراقيّة الأمريكيّة المعارض للتواجد الإيرانيّ في
العراق؛ وكأنّه يقول للجميع نحن باقون في العراق، وماضون في جعله محافظة إيرانيّة، بحسب كلام بريان هوك، المبعوث الأمريكيّ الخاصّ لإيران!
عتبنا ليس على روحاني، ولا على إيران، بل على ساسة العراق الذين سلّموا الجمل بما حمل لإيران!
متى تكون في العراق حكومة وطنيّة قويّة تحفظ للعراق سيادته وهيبته وثرواته؟