هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "بوليتكو" مقالا للصحافية الأمريكية فريدا غيتس، تقول فيه إن مقتل الصحافي جمال خاشقجي هز العالم، مشيرة إلى أن السعودية لم تحسب أن مقتل رجل قد يترك هذه الصدمة الجيوسياسية.
وتقول الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الملمح الثاني المثير للدهشة للدراما التي تحيط بمقتل خاشقجي، التي تأتي في المرتبة الثانية لما حدث له من تعذيب وقتل بشع، هو فداحة وحجم الصدمة التي تركها مقتله، فقد أدت عملية الاغتيال إلى انتشار اسم صحافي لم يسمع به معظم الناس قبل ذلك، وأرسلت هزات في أنحاء العالم كله، وهزت التحالفات الجيوسياسية، ووحدت بين أعداء غير محتملين، وأغضبت المراقبين في الولايات المتحدة وحول العالم".
وتشير غيتس إلى أن "خطاب الرئيس التركي يوم الثلاثاء، الذي وصف جريمة القتل بالشرسة، وبأنه خطط لها ،ودعا إلى محاكمة المتورطين في تركيا، زاد من التوتر على أزمة دولية لم تمر على الذاكرة الإنسانية مثلها".
وتلفت الكاتبة إلى أن "أردوغان، الذي تعرض للهجمات بسبب معاملته للصحافيين، لا يزال مصمما على مواصلة القضية، كما لاحظنا من قبل فإنه يرى في القتل فرصة لتقوية وضع تركيا الإقليمي، وتحسين صورتها التي تشوهت من خلال وصف تركيا بأنها ممثل للضمير الإنساني المشترك".
وتقول غيتس إن "قضية خاشقجي احتلت، وبشكل مدهش، عناوين الأخبار، ولثلاثة أسابيع بعد دخوله إلى القنصلية السعودية في اسطنبول ولم يخرج منها، ومحاولات رئيس الولايات المتحدة والسعودية لتخفيف الاهتمام الدولي بمصير خاشقجي، فشلت فشلا ذريعا، لماذا هذا، في وقت كانت فيه التقارير الإخبارية المروعة تتدفق مثل خرطوم إطفائية نار وبشكل مستمر، فهل هذه القضية يصعب إطفاؤها؟".
وتجد الكاتبة أن "قصة خاشقجي تحتوي على العناصر التي تحيط بنا كلها، وتعرض حياتنا للخطر في عصر عدم اليقين السياسي، في عصر ترامب وعصر الشمولية وعصر اللاأخلاقية والتعاقدية السياسية والقادة الذين يكذبون دون تردد أو ندم".
وتقول غيتس: "باختصار، فإن نهاية خاشقجي البشعة تمثل الصورة الأكثر درامية، وتعبر عن النسخة الشخصية لمخاوفنا، وهي دليل على انهيار النظام العالمي الليبرالي، وقد قتل خاشقجي بلا شك، كما اعترفت السعودية يوم الجمعة، ولا شك أن أردوغان استغل هذه القضية بذكاء، من خلال نشر تفاصيل مؤلمة عبر مسؤولين أتراك إلى الإعلام التركي، والهدف هو تضخيم ورقة نفوذه".
وتنوه الكاتبة إلى أن عددا من المراقبين اشتكوا في بداية الأزمة من كيفية اهتمام العالم بمقتل رجل واحد، فيما لم يتحرك العالم أمام مقتل الآلاف.
وتعلق غيتس قائلة: "صحيح أن السعودية قادت حربا في اليمن، وخلقت كارثة إنسانية أثرت على 22 مليون يمني، ولم تحظ بانتباه العالم، لكن البعض رد بطريقة ستالينية، وقالوا إن وفاة شخص واحد يمكن أن يحركنا أكثر من وفاة آلاف من الناس المجهولين لنا، إلا أن هناك أفرادا آخرين قتلوا في ظروف فاضحة دون أن يحظوا باهتمام عالمي".
وتبين الكاتبة أن "العالم حافل بالجرائم المروعة التي ترتكبها الحكومات ضد ضحايا يستحقون التعاطف، ولم يثر أي منهم انتباهنا، ولا الصحافيين الذين سقطوا من (النافذة) في روسيا، ولا الأكاديمي الإيطالي جوليو ريجيني، البالغ من العمر 28 عاما، الذي اختطف وعذب وقتل في مصر، ولا مدير الشرطة الدولية (إنتربول) مينغ هونغوي، الذي طار من فرنسا إلى بلاده واختفى، حيث عبرت زوجته عن مخاوفها من قتل السلطات له، ولا الصحافية كيم وول، التي قتلت وشوهت على يد مخترع دانماركي".
وتستدرك غيتس بأن "هناك أمرا خاصا في جريمة مقتل خاشقجي، التي حفزت في داخلنا التعاطف والاشمئزاز، وأكثر من أي جريمة قتل ضد الصحافيين الذين قتلوا هذا العام فإن اغتيال خاشقجي حصل على مفترق عدد من التوجهات المثيرة للقلق، التي تكشفت حول العالم".
وترى الكاتبة أنه "مع أنها عملية سعودية، إلا أنها أثارت القلق حول ما يجري في الأنظمة الشمولية الأخرى، والقلق بشأن ترامب الذي يواصل مهاجمة الصحافيين والتحريض ضدهم، ففي الأسبوع الماضي، أثنى على نائب مونتانا الذي هاجم بعنف صحافيا".
وتشير غيتس إلى أن "مقتل خاشقجي هز الحكومات الغربية، التي وضعت الكثير من الآمال على الأمير محمد بن سلمان، وظهرت أسئلة متأخرة حول فيما إن كان على الولايات المتحدة إعادة النظر في علاقتها مع المملكة، وبالنسبة للكثير من صناع السياسة، ومنهم ترامب، فإنه كان الجواب هو وجوب الحفاظ على العلاقات، إلا أن محاولات ترامب إخراج السعوديين من ورطتهم كلها فإنه يبدو أنه يزيد الأمور سوءا لهم".
وتقول الكاتبة: "أولا: احتل ابن سلمان مركزا مهما في السياسة الخارجية لترامب، وقام بترتيب أول زيارة خارجية إلى المملكة العام الماضي، وصادق صهره المؤثر جارد كوشنر، وشاوره في الموضوعات الإقليمية الحساسة، مثل السلام وإيران، ويرى الكثير من نقاد ترامب، صدقا أم غير ذلك، أن مقتل خاشقجي هو تعبير عن سياسات ترامب وأحكامه".
وتلفت غيتس إلى أن "طريقة تعامل الرئيس ترامب مع الأزمة كانت كمن نفث هواء ساخنا في نار مشتعلة، فتراوح موقفه بين إظهار التعاطف مع الصحافي المختفي، ورفض الأمر باعتباره مشكلة لا علاقة له بها، مشيرا إلى أن الصحافي المقيم في فرجينيا ليس مواطنا أمريكيا، وحتى لو بالغ في تقدير أهمية عقود السلاح، إلا أنها بدت له أهم من مقتل الصحافي، وقام على ما يبدو برمي بالون اختبار للتغطية على القتل عندما قال إن العملية هي نتاج لعمل (قتلة مارقين)".
وينوه الكاتبة إلى أن "ترامب شعر بالخيبة لأن العالم لم يتجاهل القصة، وقال لصحيفة (نيويورك تايمز): (لقد أمسكت هذه القضية بانتباه العالم، لسوء الحظ)".
وتجد غيتس أنه "من المفارقة أن رجال الأعمال والشركات الخاصة هم من أبدوا اهتماما بالأمور الإنسانية أكثر من الرئيس، حيث ألغوا مشاركتهم في مؤتمر الاستثمار في السعودية، وعندما اعترف السعوديون بمقتل الصحافي نتيجة لعراك في القنصلية، ولم يكن ولي العهد يعرف عنها، سئل ترامب إن كان يصدق القصة، فإنه أجاب (نعم)، في تناقض مع الوكالات الأمنية التي تعتقد خلاف ذلك، وعندما رفض الكونغرس والعالم تصديق الرواية السعودية فإنه خرج قائلا: (كان هناك خداع على ما يبدو وأكاذيب)".
وتفيد الكاتبة بأن "هذا لم يخدم البيت الأبيض، فتعرض الرئيس للنقد بسبب علاقته مع الديكتاتور الكوري الشمالي، ورفضه لانتقاد بوتين، وكال المديح للرئيس الصيني وللديكتاتوريين من القاهرة إلى مانيلا، ولأنه وصف الدول الغربية التي تشارك أمريكا في قيمها بالأعداء، فإن رده الفاتر على مقتل خاشقجي يتناسب مع هذا الموقف".
وتختم غيتس مقاله بالقول: "نحن نعيش في عصر تتغير فيه الأعراف السياسية، فالتسامح مع الآراء المتباينة يتلاشى، وهناك من يتعامل مع النقاد على أنهم أعداء، ووصف ترامب الصحافيين بأنهم (أعداء الشعب)، كل هذا يضيف للغموض في أين ينتهي هذا كله، وقدم مقتل خاشقجي شكلا مروعا لقلقنا، وسواء خرج العالم من هذه الأزمة بحس من العدالة والإجماع بأن القتل خارج نطاق القانون ليس طريقة مقبولة لتصفية الخلافات السياسية، سيحدد فيما إن كان إرث هذا القتل هو عالم مخيف أكثر، أو عالم خائف عاد لعقله".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا