هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت دعوة "الكونغرس" له لإلقاء خطاب حول مستقبل ليبيا، تساؤلات عن دلالة الخطوة الأمريكية غير المتوقعة، وما إذا كانت واشنطن تقاربت أكثر مع الغرب الليبي عبر قيادي سابق في "جماعة الإخوان المسلمين" على حساب البرلمان في الشرق المدعوم من مصر ودول الخليج العربي.
وفيما يتهمه بعض المراقبين للشأن السياسي الليبي بأنه رجل محسوب على "الإخوان المسلمين"، وبأنه يطبق مبدأ "التقية" في إخفاء انتمائه بعد استقالته من "الجماعة"، وبأن هناك "تقاسم أدوار" بينه وبين "الجماعة".
يرى آخرون أن "الجماعة" انقسمت على نفسها في ليبيا، وأصبح هو يمثل تيارا جديدا في المشهد الليبي ينتهج "سياسات إصلاحية" سياسيا واقتصاديا، إضافة إلى ملف المصالحة الوطنية.
خالد المشري، الخبير التكنوقراطي، وأحد المؤسسين لحزب "العدالة والبناء" الذي يقول قادته إنه منفصل إداريا وتنظيميا وماليا عن "الجماعة"، ولد في عام 1967 في مدينة الزاوية غرب طرابلس، ودرس الاقتصاد في جامعة بنغازي في عام 1990، ودبلوم في الدراسات العليا بأكاديمية الدراسات العليا في طرابلس في عام 2004، ودرجة الماجستير من الأكاديمية نفسها في عام 2010.
تقلد سابقا العديد من المناصب الإدارية والسياسية في الحكومة الليبية، ومن بين المناصب التي شغلها: كان المدير العام للهيئة العامة للأوقاف وشؤون الزكاة، ومدير بمركز تنمية الصادرات، ورئيس قسم بالهيئة العامة للتمليك، ورئيس لجنة المراقبة بالشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات.
وتولى خلال الثورة مسؤوليات ومناصب إدارية عدة، فقد كان عضوا مؤسسا للجنة إدارة مدينة الزاوية طيلة مدة الثورة، ورئيس اللجنة الليبية للإغاثة بتونس، ومنسقا عاما للإغاثة بالمنطقة الغربية بليبيا، وشغل مقعدا في المؤتمر الوطني العام، كما كان يشغل عضوية لجنة الأمن القومي.
وتوج مناصبه بانتخابه في نيسان /أبريل الماضي رئيسا لمجلس الدولة في ليبيا بعد حصوله على 64 صوتا من أصل 109 في الجولة الثانية، بينما حصل منافسه الرئيس السابق للمجلس عبد الرحمن السويحلي على 45 صوتا، والمجلس يعد أحد مخرجات اتفاق الصخيرات بالمغرب في عام 2015.
وينص الاتفاق على إنشاء مجلس أعلى للدولة، يكون جسما استشاريا يتولى إبداء الرأي الملزم لحكومة الوفاق الوطني في مشروعات القوانين والقرارات قبل إحالتها لمجلس النواب (برلمان طبرق).
وكان المشري قد قال في وقت سابق إن "المجلس الأعلى للدولة هو وريث للمؤتمر الوطني العام، وهو منتخب من الشعب وتغيرت تسميته بناء على الاتفاق السياسي بالصخيرات، وهو الاتفاق المعترف به من كل المجتمع الدولي بأنه المرجعية الليبية، بما في ذلك الدول دائمة العضوية، حيث يعتبرون هذه المرجعية هي المرجعية السياسية في ليبيا".
ويتصارع على "النفوذ والشرعية" في ليبيا قطبان، الأول حكومة الوفاق في طرابلس والمسنودة بالمجلس الأعلى للدولة، والثاني القوات التي يقودها حفتر والمدعومة من مجلس النواب في شرقي البلاد.
ورأى مراقبون أن انتخاب هيئة رئاسية جديدة للدولة قد يقود إلى تحريك المياه الراكدة في المشهد الليبي والدخول في جولة من مفاوضات جديدة، تحت وصاية الأمم المتحدة، كما قد يعطي هذا الانتخاب دفعا لحزب " العدالة والبناء" الذي يعتبر المشري من أبرز قادته.
ولا يعول المشري كثيرا على مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، غسان سلامة، فهو يرى على سبيل المثال أن "مهمته صعبة"، في ظل الانقسام، "اعتقد أنه تدخل في شيء غير اختصاصه لضرورة يراها في ذلك التدخل". بحسب قوله.
ولا يخفي المشري خلافه المستعصي ومناوأته ومناوشته للواء المتقاعد خليفة حفتر، وكثيرا ما يهاجمه في تصريحاته، فقد سبق له أن وصف مواقف القائد العام للجيش المعين من مجلس النواب حفتر، بـ"السلبية".
وأشار إلى تصريحات حفتر التي هدد فيها بعدم الاعتراف بأي نتائج انتخابات قادمة، وعزمه إجهاضها عسكريا، وتهديده بالهجوم على العاصمة طرابلس، ورفضه مشروع الدستور الذي أنجزته هيئة منتخبة.
واتهم المشري قوات حفتر بتفجير الأوضاع في أكثر من مكان بليبيا، فهو يعتقد أن بعض عناصر "داعش" كانوا في مدينة درنة، وقاتلهم شباب المدينة وأخرجوهم منها، إلا أنهم وصلوا إلى سرت مما يشير إلى "تواطؤ" من قوات حفتر.
ووصف ما تم في درنة بأنه "تصفية حسابات عسكرية"، خاصة أن حفتر جعل كل من يعارضه في "سلة واحدة"، ورفع شعار" الإرهاب" على "كل من في السلة".
ونفى المشري أن يكون كل من يقاتلهم حفتر "إرهابيين"، ولا يعترف المشري أصلا بوجود مؤسسة عسكرية في الشرق بقيادة حفتر بـ"المعنى الحقيقي"، فبحسب رأيه "ما يوجد هي مليشيا مسلحة كبيرة، وأبناء حفتر هم قادة لأكبر هذه الكتائب، كما أن معظم المقربين من حفتر هم أبناء عمومته، وليس حسب الترتيب العسكري، وبالتالي ليست هذه المؤسسة العسكرية التي كان يحلم بها الشعب لحماية أراضيهم".
كما يرفض المشري، أي دور لنجل معمر القذافي، سيف الإسلام قائلا: "ليس نزيها بما يكفي من الناحية القانونية ليترشح للرئاسة".
وقال في تصريحات صحيفة سابقة إن "سيف الإسلام مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وللقضاء الليبي، ومطلوب في أكثر من قضية، والترشح للرئاسة ليس بالأمر الهين حتى يكون شخص مطلوب لجنايات الدولية ونراه يطالب بالترشح لرئاسة".
مع أنه لا ينكر حق شريحة كبيرة من تيار القذافي في العودة للحياة السياسية، فهم بالنسبة له "جزء من التركيبة الليبية، ومن ليس لديه أي قضايا لدى القضاء، أو قضايا أمنية له الحق في العودة للحياة السياسية وليس لنا فيتو على أحد تجاوز قنطرة القضاء".
ويبتعد المشري في منصبه كرئيس لمجلس الدولة، عن أي علاقة تنظيمية بـ"الإخوان"، دون أن يقلل من مكانتهم التي يرى فيها "حركة سلمية، لم تكن يوما من الأيام حركة عنف، بل هي ضحية لعنف الأنظمة طيلة تاريخها".
ويعود وجود "الإخوان" في ليبيا إلى الأربعينيات، حين فر عدد من "إخوان مصر" إلى ليبيا تحت حكم الملك إدريس السنوسي، وسرعان ما بدؤوا بالعمل هناك، وحين تسلم القذافي الحكم شاركوا في حكومته في عدة وزارات، حتى جاء عام 1973 حين اصطدم القذافي معهم ومع غيرهم، واعتقل المئات من المثقفين الليبيين ومن بينهم قادة "الإخوان المسلمين" الذين أُجبروا على الظهور في التلفزيون الليبي وإعلان حل "الجماعة".
لكن الأمور لم تهدأ تماما بين القذافي و"الإخوان" فقد نفذت ضدهم حملات أخرى بعد أن اعتقل نحو 150 من قياداتهم في عام 1999 كان أغلبهم من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين، وحكمت المحكمة بالإعدام على عدد منهم، بينما حكم على آخرين بالسجن المؤبد، كان من ضمنهم المشري.
لكن ما لبث أن أطلق سراح المشري في عام 2006 بعد أن أمضى ست سنوات في السجن، وحين دخلت ليبيا تحت مظلة "الربيع العربي" شارك "الإخوان" في الثورة ضد النظام وكانوا أحد الأطراف الرئيسية في حقبة ما بعد القذافي.
وأقدم المشري بشكل مفاجئ بعد انتخابه رئيسا لمجلس الدولة على الاستقالة من "الجماعة"، ووجه حديثه إلى الشعب الليبي و"الإخوان" قائلا: "أعلن استقالتي وانسحابي من جماعة الإخوان المسلمين، وذلك انطلاقا من المقتضيات الوطنية الفكرية والسياسية، ومن باب الصدع بالقناعة والوضوح مع المواطن الليبي، مع استمراري في العمل السياسي والحزبي".
وبحسب ما كان يتداول داخل أروقة "الإخوان" في ليبيا، فقد انقسمت "الجماعة" بين تيارين رئيسين: الأول هو يوصف بـ"المتشدد" بقيادة علي الصلابي، والثاني هو يطلق عليه "الإصلاحي" بقيادة المشري، وهو الخلاف الذي عبر عنه المشري في لقاء مع صحافي عندما أوضح أنهما ليسا على توافق وهناك اختلافات كبيرة بينهما، وبأنه "لا يدعم المتشددين بأي شكل ولا بأي نوع، مباشر ولا غير مباشر" على حد تعبيره.
واعتبر مراقبون أن غموض المشري في انسحابه من "الجماعة"، وفي الوقت ذاته تمسكه بالعمل السياسي، جاء من أجل خوض الانتخابات، لأن القاعدة الشعبية المؤيدة للمشري في معظمها من "الإخوان"، وهو لا يريد خسارة رهاناته وأحلامه السياسية بعيدا عن "الجماعة" ومؤيديها، وشكك البعض باستقالته معتبرينها "مراوغة" سياسية كي يترشح للرئاسة مستقبلا.
يهاجم المشري بشكل حاد كل من الإمارات ومصر لدورهما في الأزمة السياسية في البلاد، وفي خطاب له في "الكونغرس" الأمريكي الأسبوع الماضي، طالب الولايات المتحدة بالمساعدة في ما وصفه بـ"الحد من التدخلات الدولية في الشأن الليبي".
واعتبر أن لدى الإمارات ومصر "مصلحة في تعطيل الحياة الديمقراطية في ليبيا"، مشددا في الوقت ذاته على أهمية مساعدة ليبيا في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية "على أساس دستوري لضمان حل الأزمة وتحقيق الاستقرار في البلاد".
وجاءت دعوة "المشري" للزيارة وإلقاء الخطابات في "واشنطن" وحضور حفل إفطار مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، بعد حملة "تشويه" تعرض لها، خاصة بعد إعلان استقالته نهائيا من "الجماعة". فيما يقول مقربون منه إن ترتيبات زيارة المشري كانت منذ مدة، وأنه لا علاقة لهذه الزيارة باستقالة المشري من "الإخوان" كون الدعوة والتنسيق سبق قرار الاستقالة.
وطرحت الزيارة والخطابات للمشري تساؤلات من قبيل: هل بدأ التقارب الأمريكي بقوة مع خصوم الإمارات ومصر، وهل لهذه الخطوة علاقة باستقالته من "الإخوان" ومن ثم الرهان عليه كمرشح رئاسي محتمل ومقبول من واشنطن والمجتمع الدولي؟
وهل محاولة بعض أعضاء من البرلمان الليبي إصدار قرار بحظر "جماعة الإخوان" في ليبيا وتجريم من ينضم إليها، مناكفة سياسية، وخطوة صبيانية لن يكتب لها النجاح، خصوصا وأن "الإخوان" جزء من المكونات الليبية التي تعترف بها الأمم المتحدة وجميع الاتفاقيات الموقعة لإيجاد حل سياسي في البلاد؟