هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد قضاة وقانونيون أن مشروع القانون الذي قدمه رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري، اللواء علاء عابد، بأن يُستبدل بالحبس الاحتياطي الخدمة في المشروعات الحكومية دون مقابل للمدة ذاتها المساوية للعقوبة، يمثل جهلا واضحا بالقانون والدستور، ويفضح تفكير النظام الحاكم في إعادة نظام السخرة مرة أخرى لخدمة أهدافه الخاصة.
ويوضح الخبراء أن الحبس الاحتياطي ليس عقوبة، وإنما هو إجراء احترازي تستخدمه سلطات التحقيق للحفاظ على الأدلة المتعلقة بقضية ما، أو الخوف من هروب المتهم، وبالتالي تستخدم الحبس الاحتياطي كإجراء احترازي؛ حتى تفصل المحكمة المختصة في الاتهام الموجه له، إما بالإدانة أو إطلاق السراح وغلق القضية.
ووفقا للخبراء الذين تحدثوا لـ"عربي21"، فإن رئيس لجنة حقوق الإنسان، الذي عمل لفترة طويلة ضابطا بجهاز أمن الدولة في عهد مبارك، يجهل أبسط أسس التشريع، ولم يعرف الفرق بين الحبس الاحتياطي وباقي العقوبات السالبة للحرية.
وينص مشروع القانون الذي قدمه عابد للبرلمان على وضع عقوبات بديلة للحبس الاحتياطي، تتضمن الخدمة في المشروعات الحكومية دون مقابل لمدة مساوية لمدة العقوبة، وإلزام المحكوم عليه بعدم مغادرة محل إقامة مُحدد، وحظر ارتياد أماكن محددة، واستمرار الالتزام بالحضور لمركز الشرطة التابع له يومياً.
ومنح عابد في المذكرة التنفيذية للقانون المقترح الحق للسجون في طلب استبدال عقوبة المحبوس احتياطياً إحدى العقوبات البديلة، فضلاً عن فرض عقوبة الحبس والغرامة على المتهربين من تنفيذ العقوبات البديلة، والعقوبة ذاتها لكل من ساعد شخصاً على الهرب من تنفيذها.
تجميل القمع
وفي تعليقه على مشروع القانون، أكد عضو جبهة استقلال القضاة، المستشار محمد سليمان، لـ"عربي21"، أن القانون المقترح يحاول إيجاد حل للتكدس الموجود بالسجون المصرية نتيجة التوسع في اعتقال معارضي النظام الحالي بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013.
ويشير سليمان إلى أنه رغم بناء أكثر من 9 سجون مركزية والعديد من مراكز الاحتجاز التي تتسع لعدة آلاف، فإن أعداد المعتقلين في زيادة مستمرة، وبالتالي فإن القانون محاولة للبحث عن بدائل للخروج من هذا المأزق في ظل متابعة العالم لما يحدث بمصر من انتهاكات لحقوق الإنسان.
وحسب وصف سليمان، فإن المشروع المقترح محاولة لتجميل القمع، حيث يسعى البرلمان لتجميل صورة النظام السياسي بالإيحاء بأنه يقوم بخفض أعداد المحبوسين، وتوفير تكاليف العمالة بالمشروعات الحكومية، ولكنه في الحقيقة مشروع قانون لتقنين السخرة في أبشع صورها، كما أنه محاولة من السيسي لإذلال معارضيه الذين يمثلون النسبة الأكبر من المحبوسين احتياطيا.
جهل وفوضى
ويضيف الحقوقي والمدير التنفيذي لمنظمة السلام لحماية حقوق الإنسان بجنيف، علاء عبد المنصف، لـ"عربي21"، أن الأصل في القاعدة القانونية أن تكون عامة ومجردة، وتؤسس لوضع قانوني محايد غير مرتبط بحدث سياسي؛ لأنه يتم وضعها في ظل دستور من المفترض أنه ينظم الحريات والحقوق العامة والخاصة للمواطنين.
ويشير عبد المنصف إلى أن "برلمان عبد العال" يستخدم السلطة التي منحها له الدستور، لتنفيذ أجندة سياسية محددة لخدمة أهداف السيسي، من خلال لي النصوص القانونية لخدمة أجندة النظام وسلطته التنفيذية والقمعية.
ويوضح عبد المنصف أن المسؤول البرلماني الذي قدم مشروع القانون الكارثي وقع في خطأ دستوري، يمكن وصفه في أحسن الأحوال بالساذج، حيث تعامل مع الحبس الاحتياطي باعتباره عقوبة جنائية، بينما هو وفقا للدستور ولقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية أداة وليس عقوبة، ولا يجوز دستوريا أن تتحول الأداة لعقوبة.
وحسب رأي المدير التنفيذي لمنظمة السلام لحماية حقوق الإنسان، فإن هناك قوانين بعدد من الدول أقرت فكرة استبدالها بالعقوبة أمرا آخر مثل الأشغال، وهو ليس موجودا في القانون المصري الذي ألغى عقوبة الأشغال الشاقة. لكن عندما يتعلق الحديث عن الحبس الاحتياطي، فإن الأمر يكون مختلفا باعتبار أنه أداة وليس عقوبة؛ لأن من يتم حبسه احتياطيا هو في نظر القانون بريء حتى يتم الحكم عليه، كما أن تعديلات قانون الإجراءات الجنائية لعام 2008 قننت بعض القواعد التي يمكن أن تستخدم كبدائل للحبس الاحتياطي، مثل التدابير الاحترازية، والمنع من السفر، وتحديد الإقامة.
ويشير عبد المنصف إلى أن الحبس الاحتياطي تحول في مصر من أداة قانونية منحها القانون للنيابة العامة وجهات التحقيق لعقوبة جائرة، حيث تشهد مصر آلاف المتهمين الذين يتم حبسهم احتياطيا لمدة ثلاث أو أربع سنوات، وهم رهن التحقيق ودون محاكمة أو عقوبة، وكثير منهم يحصل بعد هذه المدة على قرار بإخلاء سبيله، فكيف يتم إذن احتساب هذه الفترة التي تم فيها حبسه احتياطيا.
ويؤكد عبد المنصف أن السلطات المصرية في ظل إلغاء أوامر الاعتقال المباشر أصبحت تتوسع في الحبس الاحتياطي كعقوبة للسياسيين تحديدا، وما يجري الآن هو محاولة من مجلس النواب لتفنينه كعقوبة بطرح مشروعات قوانين وهمية وقمعية تعبر عن حالة التهريج والفوضى التشريعية للبرلمان الملاكي لعبد الفتاح السيسي.