هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت دراسة حديثة نشرها معهد "كارنيغي" للشرق الأوسط إن هناك صراعا محتدما بين قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي والأزهر حول "قيادة أخلاق المصريين".
وبدأ الشرخ بين الأزهر والسيسي عام 2013 عندما أصدر شيخ الأزهر أحمد الطيب بيانا رفض فيه فض اعتصام رابعة بالقوة وتبرأ من إراقة الدماء، مطالبا الجميع بعدم إقحام الأزهر في الصراع السياسي!.
ومنذ تولي السيسي السلطة رسميا في 2014 لم يدع مناسبة دينية إلا وانتقد الأزهر محملا إياه المسؤولية على انتشار التطرف بسبب عدم تجديده الخطاب الديني، إلا أن الأزهر تصدى لهذا الهجمة، بحسب مراقبين، بتأكيده على ثوابت التراث الإسلامي ورفضه المساس بها بحجة تجديد الخطاب الديني.
"فشل في إخضاع الأزهر"
وأشارت الدراسة، التي أعدها "ناثان براون"، ونشرت قبل أسبوعين، إلى تكرار الصدام بين السيسي والشيخ أحمد الطيب، خلال السنوات الماضية، حول العديد من القضايا بدأت بمسألة الطلاق الشفوي، وانتهت بمدى حجية السنة النبوية!.
وأضاف الكاتب أن السيسي يخوض معركة مع الطيب في إطار سعيه إلى تعزيز سيطرته على مؤسسات الدولة والمجتمع المصري بأكمله، مشيرا إلى أن جميع المؤسسات أصبحت تحت سيطرة الرئاسة الأجهزة الأمنية، وتم تدجين جميع الشخصيات السياسية والعامة، لكن الأزهر هو الجهة الوحيدة التي احتفظت بصوت مستقل نسبيا حتى الآن.
اقرأ أيضا: ما سر زيارة شيخ الأزهر إلى السعودية؟ (شاهد )
وأشار إلى أن النظام فشل في انتزاع القيادة الدينية من أيدي الأزهر، ويبدو أنه، من الآن فصاعدا، سيضطر للتراجع عن محاولات إخضاعه لأنه لا يستطيع أن يهاجمه بشكل مباشر، بسبب الاحترام والتقدير الواسعين الذين يحظى بهم الأزهر في مصر وسائر العالم الإسلامي.
وأوضح أن استقلالية الأزهر تعتمد على عوامل أخرى بجانب قيادة الطيب، فشيخ الأزهر لديه دوائر دعم تشمل ملايين الخريجين من المؤسسات الأزهرية التعليمية، وأعضاء الطرق الصوفية وقبائل الصعيد المرتبطة به، والمصريين المتدينين الرافضين للنظام.
صلابة واضحة
وخلال عام 2018 أبدى الأزهر صلابة واضحة في موقفه وعزز من صموده في وجه هذا الهجوم، بحسب مراقبين، بل ونجح في توسيع دوره المؤثر في المجتمع المصري دينيا واجتماعيا، عبر مبادرات وحملات لمواجهة الظواهر السلبية والانفلات الأخلاقي في المجتمع المصري.
وأصدر الأزهر مبادرات لمواجهة التحرش وتزايد حالات الطلاق والتفكك الأسري، بالإضافة إلى إعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، يجمع لأول مرة، أحكام الأحوال الشخصية والأسرة الموزعة على عدة قوانين، في قانون موحد يتسم بالشمولية والتجانس.
كما نظم الأزهر عشرات الجولات الميدانية بالمحافظات لتقديم التوجيهات والنصائح والرد على أسئلة وفتاوى المواطنين في أماكن تجمعاتهم بالمقاهي والنوادي الرياضية وأماكن أعمالهم.
الأزهر خرج عن صمته
وفي هذا السياق قال الدكتور جمال عبد الحليم أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر إن الله أفاء على الأزهر وانطلق أخيرا من عقاله وخرج من صمته القديم المتوارث منذ خمسينات القرن الماضي الذي سجنه فيه حكام متعاقبون لا يريدون له الخير، وبدأ يمارس حضوره المجتمعي على المستويين الداخلي والخارجي.
وأضاف عبد الحليم، في تصريحات لـ "عربي21" أنه على الرغم من أن هذه الخطوة تعد أمرا محمودا طالب به الملايين من أبناء ومحبي الأزهر طوال العقود الماضية، إلا أننا نذكره بأن المبادرات أو المشاركات المجتمعية ليست كافية بل عليه القيام بتأصيل هذه المفاهيم والمعاني النبيلة في وجدان الشعب المصري.
وأوضح أن عمل ورسالة الأزهر التي وجد من أجلها هو إدخال تلك المبادئ والسياسات التي تضمنتها المبادرات والحملات الإعلامية في صلب مقررات الدراسة في المعاهد والكليات الأزهرية المختلفة.
اقرأ أيضا: كيف انتصر شيخ الأزهر على السيسي في صدامات 2018؟
وتابع أن هناك آلاف الرسائل الأكاديمية تم مناقشتها وحصل أصحابها على درجات علمية سواء داخل الأزهر أو خارجه لكن المبادئ التي تضمنتها تلك الرسائل لم يتم توظيفها أكاديميا في مناهج التعليم بالأزهر، ولم يتم توصيلها بشكل كافٍ إلى المجتمع، مشيرا إلى أن هناك من أبناء الأزهر، وأنا منهم، من
ينادون بتطوير المناهج التعليمية القديمة في الأزهر والتي مر على بعضها مئات السنين ولم تعد تناسب متغيرات العصر الحالي، مع الحفاظ على الثوابت والمعتقدات التي لا تتغير بمرور الزمن.
وحول الهجوم الذي يشنه ببعض المسؤولين في النظام ومعهم العديد من الليبراليين والعلمانيين على الأزهر الشريف، قال الدكتور جمال عبد الحليم إن الأزهر صمد "إلى حد ما" حتى الآن في تلك المواجهة، بل ونجح في ترسيخ أقدامه بشكل واضح في المجتمع المصري الإسلامي خلال العامين الأخيرين، لكن الأزهر ما زال يحتاج إلى جهد كل محب وغيور على الإسلام للوقوف معه في وجه من يريدون تحويله إلى مؤسسة محلية تنفذ ما تؤمر به دون نقاش.
وأضاف أن الأزهر يجب أن يتحرر من مركزيته الشديدة التي يتحرك بها، فليس من المناسب أن تبدأ جميع القرارات والسياسات والمواقف من شيخ الأزهر شخصيا، بوصفه رأس المؤسسة الدينية، بل يجب أن تُمنح الهيئات التابعة للأزهر، مثل هيئة كبار العلماء ولجنة الفتوى وجامعة الأزهر كغيرها، المزيد من الحرية والصلاحيات للمشاركة في هذا الأمر عبر منظومة متناغمة، بحيث يضع شيخ الأزهر الخطوط العريضة والاستراتيجيات فيما تتولى تلك الهيئات القيام بدورها المنوط بها.