أفردت الصحافة العبرية
الخميس، مساحة واسعة للحديث عن قرار الإدارة الأمريكية سحب قواتها من
سوريا،
وتداعيات ذلك على مختلف القوى الفاعلة في سوريا، وفي مقدمتها "إسرائيل".
"يديعوت"
وأوضحت صحيفة
"يديعوت أحرنوت" في افتتاحيتها اليوم التي كتبها شمعون شيفر، أن إعلان
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سحب قواته من سوريا، يشكل "انعطافة خطيرة في
مكانة إسرائيل بالمنطقة"، مرجعة ذلك إلى أن "هذا القرار المتسرع كفيل بأن
يأتي على حساب إسرائيل".
ومع كشف رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو أمس، أن واشنطن أبلغته قبل بضعة أيام بقرار
الانسحاب، تساءلت
الصحيفة: "كيف يستقيم هذا مع ادعاء نتنياهو بأن ترامب هو الرئيس الأكثر ودا
لإسرائيل منذ أجيال".
ونوهت أن روسيا سبق
لها أن "قيدت عمل إسرائيل في سوريا ضد تثبيت الوجود الإيراني بعد حادثة إسقاط
الطائرة الروسية، في حين ترك ترامب إسرائيل لمصيرها في مواجهة العدو
الإيراني"، متسائلة: "طالما كانت روسيا هي الحليفة، وبلا ردع أمريكي في
سوريا، ما الذي سيمنع إيران وحزب الله من أن يجعلوا الجولان موقعا متقدما
لهم".
وقدرت
"يديعوت"، أن "المظلة الاستراتيجية التي توفرها واشنطن لإسرائيل
تضعف، ومع هذا لا يعول أحد من مصممي سياسة الأمن الإسرائيلية على أن تقاتل أمريكا
عنا، ولكن لا شك أن القوة الإسرائيلية استفادت دوما من القدرة على الإشارة
لأعدائنا؛ أنه من الأفضل لهم ألا يتورطوا معنا، فأمريكا عند الطوارئ تقف إلى
جانبنا".
واعتبرت أن قرار ترامب
"مؤشر على ضعف وخيانة، من جانب واشنطن لحلفائها؛ الأكراد في سوريا"،
موضحة أن "نتنياهو اعتمد على أن تضمن واشنطن المصالح الإسرائيلية حين تنتهي
الحرب، ولكن يبدو الآن أنه أخطأ، فلا يوجد من يحرص على مصالح تل أبيب في ظل انقسام
سوريا بين أعداء إسرائيل".
وأعربت عن أملها أن
"تجري تغييرات من تحت السطح، عبر تحالفات استراتيجية جديدة يحتمل أن تتحقق
الآن، والتي لا بد أن تساعد إسرائيل؛ فلعل عدو اليوم يصبح صديق الغد"، وفق
قولها.
كما أكدت الكاتبة
سمدار بيري، في مقال لها بذات الصحيفة، أن قرار الانسحاب، هو علامة طريق تهدد
بتغيير ميزان القوى الإقليمي وخلق واقع جديد على الأرض، ليس بالضرورة جيد
لإسرائيل، معتبرة أن الجهات الرابحة هي؛ إيران وروسيا، كما أن داعش يمكنه أن
يكون راضيا، والجهات الخاسرة هي؛ إسرائيل والأكراد.
"معاريف"
صحيفة
"معاريف" العبرية، وفي مقال بعنوان: "تذبذب ترامب ضربة قاسية
لإسرائيل" للخبير العسكري يوسي ملمان، فقد أكدت أن القرار الأمريكي هو
"ضربة قاسية للسياسة الإسرائيلية..، وضربة قاضية للأكراد كذلك".
وكشفت أن "الدور
الأساس للجنود الأمريكيين في السنة الأخيرة، هو مساعدة الميليشيات الكردية ضد
داعش، ولكن هذه المساعدة ساهمت في تعزيز الجيش الكردي، ولكنها كانت مغيظة لتركيا
التي تري في هذه المليشيا منظمة إرهابية وفرع لحزب العمال الكردي".
وبعد إعلان تركيا قبل
أسبوع، بالبدء بحملة واسعة ضد الوحدات الكردية، وتحذير الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان خلال اتصال ترامب من أن تواجد قواته من شأنه أن يؤدي إلى مواجهة مع جيشه،
رأت الصحيفة أنه "إذا كانت حملة تركيا هي القشة التي قسمت ظهر البعير
الأمريكي، فالحديث يدور عن استسلام قوة عظمى".
ونوهت إلى أن نتنياهو،
ووزير الأمن المستقيل أفيغدور ليبرمان، رئيس الأركان غادي آيزنكوت ورئيس
"الموساد" يوسي كوهين المرة، حاولوا "مرة تلو الأخرى إقناع نظرائهم
بأن التواجد العسكري الأمريكي في سوريا حيوي، ليس فقط لمصالح واشنطن بل لحلفائها
في المنطقة، وقبل كل شيء لإسرائيل".
وذكرت أن
"إسرائيل معنية بتواجد جنود أمريكيين كي توازن النفوذ الروسي في سوريا وتشكل
كابحا لمساعي التوسع الإيراني"، مبينة أن "هذا الانسحاب خطوة مدوية
لباقي حلفاء واشنطن؛ السعودية، الأردن، الامارات، مصر وغيرها، ومعناه، أنه لا يمكن
في واقع الأمر الاعتماد على الولايات المتحدة لتحميهم عند الحاجة".
وأكدت
"معاريف"، أن "الانسحاب الأمريكي هو انتصار للتصميم الإيراني
المتمسك بسوريا، وترك الساحة ليست سوريا وحدها، بل لروسيا، فكل فراغ تخلفه
الولايات المتحدة تشغله روسيا"، معتبرة أن "مطالبة إسرائيل بانسحاب إيراني
من سوريا تبدو اليوم أبعد من أي وقت مضى".
"هآرتس"
أما صحيفة
"هآرتس" اليسارية، وفي مقال للكاتب تسفي برئيل، فقد نبهت أن القرار
الأمريكي "لا يجب أن يفاجئ، لسبب واحد؛ أن ترامب اعتاد على تغيير سياسته
مثلما يغير جواربه"، مشيرة إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا، جيمس جفري،
وقبل 3 أسابيع، أوضح أن "خروج القوات الأمريكية مشروط باتفاق سياسي مقبول في
سوريا وتأسيس نظام مستقر، وهو المبرر الذي حل محل الانتصار على داعش".
وأضافت: "في هذا
المجال لا يوجد لواشنطن أي إسهام، لأن العملية السياسية تدار بشكل حصري، عبر روسا
التي انضمت إليها تركيا وإيران"، معتبرة أن "اشتراط الانسحاب الأمريكي
بالحل السياسي، ليس فقط لم يعجب موسكو وحلفائها بل جعل واشنطن تجد نفسها في موقف
تكون فيه معتمدة على قدرة بوتين في تحقيق الحل".
وذكرت أنه في حال
"تمسك ترامب بنيته الانسحاب، فتفسير ذلك سيكون تغير حقيقي على الأرض"،
مؤكدة أن "انسحاب القوات الأمريكية، سيعرض كهزيمة أمريكية من قبل إيران
وسوريا، وسيكون له تأثيرات على نفوذ واشنطن في المنطقة".
وأوضحت أن
"واشنطن ستخلي قاعدة التنف، والقواعد في شمال سوريا؛ التي تم استخدامها كنقطة
انطلاق لهجمات ضد داعش؛ وستتنازل عن فكرة إقامة نقاط مراقبة على طول الحدود مع
تركيا؛ التي استهدفت الدفاع عن الأكراد، وستبقي مدينة منبج التي تقع تحت سيطرة
الأكراد فارغة للأتراك، وهكذا باقي الجيوب الكردية التي تقع شرقي نهر
الفرات".
ومع سحب القوات
الأمريكية، "لم يعد العائق الأمريكي يقف أمام تركيا، وسيكون على الأكراد
التقرير؛ هل سيديرون حرب طويلة المدى أو البحث عن ملجأ في موسكو"، وفق
"هآرتس" التي أكدت أن "الأكراد أكبر الخاسرين من قرار ترامب، وهذه
لن تكون المرة الأولى في تاريخ الأكراد، التي تبين فيها أن واشنطن حليفة غير
موثوقة".
وأما بالنسبة
لإسرائيل، "لم يكن للوجود الأمريكي وزن خاص في المعركة التي تديرها ضد إيران
في سوريا، لكن كانت لها أهمية كبيرة في وضع قواعد اللعب أمام روسيا، وفي تحديد
المناطق قليلة التصعيد في جنوب سوريا، وإبعاد القوات الايرانية عن حدود هضبة
الجولان".
ولفتت
"هآرتس"، أن الانسحاب الأمريكي، "يعني أن كل إنزال جديد لقوات
أمريكية في سوريا، يحتاج لإجراء سياسي معقد وطويل أمام الكونغرس، وبالأساس خطوة
يمكن أن تفسر كإعلان حرب".