هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحافي إيشان ثارور، يقول فيه إن حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاء تتويجا لفترة رهيبة من إعادة تشكيل السياسة العالمية.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الحركات اليمينية في الغرب، وبالذات في أوروبا، هاجمت النظام الدولي الحالي بأعلى صوتها، و"حققت أرباحا كبيرة"، فحققت مكاسب انتخابية، بتركيز غضبها على مخاطر العولمة والاستياء الشعبي منها.
ويلفت ثارور إلى أن هذه الظاهرة تكررت مرة أخرى هذا الأسبوع، حيث أشار المعلقون اليمينيون في طرفي الأطلسي إلى أن المظاهرات في فرنسا هي دليل إضافي على أن الشعب في خلاف مع النخبة الليبرالية البعيدة عن الواقع المعاش، مشيرا إلى أن هذا المزيج من الخبراء والسياسيين يحتج بأن ضريبة الكربون التي اقترحتها حكومة ماكرون هي دليل على تهور "العولمة" التي يتبناها سماسرة السلطة.
ويقول الكاتب: "حتى ترامب شارك في ذلك، مشيرا إلى أن المشكلات التي يعاني منها ماكرون تثبت أن اتفاقية المناخ في باريس كانت فاشلة، (وليس مهما أن الغضب تجاه الرئيس الفرنسي يتعلق بالطريقة التي يحكم فيها، وليس حول الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي)، وقام أيضا بإعادة نشر تغريدة مضللة من أحد مؤيديه، فادعى أن المتظاهرين يهتفون باسم ترامب، وأنهم غاضبون من أجندة (ماكرون) الاشتراكية، (بغض النظر عن كون أحد أسباب انتقاد المواطنين الفرنسيين لماكرون هو أنه ليس اشتراكيا بما فيه الكفاية)".
وينوه ثارور إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كرر نظرة البيت الأبيض للأمور خلال خطابه في بروكسل، فسخر من بيروقراطيي الاتحاد الأوروبي، وتعدد الثقافات التي ينادي به أشخاص مثل ماكرون، وقال بومبيو: "مهمتنا هي أن نفرض سيادتنا قبل النظام العالمي، ونريد من أصدقائنا أن يساعدونا في فرض سيادتهم أيضا.. نصبو لأن نجعل النظام العالمي يخدم مواطنينا، لا أن يتحكم فيهم، وتنوي أمريكا أن تقود الآن ودائما".
ويفيد الكاتب بأن حزب بومبيو، الحزب الجمهوري، كان في السابق أول من يرحب بالسوق الحرة، ونفوذ رأس المال الأمريكي العابر للحدود، ورؤية الحرية الاقتصادية خلف الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أنه الآن تراجع في ظل حكم ترامب تحت راية قومية الدم والتراب، ليكون صدى لسياسة اليمين المتطرف الأوروبي، بدلا من مؤسسة اليمين الوسط التقليدية للقارة الأوروبية.
ويبين ثارور أنه ردا على ذلك، فإن الديمقراطيين الوسط، مثل المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، حثوا حلفاءهم في أوروبا وأمريكا بأن يميلوا نحو اليمين في موضوع الهجرة؛ وذلك لئلا يتهموا بأنهم يشجعون الهجرة الجماعية، في الوقت الذي يعتقد فيه آخرون بأن من الجنون أن يسمحوا لليمين بأن يفرض شروط الحوار.
وتنقل الصحيفة عن عضوة مجلس النواب براميلا جايابال (ديمقراطية عن واشنطن)، قولها: "يجب علينا أن نقول ما نعتقده بوضوح بأن شعبنا له الحق في السيطرة على من يدخل ويخرج عبر حدودنا.. وأن نسقط الفزاعة التي يستخدمها الجمهوريون، التي تقول بأن أي ديمقراطي يؤمن بإصلاح نظام الهجرة، ويدعو لسياسات إنسانية، فإنه يؤمن في الواقع بـ(حدود مفتوحة)".
ويستدرك الكاتب بأنه "أبعد من المعارك حول الحدود، فإن منافسي ترامب وبومبيو في أمريكا يجدون صوتهم السياسي في الخارج، فقد ترأس بيرني ساندرز اجتماعا للقيادات اليسارية في فيرمونت، ساندرز الذي تحتمل منافسته للترشح للرئاسة في انتخابات 2020، أصبح في الأشهر الأخيرة أكثر صراحة في الشؤون الدولية، محذرا من تكون (محور استبداد) في السياسة العالمية يتطلب ردا تقدميا موحدا".
ويقول ثارور: "أشار زميلي ديف ويغل، الذي حضر النشاط بأن (الموضوع الرئيسي خلال اللقاء كان حول فشل اليسار الدولي في التنظيم بفعالية مثل اليمين القومي)، وكانت انتصارات القوميين المتطرفين ألقت بظلالها على أعمال الاجتماع، بما فيها انتصار الزعيم اليميني المتطرف الإيطالي ماتيو سالفيني، الذي يتولى منصب نائب رئيس الوزراء حاليا، وكذلك القومي اليميني المتطرف جير بولسونارو في البرازيل، وفي كلتا الحالتين، أدى قلق الناخبين حول توجهات بلدانهم بعد الأزمة المالية إلى اختيارهم أكثر المرشحين معاداة للمؤسسة".
وتورد الصحيفة نقلا عن السياسي اليساري فرناندو حداد، الذي هزمه بولسونارو، قوله لويغل بأن البرازيل "تحصد نتائج فشل المشروع النيوليبرالي"، وقد ربط الحزب اليساري الحاكم في البرازيل سابقا بالفشل، مشيرة إلى أن الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية تراجعت في أماكن أخرى في الغرب، بعد الأزمة المالية لعام 2008، فيما فشل زعماء تلك الأحزاب في إقناع الناخبين الغاضبين بسبب الوضع الاقتصادي، الذي اعتبر تيار اليسار الوسط مسؤولا عنه.
ويجد الكاتب أن "هذا قد يتغير؛ لأن ساندرز وجماعته قاموا بمناقشة طرق لبناء شعبوية لا تحتاج إلى الاختباء خلف شعارات، ولا إثارة المخاوف من المهاجرين".
وتذكر الصحيفة أن يانيس فاروفاكيس، وهو وزير مالية اليونان السابق، الذي حضر اجتماع فيرمونت، كتب في مقال له في وقت سابق من هذا العام: "نحتاج أن نثبت بأن الطريقة الوحيدة التي يمكن للأكثرية فيها استعادة السيطرة على حياتنا، ومجتمعاتنا، ومدننا، وبلداننا هي من خلال تنسيق نضالنا على محور الصفقة الدولية الجديدة.. حيث لا يمكن أن يسمح لرؤوس الأموال العالمية بأن تمزق مجتمعاتنا كل ممزق، يجب علينا الإيضاح بأنه ليس هناك بلد عبارة عن جزيرة، وبالضبط كما يحتاج التغير المناخي منا العمل على المستوى المحلي والدولي، وكذلك الحرب ضد الفقر والدين الخاص والمصرفيين المارقين".
ويشير ثارور إلى أن بحسب ويغل، فإن فاروفاكيس حث ساندرز على أن يترشح للرئاسة، بالإضافة إلى أن خطاب المرشحين المحتملين لانتخابات 2020 الرئاسية، شبيه بذلك، فربطت السيناتورة إليزابيث وارين (ديمقراطية عن ماساتشوستس) في خطاب لها مؤخرا بين تحدي عدم المساواة مع النضال السياسي ضد الفساد والاستبداد في مناطق أخرى.
وقالت وارين: "هذا المزيج من الاستبداد والفساد الرأسمالي يشكل تهديدا قويا للديمقراطية في أمريكا وفي أنحاء العالم.. إنه تهديد لأن الفساد الاقتصادي لا يعرف الحدود، وفي اقتصاد عالمي قد يوفر الفساد ميزة استراتيجية".
ويشير الكاتب إلى أنه مثل فاروفاكيس وساندرز، فإن وارين دعت إلى ترميم العولمة، حيث يتم التفاوض على الصفقات الدولية لصالح العمال، وأعادت "الدفاع عن الديمقراطية" إلى تقوية حقوق العمال على المستوى الدولي، وإغلاق ملاذات الضرائب لأصحاب الثروات الفاحشة، وكسر احتكار الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات.
ويعلق ثارور قائلا: "كل بطريقته، تحاول وارين، ويحاول ساندرز للتوصل إلى خطة لأجندة دولية تقدمية، حيث تأمل قيادات اليسار بأن تولد هذه الإجراءات أرباحا اقتصادية تساعد كثيرا في مواجهة الأحزاب التي تلعب على مخاوف الناخبين، وتدعو للقومية اليمينية".
ويلفت الكاتب إلى أن "هناك في أوروبا بعض قصص النجاح لليسار، بما في ذلك صعود حزب الخضر في ألمانيا، وفي أمريكا، وبالرغم من استعراضات ترامب، إلا أن سياسة معارضة الهجرة تبقى قناعة الأقلية، حيث أظهر استطلاع حديث أن أكثر من 75% من الأمريكيين يعتقدون أن الهجرة (شيء جيد)".
ويختم ثارور مقاله بالقول: "لكن تبقى هناك قاعدة صاخبة مؤيدة لترامب، وأحزاب اليمين على أبواب تحقيق نجاحات كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية العام القادم، وبعد المظاهرات في فرنسا تراجع حزب ماكرون أمام اليمين المتطرف".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)