هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للكاتب ثوماس إردبرينك، يقول فيه إن طهران كانت في حالة فوضى في شباط/ فبراير 1979، فقد خرح الديكتاتور المدعوم من الغرب، محمد رضا بهلوي، المصاب بالسرطان، في أواسط كانون الثاني/ يناير إلى المنفى، تاركا خلفه مجلس وصاية مزعزعا.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن آية الله العظمى روح الله الخميني، عراب الثورة، عاد من منفاه في باريس في الأول من شباط/ فبراير، لافتا إلى أنه في النسخة الإيرانية من "العشرة أيام التي هزت العالم" اشتعلت المظاهرات في الشوارع حتى سقطت الحكومة في 11 شباط/ فبراير.
ويقول إردبرينك إن "الإيرانيين رقصوا فرحا في الشوارع، ولعبوا لعبة القط والفأر مع من تبقى من جنود موالين للحكومة، ومن قناصة يعتلون البنايات، وانضمت العائلات للمظاهرات الشعبية، في الوقت الذي قامت فيه مجموعات من الفيجلانتي بتدمير متاجر الخمر، وقام الناس بتقبيل عمائم رجال الدين الدين الذين قادوا الثورة".
وتلفت الصحيفة إلى أن "الإيرانيين امتلأوا قبل 40 عاما بالفخر والأمل، وتوقعوا مستقبلا أفضل، وحفزت أحلام الحرية والاستقلال عن أمريكا الثوريين، لكن التغيير العظيم المفاجئ يمكنه أن يترك جروحا عميقة تدوم، فكانت هناك عقوبات جلد وإعدام وقطع أيد وسجن بالجملة، ومات آلاف الناس، وغادر مئات الآلاف البلاد، وبعضهم فر بحياته ولم يعد".
ويجد الكاتب أن "ما نتج عن تلك السنوات الدموية الأولى كان ثوريا حقا: جمهورية إسلامية، ودولة دينية مبنية على خيارات أيديولوجية، مستوحاة إلى حد بعيد من آية الله الخميني".
ويعلق إردبرينك قائلا إنه "تم وضع قواعد جديدة لتمنع أي شيء قد يضل الناس ويمنعهم من الوصول إلى الجنة في الآخرة: فكانت هناك قيود صارمة على الإعلام، الذي فصل الإيرانيين عن المؤثرات الغربية، وفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، وفرض الحجاب على النساء، ومنع الكحول والأدوات الموسيقية على التلفاز، وفرض قوانين تمنع النساء من ركوب الدراجات الهوائية، إلى غير ذلك من القوانين التي طبقتها شرطة الآداب وقوات الباسيج شبه العسكرية بكل وحشية".
وتنوه الصحيفة إلى أنه "مع مرور الزمن تحول الحماس الثوري إلى حنين لعيش طبيعي أكثر، وأصبح التفاوض على تلك القوانين ممكنا، ومع أن النظام السياسي لم يتغير كثيرا عن تلك السنوات الأولى، إلا أن المجتمع تغير ببطء، وأحيانا بتدرج بطيء جدا، وهذه التغيرات كانت كبيرة، بحيث أصبحت إيران اليوم أقرب اليوم مما يقدره معظم الأجانب إلى كونها البلد (العادي) الذي يريده الإيرانيون".
ويقول إردبرينك إن "التغيير التراكمي اخذ وقتا ليصل إلى الكتلة الحرجة، عندما زرت إيران لأول مرة بصفتي مراسلا شابا، كان قد مر على الثورة 20 عاما، وكانت البلاد تعيش في صورة الثورة، وكانت البنايات العالية تحمل رسوما معادية لأمريكا، أو صورا للشهداء في الحرب مع العراق ما بين 1980 و1988".
ويضيف الكاتب: "كانت الشوارع المستخدمة ملأى ببحر من السيارات البيضاء المصنعة محليا والمسماة (بايكانز)، وفي حديقة قريبا من المكان الذي استقررت به في النهاية، كان الأولاد والبنات يلتقون سرا على بعض المقاعد المخبئة شيئا ما، بعيدا عن عيون أقاربهم، وأيضا بعيدا عن شرطة الآداب".
ويتذكر إردبرينك قائلا: "في تلك الأيام رأيت إيرانا مختلفة داخل بيوت الناس، حيث كان دخول الباب يعني الدخول إلى واقع مختلف، واقع تختفي فيه القوانين التي تطبق في الشارع بشكل سحري كلها، فكانت هناك قصص وضحك يتبعه رقص للأغاني الشائعة (بوب) الإيرانية، التي يتم تهريبها من لوس أنجلوس، وكان يرافق الموسيقى عادة دق على الطبل، وإن لم يكن الطبل متوفرا فإنه يمكن استخدام طنجرة طبخ بدلا منه، وكان الجميع، محاسبون وصحافيون وأطباء وممرضون، يستمتعون بحفلات خلال عطلة نهاية الأسبوع، مع أنها ممنوعة قانونا".
ويشير الكاتب إلى أن الإيرانيين أصبحوا ممثلين ماهرين، حيث استخدم المخرج الفائز بجوائز، عباس كياروستامي، الذي توفي عام 2016، الناس العاديين بدلا من الممثلين في أفلامه؛ لأن الإيرانيين كانوا معتادين على الانتقال في العيش بين عالمين.
وبحسب الصحيفة، فإنه مع مرور السنين بدأ التغير يخرج إلى خارج البيوت وبدا ملحوظا.
ويقول الكاتب: "عندما قررت زوجتي، التي تعمل مصورة، قبل عدة سنوات أن تضع حلقا في أنفها تم طردها من عملها مباشرة، ففي الوقت الذي كان فيه المحررون يعدون أنفسهم إصلاحيين إلا أنهم اعتبروا وجود حلقة في الأنف أمرا مخزيا وغربيا".
ويستدرك إردبرينك قائلا: "الآن تنتشر حلقات الأنف في كل مكان، وليس غريبا أن ترى امرأة شعرها مصبوغ باللون الزهري تحت غطاء رأسها، بالإضافة إلى أنه لم يعد من غير المألوف أن ترى النساء يقدن الدراجات الهوائية خلال زحمة السير، وهو ما كان يعد في السابق غير مناسب، كما يمكن رؤية النساء يستخدمن الدراجات النارية أيضا".
ويلفت الكاتب إلى أن "التلفزيون الحكومي لا يزال يرفض عرض الأدوات الموسيقية، فهناك عازفو موسيقى في شوارع طهران، وفي يوم من الأيام كنت أرقب شابين، أحدهما يعزف القيثارة، والآخر يدق الطبول، وفجأة ظهرت شابة طويلة ومعها قيثارة وبدأت تشاركهما العزف، وفي بعض الأحيان تقاوم الدولة تلك التحولات، وتقوم ببعض الاعتقالات؛ في محاولة لمنع التغيير، لكن ذلك لا يستمر طويلا، ويبدو الأمر أحيانا وكأنهم استسلموا".
ويجد إردبرينك أن التواصل مع العالم الخارجي -الإنترنت والمحطات الفضائية التي كسرت حاجز العزلة- كان ضروريا لإحداث التغيير.
ويقول الكاتب: "قامت الشرطة في أحد الأيام بمداهمة المبنى الذي أقيم فيه، ودمرت أطباق استقبال المحطات الفضائية على السطح كلها، والوحيد الذي ترك كان الطبق الخاص بي لكوني صحافيا، لأن لدي تصريحا به بصفتي صحافيا، وفي تلك الليلة تجمعت حوالي 20 جارة في غرفة جلوسي لمشاهدة مسلسلهن التركي المفضل، وفي اليوم التالي حصلن جميعهن على أطباق جديدة".
ويضيف إردبرينك أن "الشرطة تخلت عن تلك المعركة أيضا، فهناك الكثير من الأطباق في كل مكان، وبإمكان الايرانيين اليوم مشاهدة أكثر من 200 قناة باللغة الفارسية تبث من الخارج، تعرض كل شيء من متابعة أخبار عائلة كاردشيان، إلى أخبار غير مفلترة، إلى أفلام هوليود".
ويتابع الكاتب قائلا: "مرت فترة كانت فيها رؤية شاب وفتاة يسيران في الشارع ويمسك أحدهما في يد الآخر أمرا مثيرا للانتباه، ولم يكن الناس ينظرون بعين الرضا لمظاهر الحب، خاصة بين غير المتزوجين، لكن اليوم تراهم معا في الحدائق العامة، وتراهم يتعانقون ويقبلون بعضهم".
ويقول إردبرينك: "الآن ومع اقتراب يوم الفالنتاين فإن الشباب يتناقشون حول الهدايا التي سيشترونها في هذه المناسبة لصديقاتهم، ويمكن رؤيتهم يحملون بالونات على شكل قلب، أو لعب دببة كبيرة ويركعون أمام صديقاتهم في الساحات العامة، ويوثقون ذلك في الإعلام الاجتماعي".
ويشير الكاتب إلى أن "تطبيق الـ(أنستغرام) أحدث ثورة في الطريقة التي ينظر فيها الإيرانيون إلى أنفسهم، وكان هذا التطبيق المستخدم لمشاركة الصور قوة دافعة للتغير في بلد كان كل شيء فيها مخبأ، وعندما انتقلت إلى هنا عام 2002، كانت الصور لا تزال تؤخذ باستخدام الأفلام القديمة، وكان علينا أن نكون حذرين؛ لأنه كان يجب تحميض الأفلام في مختبرات، وقد يرى أحد شيئا في الصور قد يتسبب بمشكلات".
ويستدرك إردبرينك قائلا: "لكن عندما أضفت إحدى جاراتي صديقة على التطبيق، فإني رأيت صورها دون غطاء رأس في الحفلات تستمع بوقتها، وتم تكسير الجدران التي فصلت بين الخاص والعام في إيران، ويقوم الإيرانيون باستخدام الشارع الآن كما يحبون".
ويرى الكاتب أن "السياسة في إيران قصة أخرى، فقد كانت هناك ثورة خضراء عام 2009، عندما انتفض الناس احتجاجا على انتخابات مزورة، لكن تم قمع تلك الاحتجاجات بعنف، وبقيت مجموعة الناس الذين يتخذون القرارات ذاتها بشكل كبير على مدى السنوات، بل إنها تضيق".
ويختم إردبرينك مقاله بالقول: "بعد السماح لكثير من المحرمات الاجتماعية بأن تنزلق، فإن زعماء إيران يواجهون معضلة، فهل يبدأون بترجمة التغيرات الاجتماعية إلى قوانين وعادات، أم يتشبثون بمبادئ الثورة التي مر عليها 40 عاما؟".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)