هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدا الأمر كما لو كان من يدير جلسة برلمان السيسي التي نظرت التعديلات الدستورية من حيث المبدأ، ليس هو "علي عبد العال"، الذي يتسم أداؤه بالرعونة، والطيش عند أي كلمة في "الاتجاه المعاكس"، فيتصرف كالذي يتخبطه الشيطان من المس!
كان هادئاً هذه المرة، حتى وهو يسمع إلى آراء القلة المعارضة، بل إنه كان يتدخل لصالح هؤلاء عندما يقوم بعض النواب بالتشويش عليهم، على النحو الذي دفع أنصار نظرية المؤامرة، للقول بأن ما يحدث هو باتفاق لتصدير صورة للخارج، بأن الأمور تدار بشكل ديمقراطي، إلى درجة الاستماع إلى آراء المعارضين، وبعضها كان قوياً ومتماسكا وموجها لشخص السيسي، مثل مرافعة النائب الشاب أحمد طنطاوي!
مرضي المؤامرة
الأزمة التي مرت بها مصر في السنوات الأخيرة، جعلت لدينا مرضى بنظرية المؤامرة، يوشك أحدهم إلى الاعتقاد بأن لقاء والده مع والدته في "الليلة الموعودة" التي أنجباه فيها؛ كان نتاج مؤامرة تستهدف أن يأتي للدنيا ليعش الشقاء ويرى العذاب!
فالخارج ليس مشغولاً بالشكل، وهو لن يحاسب عبد الفتاح السيسي لأنه ديكتاتور يعصف بالرأي الآخر، لكي يدير "عبد العال" الجلسة في هدوء، والخارج في إطاره الدولي لن ينشغل باستبداد السيسي إلا إذا خرج الشعب عليه، وقد ولى الزمن الأمريكي الجميل، الذي كان فيه الرئيس مشغولاً بالديكور الديمقراطي في المحروسة، ففي البيت الأبيض رجل أرعن، يلعب على "المكشوف"، وليست الديمقراطية ولو في بعدها الشكلي مما يشغله بأي درجة!
وقبل هذا وبعده، فإن الغرب يعلم تماماً أن العبث بالدستور، هو لتمكين عبد الفتاح السيسي بالبقاء في السلطة، بالمخالفة لقواعد الديمقراطية التي وضعها الغرب ذاته!
لكن لا بأس، فكل ما يدور حولنا عند قومنا هو نتاج مؤامرة. ألم يكن إعلان الفريق سامي عنان تمثيلية، وإعلان أحمد شفيق الترشح أيضاً تمثيلية، وإعلان العقيد قنصوة المنافسة في الانتخابات الرئاسية مؤامرة كونية، وأن العداء بين السيسي وهشام جنينة جزء من مؤامرة استهدفت الضحك على الذقون.. ذقوننا طبعاً؟ وهي حالة توحي كما لو كان القوم يسيرون في درب الثورة، وأن هدف هذه الدراما هي قطع الطريق على مسارهم الثوري، وهم يهتفون في كل شارع في مصر: "الثورة قايمة والكفاح دوار"!
بعيداً عن نظرية المؤامرة الكونية التي تستهدف العصف بخطط قومنا الجبارة، فإن تمسك "علي عبد العال" بالهدوء، وإفساح المجال للمعارضين للتعديلات الدستورية للحديث في حدود الوقت المقرر، لا بد وأن يكون له باعث آخر. صحيح أن النواب المعارضين للتعديلات قلة (17 عضوا)، لكن في الأجواء الطبيعية فإن "عبد العال"، يرتبك، ويغضب، ويفقد صوابه، لا سيما إذا كان النقد موجهاً لشخص السيسي، كما جاء في اعتراض المعترضين. وقد شاهدنا ما جرى في الجلسة العاصفة الخاصة بالتفريط في التراب الوطني، والسماحة لا تحكم مصر، وقد شاهدنا كيف عملوا على التشهير باثنين من النواب، لمجرد أن اعترضوا على التعديلات الدستورية. وإذا كانت الإدارة الهادئة استهدف بها رسالة للغرب، فالغرب شاهد حملة الإبادة التي قام بها النظام ضد المخرج خالد يوسف، وهي بسبب التعديلات. وخالد ينتمي لسينما التغريب، بمعنى أنه معروف لدى النخبة الثقافية في الخارج الأوروبي!
إذا كانت الإدارة الهادئة استهدف بها رسالة للغرب، فالغرب شاهد حملة الإبادة التي قام بها النظام ضد المخرج خالد يوسف، وهي بسبب التعديلات
الدعاية المضادة، تدور حول أنه قد يعدل عبد الفتاح السيسي الدستور لمن سيأتي بعده، ولن يستفيد هو منه، تماماً كما فعلها السادات، الذي عدل الدستور لتكون فترة الرئاسة مفتوحة بدلاً من دورتين، فلم يكمل دورته الثانية، واستفاد من هذا النص مبارك، الذي لم يكن له في العير ولا في النفير!
الدعاية المضادة، تدور حول أنه قد يعدل عبد الفتاح السيسي الدستور لمن سيأتي بعده، ولن يستفيد هو منه، تماماً كما فعلها السادات
السيسي نفسه لم ينتبه للغم آخر في هذه التعديلات الدستورية، هو الخاص بأن الجيش قيم على الدولة، ومعنى هذا أنه أعطى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، سلطة إزاحته عن الحكم