هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
النجاح الباهر الذي حققه الحراك الشعبي السلمي فتح شهية البعض للسطو
عليه، من خلال اقتراح أسماء لتزعُّمه والحديث باسمه، وإن كان من المنطقي أن يكون
للحراك لسانُ حال يعبِّر عن مطالبه، ويتفاوض مع السلطة باسمه، لكن، شرط أن يكون
ذلك نابعا من الحراك ذاته، وليس بركوب الموجة من قبل أشخاص يمثلون تيارا سياسيا
معينا منتظما في تنظيم يطلق على نفسه حركة مواطنة!
لقاد
سارع الكثير من الناشطين إلى تعيين ناطق رسمي باسم الحراك، ولا اعتراض على الشخصية
التي اقترِحت، ولكن على الطريقة التي يتم من خلالها تزعم الحراك الشعبي، والحديث
باسم ملايين الجزائريين الذين خرجوا بكل فئاتهم ومشاربهم وتوجُّهاتهم وقناعاتهم
السياسية إلى الشارع.
بل
إن الغريب أن الكثير من "مناضلي الفسيبوك" اقترحوا أرمادة من الشخصيات
التي تحمل فكرا واحدا وتوجُّها سياسيا واحدا، لتزعُّم الحراك الذي شارك فيه
العلمانيون والإسلاميون والوطنيون وكل التيارات الفكرية من إصلاحيين وصوفيين.. وكل
الفئات من طلبة ومحامين وأساتذة وموظفين وصحفيين وقضاة وطيارين وكل فئات المجتمع.
هؤلاء
الإقصائيون أرادوا اختطاف حلم الجزائريين، وتحويله إلى أداة لخدمة مشروع إيديولوجي
معيَّن لا يتفق عليه كل الجزائريين، وهي ممارسة لم تتورط فيها حتى السلطة التي
تحرص دائما على الحفاظ على التنوع في تركيبتها.
لقد
أثبت الحراك إلى الآن أنه ليس في حاجة إلى ناطقين رسميين، كما أنه ليس في حاجة إلى
تأطير وتنظيم، فقد أظهر الجزائريون من خلال الحس المدني أنهم قادرون على تنظيم
أنفسهم ذاتيا، والدليل ما عشناه جميعا من مشاهد حضارية في كل المسيرات عبر الوطن.
كما
أن رسالة الحراك وصلت واضحة وكاملة إلى السلطة، ولن تفلح محاولة الالتفاف عليها،
لأن الحراك مستمرّ ومطالبه واضحة، وكل محاولة لاستيراد تجارب المظاهرات من مصر أو
من اليمن عبر تسميات معينة وناطقين رسميين هي محاولة يائسة، فالعالم أجمع أدرك أن
مظاهرات الجزائريين فريدة من نوعها، ولا تشبه المظاهرات في العالم العربي ولا
المظاهرات في الغرب.
وإذا
كانت التجربة العربية في الربيع العربي ليست في حاجة إلى تقديم أدلة فشلها، فإن
المقارنة البسيطة بين مظاهرات الجزائريين الذين خرجوا بالملايين سلميا بلا شغب ولا
تخريب، وبين مظاهرات “السترات الصفراء” في فرنسا الذين لا يتجاوز عددهم عشرات
الآلاف، إلا أنهم أحرقوا المدن واعتدوا على قوات الأمن ودمروا الممتلكات… هذه
المقارنة، تكفي أن حراكنا جزائري بحت. لذلك كله، فإن محاولة السيطرة عليه من طرف
أقليات إيديولوجية هي اختطافٌ له وانحرافٌ بمطالبه الواضحة إلى أجندات ومشاريع
ضيِّقة.
عن صحيفة الشروق الجزائرية