هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالة افتتاحية تطرقت فيها إلى الرواية التي أصدرها النظام السعودي بشأن سبب وفاة الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، التي لم تقنع وسائل الإعلام الدولية.
وقالت الصحيفة، في افتتاحيتها التي ترجمتها "عربي21"، إن النظام السعودي "أفاد بأن جمال خاشقجي لقي حتفه بعد دخوله في عراك بالأيدي داخل مبنى القنصلية. ويمكن القول إن هذه القصة تبعث على السخرية بحق، وتثير العديد من الأسئلة حول نية السعودية من خلال إصدار مثل هذا البيان الساذج".
وأوردت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "يبذل جهوده من أجل الحفاظ على العلاقات التي تجمعه بمحمد بن سلمان، القائمة بالأساس على صفقات السلاح التي تدر أرباحا خيالية على الاقتصاد الأمريكي. وعندما سئل عن رأيه بشأن السيناريو الذي أعلنه السعوديون، صرح ترامب بأنه مقتنع تماما به ويجده موثوقا، ناهيك عن اعتبار الاعتراف السعودي بمقتل خاشقجي خطوة أولى جيدة وكبيرة".
في المقابل، "يندرج اسم الرئيس الأمريكي ضمن لائحة مقتضبة للأشخاص الداعمين لهذه القصة الخرافية والذين يصدقونها، حيث أعرب المجتمع الدولي عن رفضه محاولة ابن سلمان المثيرة للشفقة نكران ما لا يمكن إنكاره. وبشكل أساسي، تهدف القصة السعودية إلى عزل ولي العهد محمد بن سلمان عن أي مسؤولية تتعلق باغتيال خاشقجي وجعله بمنأى عن الشبهات".
وأضافت الصحيفة أن "الرواية السعودية تنص على أن حكومة ابن سلمان أصدرت أمرا عاما بجلب المعارضين السعوديين المقيمين بالخارج، وهو ما دفع نائب رئيس الاستخبارات العامة، أحمد عسيري، إلى إرسال فريق لجلب خاشقجي من تركيا. وطبقا لما ورد في هذه الرواية، فقد تصدى خاشقجي للرجال السعوديين وبادر بعراك انتهى بمقتله. وقد تكفل متعهد محلي بدفن جثته، التي من المرجح أنها قطعت ونقلت داخل حقائب".
وذكرت أن الحكومة السعودية "سارعت باعتقال الفريق الذي تزعم أنه كان مكلفا باعتقال خاشقجي، ويضم 15 شخصا. وقد طالت حملة الاعتقالات موظفين في القنصلية السعودية بإسطنبول، فضلا عن جميع الشهود الذين كانوا حاضرين على هذه الحادثة، باستثناء القنصل العام. والجدير بالذكر أن القنصل عاد إلى المملكة العربية السعودية بعد وفاة خاشقجي ولم يسمع عنه أي خبر منذ ذلك الحين".
"ثغرات في القصة"
وأوردت أن الحكومة السعودية "بادرت بفصل اللواء أحمد عسيري وسعود القحطاني أحد المساعدين المقربين من ولي العهد محمد بن سلمان، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الاستخباراتيين. وتهدف موجة الاعتقالات والعقوبات السعودية الأخيرة إلى الاعتراف بالأخطاء وربطها بالمسؤولين السعوديين مقابل تبرئة محمد بن سلمان وإرضاء دونالد ترامب".
وأشارت الصحيفة إلى "الثغرات التي تشوب القصة السعودية، حيث لا تزال العديد من الأمور مبهمة وغير واضحة للمجتمع الدولي الذي لا يزال عاجزا عن أخذها على محمل الجد. وتتمحور أبرز هذه الإخلالات حول الرواية التي تقول بأن خاشقجي، البالغ من العمر 60 سنة، افتعل شجارا لمنع اعتقاله".
ووفقا للصحيفة فإنه لا يقتصر الأمر على الشجار فحسب، "بل إن سبب اصطحاب أحد العملاء السعوديين لمنشار عظام إلى مبنى السفارة يعد غير مبرر على الإطلاق، خاصة مع تصريح الصحافة التركية بامتلاكها أدلة تفيد بقطع أوصال خاشقجي بعد تعذيبه وقتله. ولا تفسر القصة الخرافية السعودية سبب استغراق حكومة ابن سلمان مدة تتجاوز الأسبوعين للاعتراف بمقتل جمال خاشقجي".
وبينت أن استيعاب الرواية السعودية "بات صعبا للغاية في ظل عدم توفر البراهين التي تدعمها. أما السؤال المطروح الذي ظل من دون إجابة فيتعلق بالسبب الذي دفع حكومة ابن سلمان إلى قتل صحفي سعودي في الخارج، لا سيما أن مقالاته في صحيفة "واشنطن بوست" لا يمكن أن تشكل خطرا عليها".
"صورة ابن سلمان"
وأوضحت الصحيفة أن محمد بن سلمان "يروج لصورة المصلح الذي سمح للنساء بقيادة السيارة، ومن غير المرجح أن يقترف مثل هذه الجريمة البشعة. في المقابل، لا تعد هذه الممارسات غريبة على ولي العهد، فقد سبق له سجن العديد من أقربائه من العائلة الملكية، ناهيك عن شنه حربا ضروسا في اليمن، وخطف رئيس الوزراء اللبناني، ومعاقبته لأحد المدونين بحوالي ألف جلدة بسبب تدويناته".
وذكرت أنه يتوجب على ترامب "المطالبة بفتح تحقيق مدعوم من الأمم المتحدة للنظر في ملابسات هذه القضية في حال أراد المحافظة على مصداقيته. ويجدر بالرئيس الأمريكي تعليق مبيعات الأسلحة إلى المملكة ومطالبة الدول الأخرى بالقيام بالأمر ذاته، كما أنه يتعين عليه إخبار آل سعود بأن تواجد محمد بن سلمان أصبح مضرا للحكومة السعودية".
وتختم الصحيفة المقال بالقول إنه يجب على الرئيس ترامب "أن يحرص على تسليم رفات جاره الأمريكي إلى أسرته. فجمال خاشقجي عمل في واشنطن محررا في صحيفة "واشنطن بوست"، لكنه عانى من عقاب بلاده الهمجي بسبب قوله للحقائق".