يشهد سوق
الدراما في
مصر في الفترة
الأخيرة خطة لإعادة هيكلته، تبنتها شركات الإنتاج والقنوات التلفزيونية المملوكة
للأجهزة الأمنية، تتضمن تقليل أعداد المسلسلات التي يتم إنتاجها وتخفيض أجور
أبطالها بشكل كبير يصل إلى 75%، ووضع سقف محدد لسعر بيعها للقنوات التلفزيونية،
إضافة إلى تناول موضوعات ترضي النظام.
وأبدت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام
ترحيبا شديدا بهذه الخطة للسيطرة على صناعة الدراما، التي تعد الصناعة الفنية
الأهم والأضخم في مصر من الناحية الاقتصادية والفنية، وشنت حملة لمهاجمة كل من
يرفض هذه القرارات.
وكان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي
أعرب في حزيران/ يونيو 2017 عن عدم رضاه عن محتوى المسلسلات المصرية ورغبته في
تقويمها، الأمر الذي تحول، بحسب مراقبين، إلى خطة للسيطرة على سوق الدراما
بالكامل، بدأ بتدخل الأجهزة الأمنية في سيناريوهات المسلسلات العام الماضي، الذي
شهد كما كبيرا من الأعمال التي تمجد ضباط الجيش والشرطة.
خطة للاحتكار
لكن الأجهزة الأمنية زادت من إجراءاتها
هذا العام، حيث وضعت خطة لاحتكار الأعمال الدرامية، في مجال الإنتاج والعرض، عبر
جناحيها الرئيسيين في مجال الإعلام المصري.
وبحسب بيانات رسمية وتقارير إعلامية،
فإن هذين الجناحين هما شركة "إعلام المصريين"، التي تملكها شركة
"إيجل كابيتال" التابعة للمخابرات العامة بشكل مباشر، وتملك بدورها
قنوات "أون تي في" و"الحياة" وحصة في قنوات "CBC"، وشركة "سينرجي" للإنتاج
الدرامي" و"مصر للسينما" للإنتاج السينمائي.
أما الجناح الثاني فهو شركة "دي
ميديا" التابعة للمخابرات الحربية، التي تملك قنوات "دي إم سي"
وقناة "الناس".
ويتوقع مراقبون أن يشهد موسم رمضان
المقبل 18 مسلسلا فقط، أغلبها سيكون من إنتاج شركة "سينرجي"، بينما كان
رمضان في السنوات الماضية يشهد عرض 50 مسلسلا تقريبا تنتجها شركات متنافسة وتعرض
على العديد من القنوات.
شكوى وإحباط
وأثار هذا الوضع الجديد حالة من الجدل
والغضب بين صناع الدراما، الذين حذروا من توقف الصناعة تماما في مصر إذا استمرت
هذه القرارات السلبية.
وفي هذا الإطار، قالت المخرجة كاملة
أبو ذكري إنه "إذا لم تتوقف هذه الإجراءات، فإن الأزمة ستهدد آلاف العاملين في صناعة الدراما".
وقالت الممثلة غادة عبد الرازق، إنها
تلقت تهديدات واضحة بمنعها من العمل بسبب أجرها المرتفع، مشيرة إلى أنها علمت أن
الجهة التي تقف وراء هذا الأمر "تابعة للقوات المسلحة".
وكشف المخرج كريم مدحت، أن
"القرارات الجديدة تقضي بعدم بيع المسلسل لأكثر من قناة، وأن كل قناة ستشتري
4 فقط، ولا تتعدى قيمة العمل الواحد 50 مليون جنيه".
أما المخرج يسري نصر الله فقال، إن
"
الاحتكار في السينما والدراما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة"، مضيفا: أن
"أخطر ما يمكن أن يحدث للفن، هو أن يتحول لإعلام موجه".
تعليمات فوقية
وتعليقا على هذه الخطة،
قال الناقد الفني عادل خير الله، إن الأوامر والتعليمات الفوقية لا يمكنها أبدا أن
تدير الفن والإبداع، مشيرا إلى أن سوق الدراما يخضع لقانون العرض والطلب، ويتمتع
بالمرونة الكافية لتحديد ما يحتاجه وما يرفضه.
وحذر خير الله، في
تصريحات لـ"
عربي21"، من أن هذه القرارات والضغوط التي تمارس على
المبدعين وصناع الدراما في مصر ستؤدي إلى نتائج عكسية، متوقعا أن تتسبب في هروب
المبدعين إلى الشركات والقنوات الخليجية، للهروب من القيود المادية والفكرية
المفروضة على الفن في مصر، في تكرار لما حدث في أعقاب نكسة 1967 حينما توقفت صناعة
السينما في مصر، وانتقل صناعها إلى العمل في لبنان وتركيا.
ووصف خير الله الاجتماع
الذي عقدته هذه الشركات مع المؤلفين للاتفاق معهم على سيناريوهات الأعمال التي يتم
تأليفها لموسم رمضان المقبل، بأنه "أمر غريب وغير مسبوق ويعد تدخلا وتقييدا لخيال المؤلفين، ويؤدي إلى قتل الإبداع"، مشددا على أنه "لو أردنا أن تظل مصر
مؤثرة في محيطها العربي، فلا بد من إطلاق العنان لفنانيها حتى يستمروا في الإبداع،
وإلا فإن مصر ستفقد أحد أهم عناصر قوتها الناعمة".
الفن لا يمكن احتكاره
من جانبه قال الخبير
الإعلامي أحمد الهلباوي، إن جميع وسائل الإبداع والتعبير عن الرأي في مصر تتعرض
لضغوط كبيرة في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن الجهات التي تقف وراء هذه الخطوة
تريد السيطرة على الفن والإبداع كما سيطرت على الإعلام والصحافة.
وحول امتلاك شركات
الإنتاج للقنوات الفضائية التي يتم عرض المسلسلات التلفزيونية بها، أكد الهلباوي لـ"
عربي21"،
أن هذا الوضع يعد احتكارا يجرمه القانون، لافتا إلى أنه في ثلاثينيات القرن الماضي، كانت شركات الإنتاج السينمائي في الولايات المتحدة هي التي تقوم بتوزيع الأفلام،
لكن المحكمة الفيدرالية قضت بأن هذا الأمر يعد احتكارا يضر بصناعة السينما
الأمريكية وأمرت بالفصل بين النشاطين.
وأكد أن هذه الخطة لن
تنجح وأن الجهة التي تقف وراءها لن تتمكن من فرض إرادتها على الوسط الفني،
مشددا على أن الفن ليس سلعة يمكن احتكارها أو التحكم فيها كما يعتقدون.