ما زالت تبعات
الشهادة التي أدلى بها الرئيس المصري المخلوع محمد حسني
مبارك ضد الدكتور محمد
مرسي، أول رئيس منتخب في تاريخ
مصر، وقيادات جماعة الإخوان المُتهمين في ما يسمى بالقضية الخاصة باقتحام الحدود الشرقية، وما يتصل بها من اقتحام السجون، وقتل عدد من المجني عليهم والشروع فى قتل آخرين، فضلا عن إتلاف منشآت وسرقة بالإكراه إبان ثورة يناير 2011م، ما زالت تبعات الشهادة تشغل بال كثير من المصريين وعلى رأسهم المهتمون بالسياسة، حتى أطلق البعض عليها "شهادة القرن"، على غرار اللقب السابق الذي أُطلقَ على محاكمة المخلوع مبارك نفسه بداية من أوائل آب/ أغسطس 2011م، وهي القضية التي انتهت إلى لا شيء، إن لم يكن تكريم مبارك وحمايته بواسطة النظام الحالي.
غير أن حكما صدر لاحقا بحق مبارك ونجليه في 18 من كانون الثاني/ يناير 2016م في قضية الاستيلاء على أموال القصور الرئاسية، وهو الحكم النهائي البات كان من المفترض - برأي البعض - أن يخل بالشرف والأمانة الخاصة بالمخلوع ونجليه، ومن ثم بإمكانية شهادته أمام الدائرة 11 للإرهاب ضد الدكتور مرسي وقيادات الإخوان. وهو ما لم يحدث على أرض الواقع، إذ شهد المخلوع بالفعل على أول رئيس منتخب بفعل
الثورة.
أما أهم ما في الأمر من وجهة نظرنا، فهو أن النظام الانقلابي في مصر لم يعد يشعر بأن الأمر استتب له على أرض الواقع، بل ما هو أكثر من أن محاولة الثورة المصرية في 2011م باتت في حكم الموؤودة أو المنخنقة أو الموقوذة أو ما أكل السبع.. أو هكذا يُخيّل الواقع لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي والمقربين إليه.
ولتسرب الشعور الماضي لأنفس المستولين على الحكم في مصر حتى اليوم، الذين يواصلون حكمها منذ 3 تموز/ يوليو وحتى اليوم بالحديد والنار ونزيف دماء المناهضين والمعارضين للحكم، ولتمكن الشعور بالزهو من أنفس حكام مصر اليوم، سمحوا للرئيس المخلوع بأن يحاسب الثوار والثورة، بمعنى أن حسني مبارك الذي قامت ضده محاولة ثورة شعبية أزكاها الجيش من أجل التخلص من حكمه الذي طال لقرابة ثلاثين عاما، مع احتمالية قوية لحكم ابنه المدني جمال من بعده، أي إن الجيش الذي تدخل في بداية محاولة الثورة لنصرة الثوار ضد مبارك ونجله، ثم استولى قائده السيسي على الحكم في مصر بعد أن عادى مبارك ونجله بقوة، عاد اليوم ليستنصر بهم ويستقوي لوأد محاولة الثورة كاملة - من وجهة نظره - بخاصة قبل الذكرى الثامنة لمحاولة الثورة في 25 من كانون الثاني/ يناير المقبل.
وأعداء الأمس (مبارك - جمال - السيسي) يظهرون أمام الجميع اليوم كحلفاء، فيُسمح له، بل ربما أمر النظام الحالي مبارك ونجليه بالذهاب إلى المحكمة للشهادة ضد مرسي، الممثل لقمة محاولة الثورة المصرية.
أما كون الثورة محاولة، فهو ما يشهد به الواقع والتوازنات التي أجاد أعداؤها العبث بها حتى وصلت إلى طريق مسدود أو شبه ذلك اليوم. أما تكتل الأعداء على هذا النحو والمثال العبثي، فإنما يشي ويُظهر من طرف خفي، أن القوم الحاكمين اليوم، والحاكمين فترة ما قبل الثورة، قلقون من إمكانية استيقاظ المارد الثوري وبعثه من أسفل الرماد لاستكمال المحاولة الثورية العميقة، والتغيير من أسفل الرماد وإزاحتهم عن المشهد إلى ما لا نهاية.
والقوم لا ينتظرون استيقاظ المارد الثوري بحال من الأحوال، وإنما يعمدون بحسب ما يستطيعون، أو حتى بسيناريو بالغ العبثية، إلى اللعب بالأطراف التي يملكونها، ولو كانوا أعداء الأمس، في سبيل إصابة ثوار الأمس بمزيد من اليأس والإحباط.
أما المخلوع حسني مبارك ومن يعتبون عليه إن يقف مثل هذا الموقف بعدما تعدى عمره التسعين، فإن الرجل من الأساس لا ضمير لديه يمكن بعثه أو كرامة، أو حتى نزع من الحرية ولو يسير، وقد دمر مصر بصورة ممنهجة لمدة قرابة ثلاثين عاما، وقبل ويقبل في سبيل حماية نفسه وابنيه؛ الدناءة في المعاملة والدنية وسفاسف الأمور. أما السن فلا اعتبار له ولا تقدير لديه، فها هو يقف بلا ذرة من حياء أو حزن أو حتى رثاء للنفس، ليقول إنه يريد إذنا من رئيس الجمهورية الحالي ليقول ما لديه وإلا لذهب لمكان آخر قاصدا السجن. وهكذا، يمضي الرجل على طريق "ولتجدنهم أحرص الناس على حياة"، بثقة وطمأنينة منقطعة المثال والنظير إلا في الخونة وأمثالهم. نسأل الله السلامة.
أما الدرس الأبرز من جميع ما سبق، فهو باختصار أنه حان الحين وآن الأوان لكي تلتف المعارضة المصرية من المخلصين والشرفاء من جميع التيارات، في الداخل أو الغربة القسرية. آن الحين ليلتحم الجميع محاولين التغاضي ونسيان ما بينهم من خلافات ومواقف سابقة؛ إذ ليس من الطبيعي أو المنطقي أن يتوحد أعداء الأمس عليهم ويقفوا صفا واحدا من مبارك والسيسي ومَنْ وراءهما، فيما المعارضة المصرية مشتتة موزعة لا تكاد يستقر لها كيان واحد.
وليتذكر الجميع عظم المسؤولية الملقاة عليهم، وعظيم الموقف والمأساة الحاليةـ،وعظيم المأساة التي يحياها المسجونون والمحكوم عليهم، بخاصة بالإعدام، وأسرهم المشردة وأسر المطاردين، بالإضافة إلى المصابين.
مئات الآلاف من المصريين مضارين هنا وهناك، لا يكاد يقر لهم قرار ولا مقام. بالإضافة إلى العالم العربي والإسلامي الذي ينتظر إفاقة مصر وعودة محاولة ثورتها إلى الاستكمال.
أعان الله الجميع ووفقهم لما فيه الخير والرشاد.