هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "أوبزيرفر" مقالا للكاتب سايمون تيسدال، يتساءل فيه عن سبب تراجع القيادة الأمريكية في العالم، وعن مدى صحة القول إن النزعة الأمريكية القديمة الجديدة للابتعاد عن مشكلات العالم باتت حقيقية، خاصة أن الأمريكيين عارضوا مشاركة بلادهم في الحربين العالميتين.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "النزعة نحو العزلة مغروسة في النفسية الأمريكية، بدرجة تجعل من دعوة الرئيس دونالد ترامب لفك ارتباط بلاده مع العالم، تحت شعار (أمريكا أولا)، التمظهر الأخير من إبعاد أمريكا عن (الحروب الخارجية)، التي حذر منها الرئيس جورج واشنطن في خطاب الوداع الذي ألقاه في عام 1796".
ويشير تيسدال إلى أن "الحنين للعزلة يتناقض مع القوة الأمريكية والرغبة الوطنية لإظهار القوة، واستعراضها على الساحة العالمية، ونشر القيم الأمريكية ومصالحها من خلال قيادة العالم".
ويفيد الكاتب بأن "هذه الرغبة وصلت إلى ذروتها في تسعينيات القرن الماضي، عندما انفجر المنافس الحقيقي لها وتفكك، أي الاتحاد السوفييتي، بدرجة منح الولايات المتحدة راية القيادة للعالم ودون منافس".
ويقول تيسدال: "من خلال نظرة سريعة لصعود الصين فإنه يعطي فكرة أن حس قيادة العالم كان غير دقيق، وربما لأن الولايات المتحدة تواجه منافسا حقيقيا فإنها تقوم، وبطريقة مجازية، بالتراجع وتعيد دفة العربة نحو مربطها في الداخل، ويرمز لهذا إعلان ترامب الأسبوع الماضي عن الدرع الصاروخي، وإصراره على بناء جدار مع المكسيك".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم هذا كله، فإن الحس القديم والرغبة في القيادة لا يزالان قائمين، وهو ما كشفت عنه زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى المنطقة الأسبوع الماضي، التي جاءت على خلفية إعلان الرئيس ترامب سحب قواته من سوريا، ويخشى السعوديون، ولهم أسبابهم، من أن الانسحاب هو مقدمة لفك ارتباط أمريكا بالمنطقة، والرئيس ترامب صريح في كلامه بترك ساحات حرب لا يمكن الانتصار فيها في الشرق الأوسط وأفغانستان".
ويبين تيسدال أن الإشارات التي قدمها بومبيو متناقضة مع سياسة الرئيس المعلنة، ففي خطابه في القاهرة صور أمريكا بأنها قوة للخير، ومستعدة للوقوف إلى جانب شركائها، خاصة في مواجهة إيران، مشيرا إلى أن المحلل دانيال ديبترس لاحظ أن "تعليقات بومبيو حافلة بالحكايات والبلاغة المبهرة، التي لا تعجب إلا الذين ينادون بالخصوصية الأمريكية"، وبمعنى آخر فإن "باكس أمريكانا" على قيد الحياة بل أنها منتعشة.
ويجد الكاتب أن "هذا التناقض بين دعوة الرئيس وتصريحات وزيره من السهل ملاحظته من خلال الدور الذي أدته أمريكا في تغذية وتجاهل الحرب في اليمن، ولم يثر الانتباه لدعم ترامب للحرب المدمرة هناك سوى مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وعلق بومبيو قائلا إن الولايات المتحدة ستتدخل عندما تشعر أن مصالحها مهددة، وقدم دعما متأخرا للعملية التي تقودها الأمم المتحدة".
ويرى تيسدال أن "تراجع الضغط عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المتهم بتوجيه قتل خاشقجي، يظهر الاضطراب الإجمالي بشكل أوضح، فمحادثات السلام اليمنية تقترب من الانهيار، واندلعت اشتباكات جديدة بين الأطراف المتنازعة، ويواجه المدنيون مخاطر، وأمريكا تقف متفرجة على الوضع، وتلقي اللوم على إيران، تاركة المهمة لبريطانيا لتقدم مشروع قرار في الأمم المتحدة".
ويقول الكاتب: "ليس أوضح من سياسة الكيل بمكيالين المنافقة من موقف الإدارة من العملية السلمية بين إسرائيل وفلسطين، فلطالما تباهى ترامب أن لديه الحل الشافي للأزمة المندلعة منذ 70 عاما، إلا أنه حول المهمة لصهره ومستشاره جارد كوشنر، الذي يفتقد الخبرات الدبلوماسية وحل النزاعات، وأشار السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون إلى أن الخطة التي طال انتظارها سيعلن عنها هذا الشهر، إلا أن الصمت يحوم حولها".
ويلفت تيسدال إلى أن "هناك شكوكا بأن الجهود الجديدة الحيادية لحل الأزمة ما هي إلا غطاء لإخفاء لامبالاة ترامب، فالسياسة الأمريكية خلال العامين قامت على منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما يريد، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، والسماح له بحرية الحركة، وضرب سوريا حسبما يريد، وفي الوقت ذاته تواجه غزة أزمة صحية ومشكلات تمويل وأمن، بحيث أصبح المأزق مميتا".
ويعتقد الكاتب أن "لامسؤولية ولا مبالاة وعدم تناسق أفعال الرئيس ظللت الازداوحية العميقة في السياسة الأمريكية، فتحدث بعاطفية ضد ضربات الكيماوي التي شنها بشار الأسد ضد مواطنيه، وعاقبه بعدد من صواريخ كروز، لكنها كانت مرة واحدة، فالانسحاب من العراق وسوريا، ونهاية الحرب على تنظيم الدولة تقترب من نهايتها".
ويختم تيسدال مقاله بالقول إن "كلام الرئيس المزدوج المنافق لا ينحصر في الشرق الأوسط، ففي نهاية الأسبوع أعلن عن قمة ثانية بين الرئيس صاحب الأنا المتضخمة والرئيس الكوري الشمالي، رغم عدم حصول تقدم ملحوظ في قضايا تنظيف كوريا الشمالية من برامجها النووية، ويزعم الرئيس أن القمة التي عقدها العام الماضي في سنغافورة حققت نجاحا، لكن وفي الأحوال كلها فإن ما يصدر عن الرئيس كلام وليس أفعالا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)