هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة نيويورك
تايمز الأمريكية تقريرا تحدثت فيه مواقف وزير الخارجية الأمريكية، مايك بومبيو
وخياراته الاستراتيجية فيما يتعلق بالدبلوماسية الخارجية. والجدير بالذكر أن
بومبيو، البالغ من العمر 55 سنة، تمكن من تحقيق أمر لم ينجح في بلوغه إلا عدد قليل
من أعضاء الحكومة في عهد ترامب، ضمان البقاء ضمن دائرة المقربين من الرئيس الأمريكي
وممارسة قدر من النفوذ دون معارضة قرارات البيت الأبيض وسياساته.
وأوردت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أنه وفي مؤتمر وارسو، كان بومبيو يمني
نفسه بتقديم عرض مشرف لأفضل قدراته الدبلوماسية منذ توليه منصب وزير الخارجية. لكن
نائب الرئيس مايك بنس حطم جميع خططه من خلال مهاجمة أقرب حلفاء واشنطن. وعلى
انفراد، أظهر بومبيو غضبه إزاء هذا التصرف معتبرا أنه يقوض الدبلوماسية الأمريكية
ويؤجج الأخبار بشأن التوتر العابر للمتوسط. في المقابل، وفي العلن، لم يعبر بومبيو
على الإطلاق عن غضبه، حتى تبقى العلاقات مع البيت الأبيض مستقرة.
وبينت الصحيفة أن
بومبيو يواجه الآن اختباره الأعظم. فهذا الأسبوع، سيرافق وزير الخارجية الأمريكي
ترامب إلى اجتماع قمة في هانوي، فيتنام، في محاولة لاحتواء مساعي كوريا الشمالية
المتعلقة بالأسلحة النووية والحيلولة دون خروجها عن السيطرة.
وسيستدعي الأمر أن
يعمل بومبيو على حماية ترامب من أن يقع في فخ القائد الكوري الشمالي الماكر. كما
يحتاج إلى منع الرئيس الأمريكي من تقويض المكانة الأمريكية فيما يتعلق بنزع السلاح
النووي، خاصة وأن ترامب أكد أنه لم يعد هناك وجود لأي تهديد نووي من قبل كوريا الشمالية.
في المقابل، أكد بومبيو في تصريح لـ"سي إن إن"، أن كوريا الشمالية لا
تزال تمثل تهديدا نوويا.
وشددت الصحيفة على أن
بومبيو تولى مهمة "المبشر" فيما يتعلق بسياسة ترامب الداعية إلى
"أمريكا أولا". ويبقى السؤال الأهم ما إذا كان يجب على بومبيو، على
اعتباره القائد للكيانات الدبلوماسية الأمريكية، أن يكون المتحدث بلسان ترامب
والبيت الأبيض أم يجب أن يواجه الرئيس بشكل أكثر حدة فيما يتعلق بالحقائق غير
المريحة بشأن السياسة الخارجية.
وأحالت الصحيفة إلى
مسألة تغريدات ترامب، حيث غالبا ما يوجه بومبيو فريقه للعمل على استغلالها بشكل
يمكن الاستفادة منه. ومن خلف الكواليس، يعمل المدير السابق لوكالة المخابرات
المركزية على احتواء أي أضرار يتسبب فيها ترامب، ولكن نادرا ما يترك أثرا لمواقفه
المعارضة علنا. من جانب آخر، أشاد بومبيو بقرار الرئيس فيما يتعلق بالانسحاب من
سوريا معتبرا إياه "تغييرا تكتيكيا وليس تحولا عن المهمة الأساسية".
اقرأ أيضا: بومبيو: نخطط لتغيير السلطة ببلدين آخرين وليس فنزويلا فقط
وبينت الصحيفة أن
بومبيو ليس على وفاق دائم مع ترامب، فقد كان مصرا على فرض عقوبات على روسيا. وكان
وراء التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية بين الجيش الأمريكي والجيش البولندي على
مقربة من الحدود الروسية. وكان يرمي بذلك إلى توجيه رسالة إلى روسيا حتى لا تختبر
الناتو. ولكن هذا الأمر لا ينفي حقيقة أنه غالبا ما يتفق مع ترامب، حيث انتقد
مؤسسات ساهمت الولايات المتحدة في إنشائها. وفي خطاب في مصر، هاجم بومبيو سياسات
الرئيس السابق، باراك أوباما.
ونقلت الصحيفة عن أر
نيكولاس بيرنز، مساعد وزير الخارجية سابقا في إدارة جورج بوش، أن "بومبيو رجل
مؤسساتي، وقام ببعض الأمور بشكل جيد على غرار إعادة بناء أسس وزارة الخارجية. ولكن
فيما يتعلق بالسياسات المتبعة، فقد مثل صوت النزعة الأحادية، التي تدعو إلى تبني
النهج الأمريكي بشكل قاطع. وقد أخذ يدرك، مؤخرا، أن العالم يعارض هذا النهج".
ويعد بومبيو شديد
الوفاء لمواقف ترامب. فعلى سبيل المثال، رفض وزير الخارجية الاعتراف بالتقييمات
التي قدمتها وكالات المخابرات، التي تتعارض مع الرئيس ترامب في مسائل مثل كوريا
الشمالية والمملكة العربية السعودية وإيران. وقد كافأه ترامب على ذلك من خلال
الترفيع من شأنه وجعله المتحدث الرسمي باسمه في العديد من المسائل الحساسة.
وأكدت الصحيفة على أنه
عقب توليه منصب وزير الخارجية في شهر نيسان / أبريل الماضي، تعهد بومبيو بأن يعيد
ترسيخ الثقة في النفس والهبة في صفوف العاملين في الوزارة. في الأثناء، عمد إلى
تعيين الدبلوماسيين الشباب من جديد ومسؤولين محترمين يتمتعون بالخبرة في هذا
المجال في أعلى المناصب.
وقالت الصحيفة إن
بومبيو يعتبر أكثر توافقا على المستوى السياسي مع ترامب من بقية مسؤولي الخارجية.
فقد دعمه فيما يتعلق بالانسحاب من اتفاق باريس بشأن المناخ والاتفاق النووي
الإيراني، على الرغم من دفاع أغلب الدبلوماسيين الأمريكيين عنهما بحماس. بالإضافة
إلى ذلك، التزم بومبيو الصمت إزاء قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا،
الأمر الذي كان صادما بالنسبة للمبعوث الخاص للتحالف، بريت ماكغورك، والذي دفعه
للاستقالة.
وتحدثت الصحيفة عن دور
بومبيو في مفاوضات كوريا الشمالية ومحاولته تحويل محادثات الرئيس ترامب والزعيم
كيم جونغ أون الغامضة خلال الاجتماع الأول في سنغافورة، لخارطة طريق لنزع السلاح
النووي. ولم يكن من السهل القيام بذلك، فقد حفزت تغريدات ترامب التي تحيل أن
المشكلة بين الدولتين قد حلت، روسيا والصين على تخفيف العقوبات ضد كوريا الشمالية.
وفي زيارته لبيونغ يانغ، لم يتمكن بومبيو من مقابلة كيم جونغ أون، وبالتالي إقناعه
بالتصريح بحقيقة ما يملكه من ترسانة نووية. ولكن أولويات الولايات المتحدة تغيرت،
فبعد أن حث ترامب على تنفيذ تحرك سريع بشأن نزع السلاح النووي، أشار إلى أن هناك
الكثير من الوقت للقيام بذلك.
وقد أثارت تصريحات
كبير مبعوثي بومبيو لكوريا الشمالية، ستيفن بيغون بشأن إمكانية أن تؤجل بيونغ يانغ
الكشف عن حجم قوتها النووية لوقت لاحق، تساؤل مجلس الأمن القومي وخبراء الأسلحة عن
كيفية التأكد من أن الرئيس الكوري الشمالي قد التزم بالحد من حجم الترسانة النووية.
وأفادت الصحيفة بأن
التحدي الأكبر أمام بومبيو يكمن في التوفيق بين مفهوم الولايات المتحدة وكوريا
الشمالية عن نزع السلاح النووي وحث الرئيس كيم جونغ أون على تحديد جدول زمني
لتفكيك الترسانة النووية. وفي حين يصر بومبيو على النزع الكامل والحتمي للأسلحة
النووية من شبه الجزيرة الكورية، صرح أن بيونغ يانغ قد تحقق عددا من المكاسب، في
ظل سعيه إلى الحد من تهديد السلاح النووي لكوريا الشمالية، مما يعني إمكانية قبوله
بتقديم تنازلات.
وأقرت الصحيفة بأنه
وفي مواجهة إيران، أدى أسلوب بومبيو الشرس لإثارة التوترات مع الحلفاء الأوروبيين
والحكومة العراقية، التي تحتاج إدارة ترامب لدعمها من أجل إبقاء القوات الأمريكية
هناك. وصرح بومبيو أن العقوبات المفروضة على إيران ستسرع من التغيير السياسي في
البلاد. كما أعرب بومبيو في وارسو عن أمله في أن يثور الشعب الإيراني على حكومته
الاستبدادية، منتقدا إياها على خلفية برامج الصواريخ النووية والبالستية والحملات
العسكرية الإقليمية.
وبينت الصحيفة أن رفض
الدول الأوروبية، التي تعتبر طرفا في الاتفاقية النووية، اتباع نهج واشنطن
ومحاولتها إبقاء إيران ضمن الاتفاق ومواصلة المبادلات التجارية معها، يعتبر مصدر
إحباط بالنسبة لبومبيو وسببا لتسميم علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها. وينطبق
الأمر ذاته على العراق، حيث دفع رفض القادة العراقيين الاستجابة للضغوط من أجل
تعليق صفقات الطاقة مع إيران، بومبيو إلى غلق القنصلية الأمريكية في البصرة.
ومن أبرز الأدلة على
دعمه المطلق لسياسة ترامب الخارجية وتوافقه التام معه، حرص بومبيو على تعزيز
العلاقات مع السعودية، الخصم الرئيسي لإيران، على الرغم من مخاوف الجمهوريين من
ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة. وقد أشعلت الصور التي ظهر فيها بومبيو
مبتسما وهو يصافح بن سلمان خلال زيارة طارئة للسعودية موجة انتقادات، على خلفية
تورط عملاء لولي العهد في اغتيال الصحفي، جمال خاشقجي. وقد صرح بومبيو خلال زيارة
ثانية للرياض أن علاقة الولايات المتحدة بالسعودية عميقة وطويلة الأمد.
وتطرقت الصحيفة إلى
سعي ترامب لتغيير النظام الفنزويلي. وتواصل بومبيو مع مسؤولين من 13 دولة لعقد
اجتماع لمجموعة ليما، التي تشكلت في سنة 2017، لمعالجة الأزمة الاقتصادية في
فنزويلا. وقد ناقش المسؤولون الإجراءات الواجب اتخاذها ضد الزعيم الفوضوي
الفنزويلي نيكولاس مادورو. وقد حرض موقف بومبيو الدول على إصدار بيان جريء تطالب
فيه بعدم تولي مادورو لفترة رئاسية ثانية.
وأوضحت الصحيفة أن
تنصيب المعارض خوان غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا لفنزويلا واعتراف ترامب والدول
الأوربية به دليل على نجاح دبلوماسية بومبيو في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن
مبعوث بومبيو لفنزويلا، إليوت أبرامز، عرف بتاريخ مثير للجدل من العنف في أمريكا
اللاتينية ويصفه البعض بأنه امتداد للإمبريالية. وفي الوقت الحالي، يواصل الجيش
الفنزويلي دعمه للرئيس مادورو في وقت تستمر فيه الاشتباكات بين طرفي النزاع حول
السماح بوصول إمدادات المساعدات الأمريكية.
وفي الختام، أوردت
الصحيفة أن دبلوماسية بومبيو قد بلغت نقطة النهاية واستنفذت حدودها القصوى. فقد
فشل في تعزيز العلاقات الدولية الوثيقة للولايات المتحدة بالشكل المطلوب. كما لم
يشارك في خلق علاقات خارجية عميقة ودعم المؤسسات الدولية التي قد تحتاجها، إذا
أردت من حلفائك مساندتك في أحلك لحظاتك، بل بتنا نقف وحدنا، وذلك وفقا لما صرحت به
مساعدة وزير الخارجية الأميركي المكلف بشؤون أميركا اللاتينية، روبرتا جاكوبسون.